تبدو الانتخابات الفرنسية المزمع تنظيمها في العاشر من أفريل، أكثر استحقاقات خالية من الإثارة، طبعا فالوضع الدولي والحرب الأوكرانية الروسية تحديدا طغت على كلّ الأحداث، وجعلت الفرنسيين كما شعوب العالم قاطبة تحوّل كلّ اهتمامها لتتبّع تطورات المواجهة المتفجّرة في أوروبا الشرقية وتداعياتها الكارثية، ما أدّى إلى تراجع التركيز على الحملات الانتخابية التي يطغى عليها الكثير من الفتور، بل لقد أدّت حرب أوكرانيا إلى تعديل خطط الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، المرشّح الأوفر حظّا في سباق الإليزي، وجعلته بعيدًا بعض الشيء ليتعامل مع نظرائه في جميع أنحاء العالم.
تبدو الانتخابات الفرنسية المزمع تنظيمها في العاشر من أفريل، أكثر استحقاقات خالية من الإثارة، طبعا فالوضع الدولي والحرب الأوكرانية الروسية تحديدا طغت على كلّ الأحداث، وجعلت الفرنسيين كما شعوب العالم قاطبة تحوّل كلّ اهتمامها لتتبّع تطورات المواجهة المتفجّرة في أوروبا الشرقية وتداعياتها الكارثية، ما أدّى إلى تراجع التركيز على الحملات الانتخابية التي يطغى عليها الكثير من الفتور، بل لقد أدّت حرب أوكرانيا إلى تعديل خطط الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، المرشّح الأوفر حظّا في سباق الإليزي، وجعلته بعيدًا بعض الشيء ليتعامل مع نظرائه في جميع أنحاء العالم.
بعد أيام قليلة سيكون الفرنسيّون على موعد مع الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي يشارك فيها 12 مرشحا بينهم 8 رجال و4 نساء، أما الدورة الثانية فتجري في 24 أفريل، وقد صادق المجلس الدستوري على ملفات ثلاثة مرشحين عن اليمين المتطرف، وهم مارين لوبان (التجمع الوطني)، إريك زيمور (الاسترداد)، ونيكولاس دوبون إينيون (فرنسا انهض)، فيما ترشّحت فاليري بيكريس عن حزب «الجمهوريون» ممثلة لليمين المعتدل.
ويمثل اليسار المتطرف كل من ناتالي أرثود (النضال العمالي)، وفيليب بوتو (الحزب الجديد المناهض للرأسمالية)، فيما ترشّح فابيان روسيل (الحزب الشيوعي الفرنسي) وجان لوك ميلينشون (فرنسا المتمردة) عن اليسار الراديكالي، وآن هيدالجو (الحزب الاشتراكي) عن اليسار المعتدل. وفي المقابل، سيمثل يانيك جادوت، الخضر، وجان لاسال (المقاومة) ممثلاً للأحزاب التي تعبر عن المزارعين.
ماكـــــرون الأوفـــر حظّا
تقدّم مختلف التوقعات الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون للفوز بسباق الإيليزي، وهذا بالنظر إلى غياب مرشّح قوي سواء من اليمين أو اليسار يقطع عليه الطريقّ، ويحدّ من حظوظه في الظفر بعهدة ثانية، بالرغم من عهدةٍ أولى لم تصل حصيلتها إلى المستوى المطلوب.
وحسب هذه التوقعات، هناك عاملان لصالح مرشح «الجمهورية إلى الأمام»؛ الأول الفوضى التي تسود المعارضة وضعفها، والثاني يتمثل في الوضع الدولي الذي يلعب لصالح ماكرون، ويعزّز فرصه في الفوز.
وبالفعل، لقد قلّبت الحرب الروسية الأوكرانية الموازين على صعيد الانتخابات الفرنسية، وبات واضحا أن المستفيد الأول من هذه الحرب في سباق الإليزي، هو ماكرون الذي تقدّمه جلّ استقراءات الرأي، وترفع أسهمه حالة الرضا عن الدور الذي أدّته باريس ضمن الجهود الأوروبية للتعامل مع الحرب الأوكرانية.
لقد خدمت الحرب في أوكرانيا ماكرون كثيرا، حيث برز دوره على مسرح الأحداث العالمي، بعد أن قاد مبادرات هامة في محاولة لنزع فتيل المواجهة العسكرية، من ضمنها زيارته إلى روسيا وإجرائه اتصالات هاتفية متتالية مع أطراف الأزمة، وفي مقدمتهم الرئيسين الروسي والأوكراني، فلادمير بوتين وفولدمير زيلنيسكي، والرئيس الأمريكي جو بايدن، وقادة الناتو والاتحاد الأوروبي.
وبما أنّ رئاسة ماكرون لفرنسا تزامنت مع رئاسة فرنسا للمجلس الأوروبي، الذي يمثل جميع حكومات الاتحاد الأوروبي، فهذه المصادفة منحته دورا بارزا في التنسيق بين 27 حكومة أوروبية من أجل التعامل مع الحرب في أوكرانيا.
من هذا المنطلق لا يستبعد المراقبون السياسيّون فوز ماكرون، الذي تمكّن في عام 2017 من وضع حدّ لتقليد انتخاب الرؤساء من حزب «الجمهوريون» أو «الحزب الاشتراكي»، وذلك بانشقاقه عن الحزب الاشتراكي ودعوته الفرنسيّين لانتخابه رئيساً دون انتماء حزبي تقليدي، وشكّل حركة سماها «الجمهورية إلى الأمام»، تحصّلت على الأغلبية البرلمانية في الانتخابات الفرنسية التشريعية التي تلت انتخابه رئيساً في العام 2017.
الأحـــزاب العريقـة تحتضر
المشهد السياسي في فرنسا تغيّر كثيرا عن الماضي، ولم تعد الأحزاب التقليدية تهيمن على الساحة، بل لقد وهنت وتراجعت إلى الوراء لتترك المجال مفتوحا أمام أقصى اليمين بقيادة التجمع الوطني الذي تقوده مارين لوبان من جهة، وبقايا أقصى اليسار بقيادة جون لوك ميلونشون من جهة أخرى، ومن المتوقع أن ينعكس هذا التراجع كما في السنوات الأخيرة على نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة.
ويرى متابعون، أنّ تراجع الحزب الاشتراكي في استطلاعات الرأي يعود إلى انحسار قاعدته الشعبية، خاصة بعد التحاق أغلب مُنتخبي الحزب بحركة الرئيس ماكرون في مطلع عُهدته الرئاسية، فماكرون أسّس حزب «الجمهورية إلى الأمام»، على حساب الجمهوريين بوسط اليمين والاشتراكيين بوسط اليسار، وقام باستمالة العديد من الكفاءات السياسية المنتمية لهذين التيارين السياسيين، اللذين كان لهما حضور قوي في المشهد السياسي الفرنسي لسنوات عديدة.
وتؤكّد هذه التّطوّرات أنّ تراجع تأثير الأحزاب التقليدية في فرنسا، يفتح الباب واسعاً أمام الجبهة الوطنية التي وصلت إلى الدورة الثانية من الرئاسيات الماضية.
اليمين المتطرّف..هل يحقّق المفاجأة؟
مستفيدا من ضعف الأحزاب التقليدية، وصعود النزعة اليمينية المتطرفة بشكل غير مسبوق في فرنسا، استطاع «اليمين المتطرّف» رسم معالم خريطة انتخابية جديدة، وأصبح أحد الفاعلين على الساحة السياسية، الأمر الذي جعل الاستقراءات تضعه في مقدمة الأحزاب الأوفر حظاً للوصول إلى الدور الثاني من الانتخابات الفرنسية المرتقبة بعد أيام، لتتكرّر تجربة 2017 عندما وصلت ممثلة «الجبهة الوطنية «مارين لوبان» إلى الجولة الثانية أمام ماكرون.
اليوم يتقدّم اليمين المتطرّف الفرنسي إلى الانتخابات بجناحين، الأوّل، تمثّله لوبان التي قالت قبل أيام إنها لو انهزمت فلن تترشّح مجدّدا، والثاني يمثله الكاتب والصحفي إريك زمور، الذي أحدث ترشّحه جدلا كبيرا بسبب مواقفه العنصرية وتصريحاته التي تربك الحملة الانتخابية، حتى أن بعض المحلّلين شبّهوا حالة زمور بما شهدته الانتخابات الأمريكية في 2016، مع ترشّح رجل الأعمال دونالد ترامب.
وفيما يسود بعض الأوساط السياسية الفرنسية اعتقاد بأن إريك زمور قد يسحب البساط من تحت أقدام مارين لوبان، زعيمة حزب «التجمع الوطني»، وبأنه قد «يستولي» على وعائها الانتخابي، فإن مراقبين يعتقدون العكس تماما، ويقولون إن مارين لوبان ستمرّ إلى الدورة الثانية ضدّ الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون.
اللاّجئون والمهاجرون..الورقة الرّابحة
كما هو الحال في كلّ الانتخابات، يركّز المتنافسون على كرسي الرئاسة في فرنسا حملاتهم على ملف اللاجئين والمُهاجرين وحتى على الإسلام والمسلمين، فبينما يكشّر اليمين المُتطرّف أنيابه في وجه هؤلاء،
ويدعو ليس فقط لصدّ الأبواب أمامهم بل وطرد من هو مُتواجد على الأراضي الفرنسيّة، وتعقيد حياته بإجراءات قانونية صارمة، يحافظ اليسار على نبرة إنسانية في معالجته لهذا الملف، ويدعو لعدم غلق الأبواب أمام من يطرقونها، من منطلق حاجة البلاد إليهم اقتصاديا، وأيضا من منطلق المسؤوليّة الأخلاقيّة والإنسانيّة، ويقول مراقبون إن هذا الموقف يعد أحد الأسباب التي ظل اليسار يدفع ثمنها في السنوات الأخيرة انتخابيا، لانتشار أفكار اليمين المتطرف في المجتمع عاما بعد عام.
فما هي أبرز مقترحات المرشّحين، يمينا ويسارا، بشأن الهجرة؟
هناك مترشّحون يفضّلون مسك العصا من الوسط، مثل الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، الذي يرفع شعار «أوروبا ذات سيادة..أوروبا قادرة على ضبط حدودها»، ما يعني تكثيف المراقبة على الحدود الأوروبية، وتحسين التعاون مع بلدان المهاجرين الأصلية لتسهيل عودتهم.
أمّا مرشّحة حزب «الجمهوريون» اليميني فاليري بيكريس، فتتعهّد باستشارة الفرنسيين إذا ما انتخبت رئيسة للبلاد، في إطار استفتاء شعبي لإجراء تعديل دستوري حول ملف الهجرة. وتريد عبره تحديد عدد المهاجرين الجدد المسموح باستقبالهم سنويا حسب المهنة والبلد، تقديم طلبات اللجوء من الخارج، ووقف العمل بقانون «حق الأرض»، والحصول على بطاقة إقامة يكون مشروطا بإتقان اللغة الفرنسية، وهو أمر معمول به في الوقت الحالي أيضا، وتشديد شروط التجنس وقانون لم الشمل.
في المقابل هناك مرشّحون متعاطفون مع المهاجرين واللاجئين، ولا يعتبرونهم أعداء، ومن بين هؤلاء مرشّح «فرنسا الأبية» جان لوك ميلنشون، المحسوب على أقصى اليسار، والذي يعد بإجراءات تسمح باستقبال المهاجرين ومعاملتهم بكرامة.
وهناك أيضا مرشّحين يظهرون عداء لا حدود له تجاه المهاجرين خاصة إذا كانوا مسلمين، ففي كل انتخابات الفرنسية، يبدو اليمين سواء التقليدي أو المتطرف، أكثر تشددا حول الهجرة، ويجعلها كأحد الأوراق الرابحة في يده، وإن كان معسكر أقصى اليمين يعتبر الأكثر راديكالية بهذا الخصوص.
مرشّحو اليمين المتطرف يعتقدون بأن تزايد عدد المهاجرين يساهم في تلاشي ملامح الهوية الفرنسية، ويُحدِث شرخاً في النسيج المجتمعي الفرنسي، بل ويتسبّب حتى في انخفاض معدل الأجور، لأن المهاجرين من العمال حسب هذا التيار العنصري، يقبَلون العمل بأجور منخفضة مقارنة بالعمال الفرنسيين.
ويعتبر إيريك زمور المُرشّح اليميني الأكثر تطرّفًا ورفضا للمُهاجرين، وخاصَّةً من دُول الاتّحاد المغاربي، حيث يتعهّد بطرد مِليون لاجِئ غير شرعي يُقيمون في فرنسا حاليًّا إذا فاز في الانتِخابات، ويحمّل هؤلاء وغيرهم جميع المشاكل والأزمات التي يعيشها المُجتمع الفرنسي.
وقد تعهّد بإلغاء قانون «حق الأرض» الذي يحصل بموجبه المولودون في فرنسا على الجنسية، كما لا يتردّد زمور في إطلاق سهامه ضد الإسلام الذي يعتبره نقيضا لمبادئ الجمهورية وخطرا عليها، أما مواقف مارين لوبان التي تقوم على «الأولوية الوطنية»، فهي تبدو أمام مواقف زمور أقلّ عنصرية وتطرّفا.
ما الذي ينتظرُه الفرنسيّون من انتخابات 2022؟
إذا كانت الانتخابات الفرنسية السابقة قد شهدت نسبة غير مسبوقة من العزوف الانتخابي، فإنّ استطلاعات الرأي تتوقّع ارتفاعاً ملموساً في نسبة المشاركة في الانتخابات الفرنسية الرئاسية المُقبلة، خاصة أنّ الأزمة الصحية التي رافقت انتشار فيروس كوفيد-19 خلّفت ارتفاعاً في نسبة اهتمام الفرنسيين بصناعة القرار السياسي وبدواليب الحكم.
ولعلّ أهم ما يشغل الفرنسيين هو الهوّة المتزايدة بين القدرة الشرائية للفقراء والأغنياء، ويرتبط تراجع القدرة الشرائية بالأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد خلال فترات الحجر الصحي، والتي تسبّبت في اندثار العديد من مناصب الشغل، وفي تراجع النمو الاقتصادي بنسبة 8 % خلال العام 2020.
ويأتي ملف الهجرة في المرتبة الثانية للاهتمامات الفرنسية، إذ أثبت المعهد الوطني للإحصائيات أنّ عدد المهاجرين الذين اختاروا فرنسا وجهة لهم خلال عهدة ماكرون تجاوز المليون مهاجر.
معلومــــــات عامّــــــــة
- حدّدت الحكومة الفرنسية، 10 أفريل 2022، كتاريخٍ لإجراء الدور الأول من الانتخابات الفرنسية الرئاسية، على أن يُجرى الدور الثاني منها في 24 من نفس الشهر.
- يُنتَخب الرّئيس الفرنسي بالاقتراع العام المباشر للمواطنين، والانتخابات الفرنسية الرئاسية في دَوْرَيْن.
- يسمَح نظام الدّورَيْن بإضفاء شرعية أكبر على الانتخابات الرئاسية، إذ يختار الفرنسيون بين مُرَشّحَيْن فقط بدل تَشَتّت الأصوات بين عدد أكبر من المرشحين كما يجري عادة في الدّور الأوّل.
- تمّ انتخاب الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون رئيساً في العام 2017، بعد أن بلَغ الدّور الثاني رفقة زعيمة حزب التجمع الوطني مارين لوبان عن اليمين المتطرف، إذ حصد ماكرون في الدور الثاني 66,1 % من الأصوات.
- يَحقّ للرّئيس الفرنسي تجديد عُهدتِه مرة واحدة فقط، بحسب التعديل الدستوري الذي تبنّاه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في العام 2008.
- لَطالما اختار الفرنسيّون رؤساءَهُم من بين حِزبَيْن اثنَين لا ثالث لَهُما، أوّلُهما حزب «الجُمهوريّون» اليميني، والذي يتبنّى فكراً ليبرالياً، ويرتبط باسم الرئيس الفرنسي والشخصية التاريخية الشهيرة «شارل ديغول»، الجنرال الذي نزع البدلة العسكرية ليَترأّس البلاد، وهو مؤسّس الجمهورية الفرنسية الخامسة.
وانتخب حزب «الجُمهوريّون» اليميني خمسة رؤساء، أشهرهم بالإضافة إلى شارل ديغول جورج بومبيدو، وجاك شيراك، ونيكولا ساركوزي.
- ثاني الأحزاب هو الحزب الاشتراكي، الذي تأسّس في العام 1969 كذراع سياسية للفكر الشيوعي اليساري، ولحركة العمال وَقتَها، الذي قدّم للجمهورية الخامسة رئيسَيْن اثنَيْن: فرنسوا ميتيران وفرنسوا هولاند.
- بالإضافة إلى هذَين الحزبَيْن يتكَوّن المشهد السياسي من أحزاب صُغرى تتبنّى فكراً متطرفاً، سواء من اليمين أو اليسار، أهمّها «حركة فرنسا غير الخاضعة» عن اليسار المتطرّف، وحزب «التجمّع الوطني» عن اليمين المتطرف، وزعيمته مارين لوبان ابنة مؤسس الحزب «جون ماري لوبان».
- جرت العادة أن تُقدّم أحزابٌ أخرى مرشّحين للانتخابات الرئاسية، لكنّ حظوظهم في اجتياز الدّور الثاني تبقى ضئيلة، ويأتي على رأس هذه الأحزاب حزب «الخضر» المهتم بقضايا البيئة.