ربح المعركة الاقتصادية والقانونية يعزّز العملية السياسية
يؤكّد رئيس الهيئة الصّحراوية للبترول والمعادن الدكتور ، غالي الزبير، أنّ الأسس التي صدر على إثرها الحكم الأول سنتي 2016 و2018 لصالح البوليساريو والقضية الصحراوية هي نفسها موجودة في الوقت الراهن، وأوضح في حوار لـ “الشعب ويكاند”، أنّ تأكيد الحكم سيكون سابقة تاريخية، وربح معركة اقتصادية وقانونية تؤدّي إلى تعزيز مسار العملية السياسية المعطّلة.
- الشعب: ما المتوقّع من قرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاق الزراعة والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي؟
الدكتور غالي الزبير: نتوقّع من قرار المحكمة الأوروبية أن تصدر حكمها لصالح الشعب الصحراوي، ونحن متفائلون كثيرا لأنه حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، وحقه في التمتع بثرواته الطبيعية.
- هل هناك مؤشّرات لصدور القرار لصالح البوليساريو ولصالح القضية الصّحراوية؟
القرار سوف يأتي في نفس السياق الذي جاءت فيه القرارات السابقة الصادرة في فبراير 2016 ونوفمبر 2018، ثلاثة قرارات متتالية حكمت لصالح الشعب الصحراوي، ونفس الأسس التي تأسّست عليها القرارات هي نفسها الأسس الحالية، وتتلخّص في أن المغرب والصحراء الغربية إقليمان منفصلان ومتمايزان من الناحية القانونية هذا أولا، وثانيا، أنّ المغرب لا يحق له أن يوقّع أي اتّفاق مع طرف ثالث مثل حال الاتحاد الأوروبي ويشمل الصّحراء الغربية، أما ثالثا، فهذه الاستثمارات تتم دون الأخذ بعين الاعتبار رأي الشعب الصحراوي ودون استشارته، والاستفادة من الاتفاقيات تعود للاحتلال وليس للشعب، وهذه الأسس مازالت قائمة وكلّها تؤكّد أنّ أي نشاط استثماري يعرقل عملية تصفية الاستعمار وتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره.
- الحكم لصالح الجبهة سيعتبر ربح رهان المعركة الاقتصادية، إلى أيّ مدى سيترجم ذلك تعزيزا لمسار العملية السياسية المتعطّلة؟
ربح الرّهان الاقتصادي من دون شك سيكون أثره مباشرا على العملية السياسية لأن عدم الانسياق في التصور المغربي لمستقبل القضية الصحراوية، وهو ما تصر عليه دول عديدة في العالم سوف يتعزّز هذا التوجه من الحكم القضائي، ويلزم جميع الدول الأوروبية، كما سيشكّل سابقة قانونية وقضائية سيكون لها تأثيرها على التعاطي مع المسلسل السياسي للقضية الصحراوية بالرغم من التعطل الذي يشهده المسار منذ فترة طويلة وليس لغياب الأسس القانونية، ولكن هو نتاج ضعف إرادة مجلس الأمن في فرض قراراته أو في السير بالعملية إلى نهايتها بسب العراقيل الفرنسية التي تقوم بحماية المحتل المغربي، وتوفر له الغطاء السياسي داخل مجلس الأمن.
- ما هي التبّعات القانونية لقرار المحكمة الأوروبية؟
القرار سوف تكون له تبعات قانونية مباشرة على كل الشركات والدول الواقعة في الفضاء الأوروبي لأنّ القرارات السّابقة أكّدت بصورة عامة أنّ الاتفاقيات غير قانونية وغير شرعية، ولا يمكن دخول الاتحاد الأوروبي في اتفاقيات دون موافقة الشّعب الصحراوي إذا شمل الاتفاق الصحراء الغربية لأنّه سيكون قرارا ملزما لأن الاتفاق لا يعني أنه قانوني أو لا، ولكن يسعى إلى وقف هذه الاتفاقيات نتيجة لخرقها لاتفاقيات سابقة وإضرارها بمصالح الشعب الصحراوي، وسيكون تأثيرها مباشر لتوقيف أي نشاط يجري في إطار نهب ثروات الشعب الصحراوي من طرف دول الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع المغرب.
- هل يمكن لجبهة البوليساريو عقد اتّفاقات شراكة اقتصادية مع دول غربية في حال كان القرار لصالحها؟
دعت البوليساريو الاتحاد الأوروبي إلى تصحيح وضعه القانوني من خلال التفاوض مباشرة مع الشعب الصحراوي ممثلا في الجبهة باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد حسب لائحة الجمعية العامة الصادرة في 12 نوفمبر 1979 التي تعترف بالجبهة ممثلا وحيدا وهي المفاوض باسم الشعب الصحراوي، ودعت الاتحاد الأوروبي و جميع الدول إلى التفاوض مع الجبهة مباشرة. وما تزال هذه الدعوة مفتوحة لأنّ من مصلحة الاتحاد الأوروبي احترام القانون الدولي والعمل على تعزيز العمل السياسي لإنهاء هذا النزاع ووقف نهب الثروات الطبيعية والتوقف عن تشجيع المغرب على المزيد من انتهاك القانون والتهرب من مسؤولياته في تصفية الاستعمار.
وللاتحاد الأوروبي تجربة مماثلة مع منتجات المناطق المحتلة في فلسطين، وأظن أنّه بعد صدور هذا الحكم سيكون الاتحاد الأوروبي ممثلا في المجلس والمفوضية أمام الأمر الواقع إما يختار التخلي عن هذه الاتفاقيات أو يتجه إلى تصحيح وضعه القانوني من خلال التفاوض مع ممثلي الشعب الصحراوي.
- ألا تعتقد أنّ تعطّل صدور القرار يعتبر سيناريو لإطالة النّزاع وعدم تحريك المياه الرّاكدة في الصّحراء الغربية لاسيما بعد القرار المزعوم للرّئيس الأمريكي السّابق ترامب؟
لا أعتقد أنّ تعطّل صدور القرار من 2016، لأنّ القرار الأخير كان سنة 2018 وصدر منه قرارين الأول في 28 فبراير 2016، والثاني صدر في نوفمبر 2018، لكن نحن نشهد أنّ هذه القرارات شهدت بعض التباطؤ نتيجة الظروف التي يعيشها العالم جراء الأزمات التي يشهدها، وكذلك تغير في بعض التشريعات القانونية والحياة السياسية لجميع المؤسسات والمصالح الأوروبية، إضافة إلى تفشي وباء كورونا في العالم، إذ لا يمكن أن تؤخّر صدور القرار المقصود لإطالة النزاع لأنّ القضاء مستقل، وعدم السير بديناميكية قوية في الحل السياسي ناتج عن ضعف مجلس الأمن، وعن غياب إرادة بعض الدول الكبرى خاصة فرنسا والولايات المتحدة.
لا علاقة لهذا القرار بقرار ترامب لأنّه جاء في اللحظات الأخيرة من حكمه، ونتصوّر أنّ الإدارة الأمريكية الحالية تحس بالحرج ولا تسير في اتجاه تنفيذه، ولم تقم بفتح قنصلية أمريكية في الداخلة مثلما كان المغرب يروّج له ويسعى إليه بصورة حثيثة، ولم تقم بأي خطوات عملية لتحويل هذا الاعتراف من إعلان رئاسي إلى خطّة عملية على أرض الواقع.
- هل يمكن أن تعطي لنا نظرة شاملة عن الثّروات الطّبيعية في الصّحراء الغربية؟
الثّروات الطبيعية في الصّحراء الغربية متعدّدة ومتنوّعة، حيث أنّه في سنة 1974 أكّد البنك الدولي في تقريره السّنوي أنّ الصحراء الغربية يمكن أن تكون واحدة من أغنى دول العالم لغناها بالثروات الطبيعية وقلة سكانها، أما عن أهم الثروات فنجد الفوسفات، حيث تتوفّر الصّحراء الغربية على 28 بالمائة من احتياطي الفوسفات العالمي، وهذه الثروة مهمة للزراعة، والتي لا توجد بكميات كبيرة إلا في عدد قليل من دول العالم.
ثانيا الثروة البحرية متمثلة في الأسماك والرخويات وغيرها هي ثروة تجعل الصحراء الغربية تحتل الترتيب الأول في إفريقيا والعالم العربي من حيث كمية الصيد الممكنة في سواحل الصحراء، ممّا يجعل الثروة واسعة سواء على مستوى النشاط الاقتصادي أو الأساطيل الأجنبية، وهو ما يستفيد منه الاحتلال المغربي ويقوم بنهب الثروات يوميا.
هناك أيضا الحديد، ونتوقّع أن الصحراء غربية قد تكون أكثر البلدان في إفريقيا تصديرا لهذه المادة نظرا لتواجدها في المناطق الشرقية من البلاد، إضافة إلى وجود ثروات هامة على غرار الذهب والكروم والكوبالت وغيرها من المعادن الثمينة، كما أنّ هناك توقّعات بأنّ السّواحل الصحراوية تختزن كميات كبيرة من البترول والغاز.
كرونولوجيا
- اتّفاقية الصّيد غير الشّرعية بين المغرب والاتحاد الأوروبي:
اتفاق الشّراكة في مجال الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي قائم وفق بروتوكولات تفاهم متعاقبة، وهو يتيح للسفن الأوروبية الصيد في منطقة الصيد البحري المغربية بما فيها الصحراء الغربية المحتلة مقابل مساهمة اقتصادية أوروبية سنوية بقيمة 30 مليون يورو. وتنشط في المنطقة سفن 11 بلداً بينها إسبانيا وفرنسا وكذلك هولندا وليتوانيا.
- 2006: توقيع الاتفاق بين الرباط والاتحاد الأوروبي.
- 27 فبراير 2018: أكّدت المحكمة العليا الأوروبية يوم الثلاثاء 27 فبراير 2018، أنّه ينبغي على الاتحاد الأوروبي والمغرب إعادة التفاوض بشأن أحكام في الاتفاق الجديد اعتُبرت متنافية وقواعد القانون الدولي لأنّها تنتهك مبدأ حق الصحراء الغربية في تقرير المصير.
- أكّدت المحكمة حكمها حول مدى قانونية اتفاق الصيد البحري القائم بين المغرب والاتحاد الأوروبي، “سلامة” هذه الاتفاقية، لكنها أوضحت في الوقت ذاته أنّها “لا تطبّق على الصحراء الغربية ومياهها المتاخمة لها”. وترى أنّه مع الوضع في الاعتبار أن أراضي الصحراء الغربية ليست جزءا من أراضي المملكة المغربية، فإن المياه المتاخمة لأراضي الصحراء الغربية ليست جزءا من مناطق الصيد المغربية المشار إليها في اتفاقية المصائد”.
^ 12 فبراير 2019: صادق البرلمان الأوروبي على اتفاق جديد حول الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب أعيد التفاوض بشأنه بعد رفض محكمة العدل الأوروبية الاتفاق السابق بسبب عدم أخذه الصحراء الغربية في الاعتبار. وحصل الاتفاق الجديد، الذي شمل الصحراء الغربية، على غالبية أصوات البرلمان الأوروبي (415 صوتاً مؤيداً و189 معارضاً) بعد رفض دعوة نواب أوروبيين من حزب الخضر وآخرين اشتراكيين ديمقراطيين إخضاع النصّ الجديد إلى تقييم محكمة العدل الأوروبية (189 صوتاً مؤيداً، 410 معارضين).
^ أسس رفض الاتّفاق: ذكّر تقرير صوّت عليه البرلمان الأوروبي في جلسة عامة عُقدت في ستراسبورغ، بشرطين أوردتهما المحكمة الأوروبية للتوصل إلى اتفاق صالح، هما “الإشارة بشكل واضح إلى الصحراء الغربية والحصول على موافقة السكان”، إضافة إلى شرط أضافته الدول الأعضاء هو أنّ “الاتفاق يجب أن يفيد السكان المحليين”.
تداعيات ومخاطر الاتفاق
تؤكّد تقارير دولية أنّ الاستغلال الجائر للثّروة السمكية الصحراوية يهدّد المنطقة بانقراض أنواع قيّمة من هذه الموارد البحرية في مقدّمتها رأسيات الأرجل (خصوصا الأخطبوط والحبار)، مما سيؤدّي إلى كارثة بيئية ستضرب المنطقة بالرغم من قرارات كل المؤتمرات الدولية التي انعقدت تحت إشراف المنظمة العالمية للتغذية والزراعة، القائلة بضرورة حماية مخزون الموارد البحرية لضمان التنمية المستدامة، والمحافظة على النظام البيئي لاستمرار عطائه سواء من الأسماك السطحية وأسماك المياه العميقة أو الأسماك المهاجرة.
حاول المغرب جاهدا التقليل من أهمية مداخيل الثروة السمكية الصحراوية، مع العلم أنّ شدة استغلالها بلغت أضعاف ما كانت تقوم به إسبانيا، ولعل أكبر دليل على ذلك هو الارتفاع المضطرد المسجل في الكميات المصطادة من الأسماك في السنوات الأخيرة، حيث أصبح يقاس في بعض الحالات بالمئات كما هو الشأن في قطاع الصيد التقليدي (مثلا في الداخلة المحتلة وحدها في سنة 1995 بالمقارنة مع العام 1994 تضاعف حجم الصيد التقليدي إلى أكثر من 14 مرة، وبالرغم من الطلب الكبير على رأسيات الأرجل وارتفاع الدخل الصافي من مبيعاتها (سنة 1995 سجّلت ارتفاعا يقدّر بـ 37,5 % بالمقارنة مع 1994، فإنّ العاملين بالصيد التقليدي ما زالوا يعانون من تدني مداخيلهم اليومية بسبب وضعهم أمام الأمر الواقع، الذي رسمه محتكرو هذا القطاع بحكم سيطرتهم على آلات التبريد المتوفرة بالمنطقة.
استغلال ممنهج
إنّ الأسلوب الممنهج الذي يرمي إلى استغلال الثّروة البحرية الصّحراوية يُظهر أنّ المغرب في سباق مع الوقت لحصد ما يمكن حصده قبل خروجه من الصّحراء الغربية، وخصوصا بعد وقف إطلاق النار الذي تشرف عليه الأمم المتحدة منذ سبتمبر 1991. وبعد سقوط الاتفاق في 13 نوفمبر 2020، ولعل أكبر دليل على هذا هو ارتفاع وتيرة استغلال الثروة السمكية الصحراوية، التي تجاوزت أضعاف ما كانت تقوم به إسبانيا، حيث سُجِّل ارتفاع مضطرد لم يسبق له مثيل في تاريخ الصيد في المياه الصحراوية. فعلى سبيل المثال في ميدان الصيد التقليدي، اصطاد المغرب في سنة 2002 في منطقة وادي الذهب المحتلة وحدها ثلاثة عشر ضعف ما اصطادته إسبانيا في سنة 1975 في المياه الإقليمية الصحراوية.
أمّا فيما يخص الصيد الحديث، فإنّ خطط الغزاة المغاربة تفوق كل التّوقّعات لاستغلال هذه الثروة، حيث يلاحظ ارتفاع سريع منذ سنة 2000 في نسبة الكميات المصطادة، في سنة 2000 تم اصطياد 900 ألف طن، وفي 2002 شكّل الارتفاع حوالي 66 %، أما النسبة التي قدّرت لعام 2004 فتصل إلى 122 %، وهذا ما دعّم الخزينة المغربية بـ 1,7 - 2,3 مليار دولار أمريكي سنويا، وإذا ما استمر المغرب على هذه الوتيرة من الاستغلال للثروة السّمكية الصّحراوية، فإنّ صيد أعالي البحار سيناله ما نال رأسيات الأرجل والرخويات في منطقة وادي الذهب.