بين التلميح والتصريح، بدأت بعض دول منطقة غرب إفريقيا تتحدث عن إمكانية مفاوضة الإرهابيين، والعفو عنهم في حال استسلامهم، إذ لم تخف دولة نيجيريا مثلا قبولها العفو عن إرهابيي «بوكو حرام « الذين يسلمون أنفسهم، وحتى الآن سلّم نحو 6 آلاف أنفسهم طمعا في العفو، كما دعت الحكومة التشادية مؤخرا كلّ الجماعات المسلحة إلى المشاركة في «الحوار الوطني الشامل» الذي يفترض أن يُفضي إلى تنظيم أول انتخابات رئاسية وتشريعية في البلاد، منذ مقتل إدريس ديبي بأيدي متمردين في أفريل الماضي، وذلك بشرط أن تلقي هذه الجماعات السلاح وتنخرط في اللعبة الديمقراطية.
في مالي، بدأت بعض الأصوات تتحدّث عن حتمية فتح قنوات اتصال جديدة مع الجماعات المسلحة والإرهابية بعد أن تجلى واضحا صعوبة الحسم العسكري مع الإرهاب الذي زادت ضرباته وتمدّدت مساحته وبات يحاصر كل أشكال الحياة في هذه الدولة التي وقعت في انتكاسة أمنية منذ 2012 ولم تستطع الخروج منها.
لاشكّ أن هذا الانفتاح على نهج آخر غير السلاح لمواجهة معضلة الإرهاب، مدفوع بتصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية التي كثفت من هجماتها في منطقة الساحل على الرّغم من وجود الآلاف من قوات الأمم المتحدة والقوات الإقليمية والغربية، وهو تصعيد تسبب في مقتل آلاف المدنيين وتشريد الملايين خاصة منذ عام 2018.
فبعدما أثبتت التدخلات العسكرية الخارجية وخيار القوة فشلهما في دحر الإرهاب، بدأ البعض يفكّر في الحوار من منطلق المثل القائل «يجوز لك في ساعات الخطر المحدق أن تمشي مع الشيطان ريثما تجتاز الجسر».
لكن هل فعلا الحوار مع الإرهابيين قد يقود إلى الحلّ؟
أخلاقيا وعمليا، تعارض كلّ الدول الحوار والتفاوض مع المجموعات الدموية التي تزرع العنف والموت أينما حلّت، لكن هناك دول تريد أن تفصل بين الجماعات ولا تضعها في سلّة واحدة، فالسلطات المالية مثلا تريد عبر الحوار فصل الجماعات المحلية المسلّحة عن الإرهابيين الأجانب بهدف إعادة إدماج المسلحين المحليين، والتفرغ لقتال الدمويين الأجانب الأكثر تطرفا وعنفا والأقل عددا.
وسبق للرئيس المطاح به إبراهيم كيتا، أن اعترف في 2019، وبشكل علني، أن الحكومة على اتصال مباشر مع آغ غالي وكوفا.
يتقاطع هذا الموقف مع رؤية الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، للحل في مالي، والذي قال في أكتوبر الماضي، «هناك الكثير من الجماعات التي يمكن أن نتحدث معها ويمكن أن تكون لديها مصلحة في عقد هذا الحوار كي تصبح جهات سياسية فاعلة في المستقبل».
وهذا الجنوح نحو خيار الحوار، يتعزّز أكثر مع اعتقاد الرأي العام المحلي بأن القوات الغربية وعلى رأسها الفرنسية فشلت خلال فترة تواجدها العسكري في القضاء على الإرهابيين، وتستغل هذا الوضع لتثبيت نفوذها في المنطقة.
كما أنّه لا أحد يمكنه أن يقرّر مكان دول الساحل الأسلوب الواجب اعتماده للتخلّص من الوضع الأمني المتردي، فالمؤكد أن الحوار لن يحوّل الإرهابيين أبدا إلى ملائكة، لهذا من الأفضل البحث عن مقاربات أخرى تدعم خيار القوّة أو تعوّضه لمواجهة الإرهاب.
فما الأساليب البديلة الأكثر فعالية في دحر الإرهاب؟
لن يختلف اثنان في الجزم بأن منطقة الساحل وغرب إفريقيا تحوّلت إلى نقطة جذب وتفريخ للإرهاب والدمويين، وبات السؤال المطروح اليوم وبعد فشل المواجهة العسكرية، هو كيف السبيل إلى تحقيق النصر واستعادة الأمن ؟
الجواب حسب اعتقاد جلّ الخبراء يستدعي منطقيا التركيز بشكل عام على معرفة الأسباب الكامنة وراء النزاعات المسلحة والصراع من أجل السيطرة على الموارد والإرهاب.
ومن بين الأسباب هناك عدد من العوامل الهيكلية الاجتماعية والاقتصادية كارتفاع مستوى الفقر والبطالة بالإضافة إلى التهميش السياسي وغياب الحوكمة، فهذه العوامل هي ما يدفع الشباب للالتحاق بالمجموعات الإرهابية، والارتماء في حضنها، وتغيير هذا الواقع يستدعي الانخراط الجدي في التنمية ومحاربة البطالة و نشر التعليم، ثم فتح المجال للمشاركة السياسية، و حلّ المشاكل والخلافات بالحوار.
إن إخفاق المقاربات الدولية لمحاربة الإرهاب، وتركيزها على الحلول العسكرية في منطقة الساحل، قوّى شوكة الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام «وغيرها والتي تستغل الواقع الحياتي البائس الذي يعاني منه الشباب ووجود فئات مهمشة كثيرة لترفع من وتيرة عنفها الدموي، وإذا كان من المرجّح أن تستمر الحاجة إلى التدخلات الأمنية والعسكرية ضدّ التهديدات التي تشكلها هذه المجموعات الإرهابية، فإن تجربة عقدين من الحرب ضد الإرهاب، أظهرت أن الحلول العسكرية قد لا تكون ذات جدوى في ظلّ غياب الحوكمة والاستقرار السياسي و النهوض الاقتصادي.
من هنا، يمكن القول بأن النهج الأكثر فاعلية واستدامة لدحر الإرهاب، هو ذلك الذي يعترف بأهمية عوامل الحكم الرشيد، واستيعاب فئات الشباب.