الأستاذ رضوان بوهيدل لــ «الشعب ويكاند»:

العالم سيواجه نوعا جديدا من الحروب الخفية

حوار: فضيلة بودريش

 

 

 

 جائحـة كورونــا تضمـر صراعا شرسا بين قوى عظمـى

 تراجع الحروب التقليديـة تكتيك استراتيجي لتقليص الخسائر

حذر الدكتور رضوان بوهيدل، خبير في الشؤون الدولية وأستاذ العلوم السياسية، من التحول الخطير الذي يشهده العالم، خاصة على صعيد تحول الحروب التقليدية والتماثلية إلى شكل أكثر خطورة وفتكا بالبشر، خاصة الشعوب الفقيرة والمتخلفة. ويعتقد أن الحلول المتوفرة في الوقت الراهن، تتمثل في ضرورة إعادة النظر في التحالفات القديمة التي لم تثمر لا بالسلم والأمن الدوليين. ويتوقع أن يواجه العالم في المرحلة المقبلة نوعا جديدا من الحروب الخفية الشرسة، حروب قال إنه من الصعب مواجهة تهديداتها، خاصة بالنسبة إلى دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وكذا العربية. وتحدث عن عدة قضايا إفريقية وعربية توجد في جوهر الصراع العالمي.


-  الشعب ويكاند: يواجه العالم موجة جديدة من فيروس متحور أكثر شراسة وفتكا.. هل يتوقع تهديدات أخرى في شكل فيروسات جديدة، على خلفية تحذيرات منظمة الصحة العالمية.. وما هي الحلول؟
 دكتور رضوان بوهيدل: يبدو أن فيروس كورونا الذي بطش بالعالم وأسقط الملايين من الضحايا، لن يكون الفيروس الأخير دون شك، خاصة بعد حرب اللقاحات التي نشهدها في الوقت الراهن، لذلك اليوم هذا الفيروس الشفاف المؤذي والعصي على الطب، يمكن تصنيفه كمرحلة أخرى من حرب بيولوجية كبيرة تقودها قوى كبيرة لا يهمها دول غير قادرة على مواجهة هذا الفيروس لا من حيث إنتاج اللقاح ولا حتى استيراده من الدول المنتجة. والجهات صاحبة المخابر.
لذا تبقى الحلول المتوفرة تتمثل في ضرورة إعادة النظر في التحالفات القديمة التي لم تثمر لا بالسلم والأمن الدوليين، لاسيما أن العالم حاليا سيواجه نوعا جديدا من الحروب الخفية الشرسة، حيث من الصعب مواجهتها خاصة بالنسبة إلى دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وكذا العربية، لأنه فقط القوى العظمى قادرة على مواجهة هذه التهديدات الجديدة التي تعد من ابتكارات المخابر سواء البيولوجية أو الإلكترونية، لذلك الحل الوحيد بات يكمن في العودة إلى التكتلات الإقليمية على المستوى الإفريقي، وعلى سبيل المثال يجب إعادة الملفات الإفريقية التي تتضمن الأزمات والحروب وبؤر التوتر إلى الطاولة الإفريقية بعيدا عن أي تدخلات خارجية أو أي عسكرة للمنطقة.

العالم لن يعيش من دون حروب

-  شرعت أمريكا في تقليص قواتها العسكرية عبر قواعدها عبرالعالم، من بينها العراق وأفغانستان.. هل هذا مؤشر مبكر لبداية تراجع الحروب التقليدية؟
 كانت الولايات المتحدة الأمريكية على رأس الدول التي تواجدت في عدة حروب عبر العالم، وهذا يندرج في إطار استراتجية وضعت منذ عقد الخمسينيات من القرن الماضي، تقضي بالتواجد الأمريكي في كل أنحاء العالم، ويندرج أيضا في إطار التنافس الخفي ما بينها والقوى العظمى مثل روسيا وحاليا الصين، وكذا تفاقم القوى التي تنافس في الوقت الراهن أمريكا على مناطق نفوذ بالعالم.
شروع واشنطن في تقليص عدد عساكرها، يعد استدراكا لعدد من الأخطاء والخسائر التي تكبدتها خلال السنوات الماضية، لأن استراتجية الحروب كانت موجودة، رغم تغير الإدارة سواء تحت حكم ديمقراطي أو جمهوري، لأن التواجد العسكري الأمريكي الخارجي، يدخل في إطار السياسة الأمريكية، ولا يختلف حولها اثنان، لذلك هذا التقليص لعدد العساكر في اعتقادي إجباري وليس اختياريا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، في ظل تفاقم الأزمات العديدة وعدم الجدوى من التواجد العسكري المضخم في المناطق، لذا حاليا بدأت في سحب القوات العسكرية، لاسيما في العراق وأفغانستان التي تعتبر أطول حرب عاشتها أمريكا في تاريخها.
تراجع الحروب التقليدية، بدأ منذ فترة وفي الوقت الراهن صار يتأكد من خلال التحول نحو حروب أخرى، لأن العالم لا يمكنه أن يعيش بدون حروب، وبعض القوى يجب أن تحرك ما يعرف بمخابرها، حيث في البداية كانت تتحرك بمنح دفع للمركبات الصناعية العسكرية التي تبيع الأسلحة لمختلف جهات العالم، بينما في الوقت الراهن المخابر البيولوجية سيكون لها دور في إنتاج عدد من الفيروسات واللقاحات، ويندرج ذلك في إطار حروب جديدة ومنافسة غير نزيهة من قوى نافذة عسكريا وتجاريا واقتصاديا ودبلوماسيا.
يذكر أنه ليس الولايات المتحدة الأمريكية، من بدأت بسحب قواتها، بل إنها فضلت التنويع في استراتجيتها، وبالتالي تخفيف الخسارة من الناحية المالية واللوجستية والبشرية، وتتمثل في تبني الحرب بالوكالة حيث تستخدم عددا من القوى الصاعدة الجديدة وتحكمها في عدد من المناطق، لكن أمريكا اليوم تبقى تسير هذه الحروب وإن كانت ليست بشكلها التقليدي أو ما يعرف بالحروب التماثلية أي دولة مقابل دولة، غير أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتراجع عن التواجد بكل الوسائل في مناطق عديدة عبر العالم حتى تبقي ريادتها وسيطرتها ونفوذها.
والعديد من الدول سبقت الولايات المتحدة الأمريكية في سحب قواتها من عدد من المناطق التي تدخل في إطار حروب خاضها الناتو بشكل محدد، ونجد فرنسا تحدثت عن سحب لقواتها في منطقة الساحل وبعض المناطق بإفريقيا، وهذه القوى صارت تحت ضغط الشعوب التي أصبحت ترفض مقتل جنودها خارج أراضيها في حروب لا ناقة لها فيها ولا جمل.

الكفة ستميل إلى حروب غير مكلفة

-  يخشى العالم من حروب من طراز خاص، قد تكون بيولوجية أو ذكية لا تحتاج إلى عدة وعتاد وعساكر، بل فقط إلى تكنولوجيا عالية.. كيف تتوقعون شكل الصراعات مستقبلا؟
 بالفعل العالم صار حاليا يعيش منذ فترة حروبا خفية ومن نوع آخر منها الذكية والبيولوجية حيث تم استخدامها بشكل تجريبي في بعض المناطق، وفي الوقت الحالي يبدو أن الكفة ستميل إلى هذا النوع من الحروب غير مكلفة وستجني أكثر أموالا، لأن نتائج الحرب بالنسبة للقوى العظمى زيادة على الريادة والسيطرة والزعامة، تنمية اقتصادها من خلال مداخيل هذه الحروب غير الأخلاقية والبعيدة عن كل المبادئ الإنسانية، مع المواصلة في رفع العديد من الشعارات من السلم واستتاب الأمن، لذلك ما نشاهده يعد بداية حقيقة للحروب البيولوجية وخير دليل جائحة كورونا التي لا ننفي أنها تخفي صراعا لقوى عظمى حول من يبيع أكثر للقاحات، ومن يتحكم فيها لأنه دون شك سيتحكم في العالم.
طبعا الحروب السيبرانية هي الأخرى صار لها تواجد قوي في العالم، بعد تراجع الحروب التماثلية المباشرة، أي العسكرية التقليدية ما بين الدول لتنتقل الحروب إلى الفضاء السيبراني، حيث الكفة تميل للأقوى الذي يتحكم في التقنية أي في المعلومات والتكنولوجيا، وبالتالي سيكون الأقوى وسيخرج منتصرا في هذه الحروب. وبالفعل سنشهد صراعات من نوع جديد في هذا المجال، لكن هذه الصراعات ضحيتها الدول المتخلفة لأنها صراعات ما بين قوى عظمى تتحكم في العلم والتكنولوجيا.
- هل العالم يقترب من إعادة تغيير موازين القوى حيث يتصدر الواجهة الأذكى والأسرع في مجال البحث والعلم؟
 أعتقد أن جائحة كورونا لعبت دورا كبيرا بالدفع بالعالم نحو نظام دولي جديد، تغيرت فيه كل موازين القوى من قطب واحد إلى عدة أقطاب بعد الصعود الملفت للقوة الصينية في هذه المعركة بعد كسبها عدة معارك بيولوجية على المستوى العالمي، وكسبها تحالفات وشركاء استراتجيين جدد من خلال اكتشافها للقاح مضاد للفيروس.
واليوم ميزان القوى تغير وستتغير معه وتتحدد معالمه الأخيرة التي قد تدوم إلى سنوات، ويكون صعود الصين وروسيا ليتحول العالم لقوى متعدد الأقطاب بعد أن كان العالم بقطبين ثم قطب واحد وفي الأخير البقاء للأقوى والأذكى.

الحلول السياسية والقوة الناعمة

-  أظهرت إدارة بايدن إرادة في إنهاء الأزمات بالتسوية وإطفاء لهيب بؤر التوتر بالحلول الدبلوماسية والسياسية... ماذا تتوقعون أن تحمل هذه الإدارة في أجندتها خاصة للمنطقة العربية والشرق الأوسط؟
 تبقى إدارة الرئيس بايدن ما تقوله شعارات تخفي الكثير من الحقيقة، لأن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكنها التخلي عن السيطرة والتواجد بالخارج، لذلك بالنسبة للحروب فإن إدارة بايدن وترامب وجهان لعملة واحدة، لكن تحمل إدارة بايدن نوعا من النية لإيجاد الحلول لكسب تحالفات جديدة، بعد أن خسرت العديد من حلفائها، عقب تصاعد القوة الصينية والروسية التي استقطبت عددا معتبرا من الحلفاء. لذا بايدن يحاول اليوم أن يعيد الكفة لصالحه عبر خطابات داعية إلى إحلال السلم من خلال الحلول السياسية أو استخدام ما يعرف بالقوة الناعمة لإنهاء الحروب بدل من القوة الصلبة أو العسكرية.
والمنطقة العربية مازالت تعيش العديد من الأزمات، مثلما عاشته وحتى بعد استقلال معظم الدول العربية، إلا أنها بقيت تعصف بها بعض الأزمات السياسية والاقتصادية والتنموية، ولأن الحروب في تزايد بعد أن كانت القضية المحورية قضية فلسطين، غير أنه حاليا نجد أن هناك صراعات يعكسها ما يحدث في سوريا واليمن وليبيا ولبنان، وكل هذا من الصعب إنهاؤه بين ليلة وضحاها، لكن تبقى شعارات أمريكية في محاولة لإيجاد حلول دون التخلي عن الدفاع عن الكيان الصهيوني ومهما تغيرت الإدارات.
- هل التكتلات الدولية ستعرف تغييرا جذريا، أم أن شركاء الأمس سيحافظون على تحالفاتهم؟
 بالعكس خارطة التكتلات والتحالفات الدولية بدأت تتشكل من جديد، لاسيما بعد جائحة كورونا، حيث عرفت الكثير من الدول من هم أصدقاؤها الحقيقيون وأعداؤها وعلى من يمكن أن تعول، وأسطورة الاتحاد الأوروبي كادت أن تسقط بعد أن كانت البؤرة الأكبر في إيطاليا والتي لم تجد مساندة قوية إلا من روسيا وكوبا، لذلك اليوم العديد من الدول أعادت حساباتها في الكثير من المسائل الجديدة للنظام الدولي الجديد لما بعد الوباء، مع محافظة بعض الدول على تحالفاتها الإستراتجية والإقليمية، وهي تحالفات تاريخية من الصعب الخروج منها، لكن هذا لا يعني أن كل هذه الدول ستحافظ على هذه التحالفات، بل بالعكس الكثير منها سينبثق عنها تحالفات من نوع جديد حتى ولو تكن في شكل مؤسسات دوليةو إلا أنها ستبقى تحالفات دولية ستظهر نتائجها على أرض الواقع في المستقبل القريب وعلى المديين القصير والمتوسط.

مصير الشعب الصحراوي الاستقلال

-  متى نرى آخر بقايا الاحتلال تسقط ويتعلق الأمر بقضيتي تحرير فلسطين واستعادة الشعب الصحراوي لسيادته على أرضه؟
 أكيد أن القضية الفلسطينية مازالت محور كل القضايا العالمية، رغم اختلاف الإدارات سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو في دول أوروبا. لكن من الصعب اليوم استشراف مستقبل القضية الفلسطينية، على خلفية أن المقاومة أثبتت مؤخرا أنها قادرة على العودة لحمل السلاح والمواجهة العسكرية، لأن ما أخذ بالقوة لن يسترجع إلا بالقوة، ولأنه من الصعب في الوقت الراهن إيجاد حلول سياسية أو دبلوماسية ترضي الطرفين، وإلا لكان الأمر كذلك خلال السبعين سنة الماضية. علما أن القضية الفلسطينية ستبقى تؤرق القوى الكبرى وتبقى حجر عثرة أمام عدد من العلاقات ما بين الدول التي حولها الخلاف، لاسيما العربية بعد التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهذا ما يزيد من تعقيد الأمور ومن عزل القضية الفلسطينية عن كبرى أجندات الدول العربية.
وبالنسبة للشعب الصحراوي، فإنها مسألة تقرير مصير وإنهاء استعمار، والدول التي تدعم احتلال المغرب للصحراء الغربية قليلة جدا، والمغرب فقد الكثير خلال السنوات الأخيرة من دعمه لهذا الاحتلال والقضية تسير نحو الانفراج خاصة بعد التطورات الأخيرة التي أثبتت خرق المغرب لكل الأعراف والقوانين الدولية ويضاف إلى ذلك القمع الممارس داخل الأراضي الصحراوية المحتلة واتخاذ المغرب التطبيع المخزي مع الكيان الصهيوني كذريعة ثانية، حيث حاولت المغرب التخفي وراءه ووراء الاتفاقيات الأمنية الأخيرة المبرمة مع الكيان الصهيوني، كل هذا يدخل ضمن دعم القليل جدا لاحتلال المغرب، لكن الصحراويين مصيرهم الاستقلال مهما طال الزمن.

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024