كلّما تحسّس شعب مالي بعض الاستقرار، إلاّ وعادت الأوضاع لتتأزّم أكثر، خاصّة مع الانقلابات العسكرية التي باتت ملتصقة بهذه الدولة كظلّها لا تبرحها منذ استقلالها عن المستعمر الفرنسي قبل ستّة عقود.
عادت دولة مالي لتحتلّ المشهد الإعلامي العالمي بما تعرفه من تطوّرات خطيرة تبعث على القلق خشية إمكانية الانزلاق نحو الفوضى الأمنية العارمة وهي التي تسعى منذ انقلاب 2012 الذي أطاح بالرئيس «أمادو توماني توريه» لاستعادة استقرارها، وتفادي تصدّع وحدتها الشعبية والترابية، وتخوض مقاومة مستميتة ضد المجموعات الإرهابية التي تكالبت عليها وحوّلتها إلى بؤرة توتّر ملتهبة نراها تكبر وتتمدّد لتهزّ سكينة وأمن منطقة غرب إفريقيا بأسرها.
لم تعرف دولة مالي الاستقرار منذ استقلالها عن فرنسا سنة 1960، حيث بدأ فصل جديد من التوتر والتمرّد في الشمال، لتسجّل أوّل مواجهة مسلّحة بين الجيش وحركة الأزواد في 1963، وتبع ذلك انقلابات عسكرية متتالية، إذ لم تعرف هذه الدولة رئيسا إلاّ ووصل على ظهر دبابة، ووقع أوّل انقلاب عام 1968، حيث أطاح «موسى تراوري» بـ «موديبا كيتا» أول رئيس للبلاد، وفي 1991 انقلب «أمادو توماني توريه» على « تراوري»، وانتهى «توريه» إلى نفس المصير في 22 مارس 2012، حيث أطاح به النقيب «أمادو سانوغو» وبعد هذا الانقلاب، حاول الماليون الجنوح إلى الديمقراطية، والانتقال السلمي للسلطة، وانتخبوا «أبو بكر كيتا»، لكن وبما أنّ العادة تغلب التطبّع، فقد عادت مالي في الصيف الماضي لتقع مجدّدا فريسة مرضها المزمن، وتشهد منذ ذلك الحين، انقلابين عسكريين في ظرف 9 أشهر قادهما الكولونيل «أسيمي غويتا»، الأول أطاح في أوت 2020 بالرئيس «كيتا»، والثاني أطاح، الأسبوع الماضي، بالرئيس الانتقالي «باه نداو» ما يرهن مساعي وجهود إعادة الاستقرار إلى هذه الدولة التي تتقاذفها أزمات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية صعبة، وتتجاذبها أطراف كثيرة في مقدّمتها فرنسا التي ترفض رفع وصايتها عن مالي رغم الأصوات التي ترتفع عاليا في هذه الدولة داعية إلى التحرّر من سيطرة المستعمر القديم الذي لم يؤدّ وجوده إلاّ إلى مزيد من التخلّف والمصاعب على مختلف الأصعدة.
ماذا بعد؟
السؤال المطروح اليوم هو إلى أين تتّجه دولة مالي، وهل يمكن تجاوز عقبة هذا الانقلاب دون الانزلاق الى الفوضى الأمنية؟
قد يكون من الصعب الجواب عن هذا السؤال في الوقت الحالي، لكن الأكيد أن الوضع بالجارة الجنوبية لا يبعث على التفاؤل، بل على العكس تماما، إذ ترتفع المخاوف من تصعيد قد تفرضه المجموعات الارهابية التي تستغل مثل هذه الأزمات لمضاعفة أعمالها الإجرامية، كما يبلغ منسوب القلق عنان السماء خشية معارضة الانقلابيين لمواصلة عملية الانتقال الديمقراطي المقرر أن تتوّج بانتخابات عامة في فيفري القادم، من هنا يجب على المجموعة الدولية أن تقف مع الشعب المالي لمساعدته على مواجهة هذا الظرف العصيب، واستعادة السلطة من قبضة مغتصبيها، وقبل ذلك وبعده تساعده على وضع حدّ للتدخلات الخارجية وما يتبعها من صراع نفوذ يرهن مستقبل إفريقيا وشعوبها.
اتفاق السلـم والمصالحـة .. أيّ مستقبل؟
في مارس الماضي قام الرئيس المالي الانتقالي «باه نداو» الذي أطيح به قبل أسبوع بزيارة إلى الجزائر، وتطرّق مع المسؤولين الجزائريين إلى التقدّم المسجّل في تطبيق اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر، كما أعرب عن تقديره الكبير للدور المحوري الذي تلعبه الجزائر بصفتها بلدا جارا يقود الوساطة الدولية ورئيسة لجنة متابعة الاتفاق من أجل استعادة السلام والأمن والاستقرار إلى مالي في ظل الاحترام التام للوحدة والسلامة الترابية وسيادة دولة مالي على كامل أراضيها.
من جانبه، شدّد الرئيس تبون على ضرورة مواصلة مالي المرحلة الانتقالية في كنف الهدوء والطمأنينة حتى تتوج بتنظيم المواعيد الانتخابية في الآجال المحددة، وأكّد على استمرار المرافقة الجزائرية للجارة الجنوبية حتى تبلغ برّ الأمان.
الجزائر .. الحمل الثقيل
لكن بعد أقل من ثلاثة أشهر على هذه الزيارة التي أحاطها تفاؤل كبير بنجاح مسار الانتقال السياسي في مالي، وأيضا بتقدّم تطبيق اتفاق السلم والمصالحة الموقع سنة 2015 بفضل الجهود التي بذلتها الجزائر، وقع المحظور، وسقطت دولة مالي في فخ انقلاب عسكري، رهن ليس فقط عملية الانتقال الديمقراطي التي وعدت بها السلطة الانتقالية التي جاءت بعد الإطاحة بالرئيس السابق إبراهيم بوبكر كايتا، بل وجرّت اتفاق السلم والمصالحة إلى طريق مسدود، ما يطرح علامات استفهام كثيرة عن مستقبله في خضمّ عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد.
ومعلوم أن الجزائر المعنية أكثر من غيرها باستقرار مالي على اعتبار أن أمن الدولتين واحد، متمسّكة بتطبيق اتفاق السلام الذي تصرّ بعض الأطراف على عرقلته، ورأينا كيف أنّها تحرّكت بقوّة بعد انقلاب أوت الماضي من خلال وزير الخارجية صبري بوقادوم الذي قام بعدّة زيارات إلى الجارة الجنوبية واستطاع أن يعيد قطار اتفاق السلم والمصالحة إلى سكّته الصحيحة، ويدفعه إلى الأمام.
ومثل الأمس ستعمل الجزائر، على تجاوز العقبات التي تعترض اتفاق السلم والمصالحة الذي رعته وهندسته، وبالتأكيد سنراها تحرّك دبلوماسيتها لإقناع الماليين بحتمية الجنوح الى السلام والاستقرار، ورغم صعوبة المهمّة فلا طريق أمام الجزائر لحماية نفسها من تداعيات تدهور الوضع في مالي غير مواصلة جهودها ومساعيها حتى تصل هذه الدولة إلى برّ الأمان.
بطاقة تقنية
الاسم: جمهورية مالي
العاصمة: باماكو
اللغة: الفرنسية (رسمية)، بامبارا، بيول، دوغون، السونيكي، مالينك، دجرما، مينيانكا، تماشيق، سينوفو، فضلا عن لغات أخرى
النظام السياسي: جمهوري
تاريخ الاستقلال عن فرنسا «اليوم الوطني» : 22 سبتمبر 1960
العملة: الفرنك الأفريقي
الموقع: تقع في غرب إفريقيا، وتحدها شمالا الجزائر، وشرقا النيجر، وجنوبا النيجر وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وغينيا، وغربا السنغال وموريتانيا
المساحة: 1.240.192 كيلومتر مربع
الموارد الطبيعية: الملح والجبس والفوسفات والغرانيت والمعادن
السكان: بلَغَ عدد سكان دولة مالي 19.66 مليون نسمة حتّى عام 2019، وهذه زيادة كبيرة عن تقديرات السّكّان في عام 2013، التي بلغ عددهم فيها 14.85 مليونًا، ومالي هي الدّولة رقم 60 بين دول العالم في عدد السّكّان. يعيش 90٪ من عدد سكان دولة مالي في المنطقة الجنوبيّة، على ضفاف نهريِّ النّيجر والسّنغال، بعيدًا عن الصّحراء الكبرى.
التصنيف العرقي: يتكوّن السّكّان في دولة مالي من عدّة مجموعات عرقيّة، أكبرها هي بامبارا، التي تمثِّل 37% من عدد السكان، ومع أنَّ اللّغة الرّسميّة في دولة مالي هي الفرنسيّة، إلّا أنَّ 80% من النّاس يتحدّثون لغة بامبارا.
ومن العرقيات الأخرى، ماندي، بيول، فولتاليك، سنغاي، طوارق وعرب، آخرون.
الديانة: 94.8% مسلمون وأغلبهم من السنة، 2.4% مسيحيون، 2% وثنيون، 0.5% لا دين لهم.
الاقتصا: الاقتصاد في دولة مالي يعتمد إلى حدٍّ كبير على الزّراعة الرّيفيّة، التي يعمل فيها 70٪ من القوى العاملة، وبشكل عام دولة مالي تُعدُّ واحدة من أفقر عشر دول في العالم، بالإضافة إلى أنّها تعتمِدُ اعتمادًا كبيرًا على المساعدات الخارجيّة والديون.
أهم المنتجات: الفوسفات، الذهب، الماشية، القطن، الدخن، الأرز، الذرة، الخضراوات.