أثار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ملف المرتزقة والقوات الاجنبية في ليبيا واستمرار تواجدهم، رغم مساع السلطة الليبية لإخراجهم قبل تنظيم الانتخابات، بعد تأكيد حكومة الوحدة الوطنية أن إخراجهم يأتي على رأس الأولويات تنفيذا لخطة المصالحة والسلام الشاملة.
قال غوتيريس إن ليبيا «لم تشهد أي انخفاض في عدد المقاتلين الأجانب أو أنشطتهم» وخصوصا وسط البلاد، وهو ما يعرقل مسار التسوية السياسية والجهود الدولية لإحلال السلام. مشيرا في تقرير قدم الأسبوع الحالي إلى مجلس الأمن «إلى أنه بينما لا يزال اتفاق وقف إطلاق النار ساريا، تلقت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا تقارير عن إقامة تحصينات ومواقع دفاعية على طول محور سرت-الجفرة في وسط ليبيا، فضلا عن استمرار وجود العناصر والإمكانات الأجنبية».
قال الأمين العام الأممي «رغم الالتزامات التي تعهد بها الأطراف، فقد تواصلت أنشطة الشحن الجوي مع رحلات جوية إلى قواعد عسكرية مختلفة»، داعيا الدول الأعضاء والجهات اللّيبية الفاعلة مجددا إلى وضع حد لانتهاكات حظر الأسلحة، وتسهيل انسحاب المقاتلين والمرتزقة الأجانب من البلاد.
ولما يمثل اخراج المرتزقة من ليبيا من دور أساسي لنجاح المصالحة الوطنية لفت غوتيريس إلى أن «هذه عناصر أساسية لسلام واستقرار دائمين في ليبيا والمنطقة». وقال: «يجب إحراز تقدم على الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية، للسماح بإجراء الانتخابات الوطنية في 24 ديسمبر 2021».
طريق المصالحة
على صعيد أجواء المصالحة التي تزامنت مع عيد الفطر في ليبيا، أعلنت مؤسسة الإصلاح والتأهيل في العاصمة طرابلس، الإفراج عن 78 سجيناً بناء على اتفاق جنيف الموقع في 23 أكتوبر الماضي. وأكدت المؤسسة، في بيان، أوّل أمس، أن إطلاق سراح السجناء جاء بعد التنسيق مع وزيرة العدل والجهات الضبطية التي قامت بضبط الموقوفين وبإشراف إدارة العمليات والأمن القضائي.
وأكدت وزيرة العدل بحكومة الوحدة الوطنية، حليمة إبراهيم، أن عملية إطلاق سراح 78 من محتجزي «حرب 2019»، تمثل الخطوة الأولى على طريق تحقيق المصالحة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد، ووعدت بتنفيذ المزيد من المبادرات الأخرى. وقالت في تصريحاتها خلال حضورها الاحتفال بإطلاق المحتجزين أن حكومة الوحدة الوطنية ستعمل على بناء دولة القانون واحترام القضاء، وتتعهد بإطلاق سراح جميع المحتجزين الذين يقبعون في السجون خارج القانون، وعدم احتجاز أي إنسان إلا في إطاره.
وأضافت حليمة ان التسامح والتصالح هما عنوانا المرحلة المقبلة، وهما السبيل الوحيد للتسامي على الخلافات وتحقيق المصالحة الوطنية، محذرة من أن أي انتهاكات لحقوق الإنسان قد تكون ذريعة للتدخلات الخارجية.
وفي إطار محاولة السلطة التنفيذية الجديدة لتقريب وجهات النظر، والسعي نحو المصالحة، توجه رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، قبل العيد بيوم واحد، إلى مدينة سرت للاحتفال رفقة أهلها. وعقب سرت وفي اليوم الأول من عيد الفطر المبارك توجه المنفي إلى مدينة طبرق الواقعة شرق البلاد.
توحيد المؤسسات
ومع تمكن الدولة من توحيد معظم المؤسسات على اختلاف أوجهها لم يسع المجلس الرئاسي باعتباره القائد الأعلى للجيش اللّيبي لتوحيد المؤسسة العسكرية، والتي كانت سبباً رئيسياً في معظم المشاكل التي مرّ بها اللّيبيون.
ومع تعدد جولات اجتماعات اللّجنة العسكرية المشتركة، لم تتمكن هي الأخرى من توحيد المؤسسة العسكرية وفتح الطريق الساحلي الذي يربط شرق ليبيا بغربها، على طريق البحر، مما سبب معاناة كبيرة للمواطنين خاصة في عيد الفطر، نظراً لتنقلهم بشكل كبير أثناءه.
ورغم إعلان اللجنة عن جاهزية هذا الطريق للفتح لم تسمح أطراف بذلك، بل أبقت على مرتزقة متمركزين هناك، وقد أكد أعضاء اللجنة صحة هذا القول، ورفضت غرفة عمليات سرت والجفرة التابعة للجيش الليبي فتح الطريق إلا بعد خروج المرتزقة الذين استمروا في حفر الخنادق بالمنطقة.
وبعد أن تمكنت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا من توحيد أغلب مؤسسات البلاد، تبقى الجهود الرامية إلى دمج العسكريين في كيان موحد هي الأهم والأصعب في الوقت الراهن، وسط تحديات أمنية داخلية وأخرى تتربص على الحدود.
والأسبوع الماضي، أكد رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة أن توحيد المؤسسة العسكرية يجب أن يتم إنجازه «في أسرع وقت، وقبل الانتخابات» المقررة في 24 ديسمبر المقبل، حتى «نصل إلى انتخابات حقيقية وواقعية وفى أفضل أجواء ممكنة».
وتظهر جهود توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا في سلسلة الاجتماعات الأخيرة مع قيادات عسكرية، جنبا إلى جنب مع دعم دولي لإنجاز هذه المهمة، بينما يحبس الليبيون أنفاسهم انتظارا لتنفيذ جملة من الخطوات المهمة التي أقرها الاتفاق السياسي، ومن شأنها تمهيد الطريق لجيش ليبي موحد. وعلى رأس هذه الخطوات، إخراج المقاتلين الأجانب وتفكيك الجماعات والميليشيات المسلحة والمتطرفة.
استمرار الدعم
ندد العديد من الجهات الدولية والمحلية، ومنها السفارة الأمريكية والبعثة الأممية، بالاستمرار في قفل الطريق الساحلي نظراً لكونه طريقاً حيوياً ويوفر على المواطنين سلك طرق وعرة، بالإضافة إلى أنه الرابط الفعلي على الأرض بين نصفي ليبيا المتخاصمين.
ورغم كون هذا العيد مختلفاً ومليئاً بأجواء المصالحة الوطنية، إلا أن آمال الليبيين أكبر وأبعد من السلم والهدنة، فينتظرون وحدة فعلية تجعل ليبيا بلداً واحداً ممتلكاً لسيادة خاصة على المستوى الدولي، وعلى مستوى أرض ليبيا، وخصوصيتها في شؤونها الداخلية.
من جهته، أكد وزير الخارجية المالطي إيفاريست بارتولو، أن حكومة بلاده تواصل العمل مع شركائها في سبيل الاستقرار والسلام في ليبيا، ودعمها الكامل للعملية الانتقالية والتزامها بأن تكون ليبيا موحدة.
وأوضحت وزارة الخارجية المالطية في موقعها على شبكة المعلومات الدولية، أن ذلك جاء خلال اجتماع الوزير المالطي، عن بعد، بنائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأوروبية والأورآسوية فيليب تي ريكر، وفقا لوكالة الأنباء الليبية.
كان وزير الخارجية المالطي إيفاريست بارتولو، شدد أول أمس، على أن ليبيا ليست مجرد واقع جيوسياسي أو قضية نفط وهجرة غير نظامية، بل «هي قبل كل شيء دولة، ذات سيادة يبلغ عدد سكانها نحو سبعة ملايين نسمة عانوا الكثير، والذين ما زالوا يعانون نقص الكهرباء والمياه واحتياجات أخرى في الحياة اليومية».
استئناف رحلات
مع استقرار الوضع الأمني والصّحي في البلاد تستأنف شركة الخطوط التونسية رحلاتها إلى ليبيا، غدا الإثنين. وستنظم الشركة رحلة واحدة يوميا «وثلاث رحلات أسبوعية، بحسب بيان إدارة مطار معيتيقة الدولي على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أوّل أمس.
وفي مطلع الشهر الجاري، افتتحت الشركة مكتب مبيعات في مطار معيتيقة؛ استعدادا لعودة رحلات الشركة إلى ليبيا. وقد سبق أن أعلنت الادارة في 27 أفريل الماضي، تأجيل عودة الرحلات إلى المطارات الليبية؛ بسبب تدهور الوضع الوبائي، وتباطؤ حركة تنقل المسافرين بين البلدين، خلال شهر رمضان.
في مقابل ذلك يستفيد الاقتصاد الليبي من تحسن الوضع السياسي. وفي هذا الصدد حققت الصادرات التركية إلى ليبيا، زيادة بنسبة 58 في المائة، خلال الأشهر 4 الأولى من عام 2021، مقارنة بالفترة نفسها من العام الفائت. وارتفعت قيمة الصادرات التركية إلى ليبيا، خلال هذه الفترة إلى 826 مليون دولار.
في أفريل الماضي زاد حجم الصادرات التركية إلى ليبيا، بنسبة 228 في المائة، مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي.
وفي السياق، قال رئيس مجلس العمل التركي الليبي في مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي، مرتضى قرنفيل، إن «اهتمام حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بالمستثمرين الأتراك، انعكس إيجابيا على أرقام التبادل التجاري بين البلدين».
أشار قرنفيل إلى أن الفرص متاحة في ليبيا للاستثمارات السريعة في بعض القطاعات، مثل الطاقة، والصناعات الدفاعية، والمواد الغذائية، وإعادة التدوير. مؤكدا أنهم يهدفون لرفع حجم الصادرات التركية إلى ليبيا إلى مستوى 10 مليارات دولار سنويا، مشددا على أن بلوغ الرقم المذكور ليس بالأمر الصعب.