ساهم حراك الفلسطينيين ضد قرار بانتزاع بيوت عائلات فلسطينية من حيّ الشيخ جرّاح وتسليمها لمستوطنين في خلق موجة معاكسة لمسار تواطؤ عالميّ مع دولة الاحتلال الإسرائيلية، وكان من تداعيات هذه الموجة إعادة التذكير بالجذور السياسية للقضية الفلسطينية بمجملها، وليس بقضيّة الحيّ المذكور، ولا بالمعركة على المسجد الأقصى والقدس، أو بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 فحسب، بل بالأركان الأساسية التي بني عليها الظلم الواقع على الفلسطينيين منذ نكبتهم عام 1948.
كما أن انتفاضة القدس المحتلة التي بدأت في المسجد الأقصى المبارك بالعشرة الأواخر من رمضان استطاعت، أن تستنهض الهمم، ونجحت في أيام قليلة بتحقيق جملة من الانجازات المهمة بعد أن تحوّلت إلى ملحمة للدفاع عن الحرم القدسي والتصدي لعدوان الاحتلال الذي يهدف إلى تغيير الواقع وطمس الوجود العربي والإسلامي فيه.
هذه الانتفاضة الشعبية المقدسية، تُشكل فرصة تاريخية مهمة لإنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني وتوحيد الشارع مرّة أخرى، سياسياً وجغرافياً، كما أنها فرصة لإعادة الوحدة إلى الشارع العربي أيضاً الذي لم يجتمع على قضية من محيطه إلى خليجه، كما هو مجتمعٌ اليوم على قضية القدس وضرورة دعم الصمود الفلسطيني الأسطوري هناك.
ثمة جملة من الإنجازات المهمة حققتها هذه الانتفاضة المقدسة التي بدأت في المسجد الأقصى، وأهمها:
أولاً: استنهضت فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 وأعادتهم إلى مكانهم الصحيح، إذ لم يسبق أن شهدنا هذا المستوى من النفير في أوساطهم، بما في ذلك خلال انتفاضة الأقصى عام 2000 التي بدأت من المسجد الأقصى أيضا، وهذا يعني أننا أمام جيل جديد من فلسطينيي الداخل أكثر تمسكاً بهويته ومقدساته وأكثر إيماناً بقضيته، حيث إن أغلب الذين تدفقوا على الأقصى هم شباب ولدوا بعد انتفاضة العام 2000 أو أنهم كانوا أطفالاً حينها.
فرصة لتعزيز الوحدة
ثانياً: الدور المحوري الذي لعبه فلسطينيو 48 في «انتفاضة ليلة القدر» يعني أن أكثر من 70 عاماً من المحاولات والمشاريع الإسرائيلية لتفتيت الفلسطينيين وسلخهم عن بعضهم بواسطة بطاقات هوية متعددة الألوان، إنما هي محاولات باءت بالفشل، وعند أوّل مواجهة فإن الفلسطينيين في كل المناطق يقفون صفاً واحداً موحداً غير مفتت.
ثالثا: أعادت هذه الانتفاضة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام العربي والعالمي وأعادت تسليط الضوء على القضية الفلسطينية التي كدنا نقول قبل شهور قليلة بأنها أصبحت نسياً منسيا، خاصة في ظل اتفاقات التطبيع العربية مع الكيان الصهيوني.
قبل هذه الانتفاضة كانت «هبة باب العامود» وقبلها معركة «باب الرحمة» وقبلها معركة «البوابات الإلكترونية»، في كل مرّة كانت القدس هي البوصلة وكانت وحدها القادرة على إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام في العالم العربي والإسلامي ولدى كل أحرار العالم على اختلاف المكان والزمان والأديان.
والخلاصة هنا هي أن «انتفاضة ليلة القدر» تشكل فرصة تاريخية مهمة لإنهاء الانقسام الفلسطيني والتوصل إلى اتفاق وحدوي شامل على قاعدة الالتحام مع الشارع وعلى أساس برنامج المقاومة الشاملة.