الدكتور أمين بولنوار أستاذ الدراسات الدولية لـ«الشعب ويكاند»

العالم يقترب من نظام دولي جديد متعدّد الأقطاب

حوار: فضيلة بودريش

التعاون والتنسيق الدولي يحسمان في دحر الإرهاب

يستعرض الدكتور أمين بولنوار، أستاذ محاضر بجامعة أبي بكر بلقايد «تلمسان»، عدة جوانب دقيقة ومفصلية في مسألة التحديات العالمية الراهنة للإرهاب والحلول الممكنة لمواجهته بآليات ناجعة، مقترحا امكانية اتخاذ تدابير ترتكز وفق مقاربة تعتمد على إرساء استقرار سياسي في الدول التي استفحل فيها الإرهاب، ثم إنعاش اقتصادي لهذه الدول المتضرّرة، وبعد ذلك القضاء على الخلايا النائمة التي تعتبر منبع تجدّد الجماعات الإرهابية مع محاولة هدم وإيقاف المبادرات الخارجية التي تبنى على استراتيجيات ذات أطماع استعمارية. وبالكثير من التشريح وقف الدكتور على الدور الذي قامت به الجزائر على الصعيد الإقليمي مبرزا جهودها المثمرة في تجريم دفع الفدية، وتناول بولنوار المختص في الدراسات الدولية والدبلوماسية بؤر التوتر في منطقة الساحل وكذا استمرار الاحتلال المغربي للصحراء الغربية التي افتكت تعاطفا وتأييدا إقليميا ودوليا ثمينا، ومن دعم أغلبية دول الاتحاد الأوروبي للرؤية الجزائرية تجاه الصحراء الغربية، ويعتقد أنها تتجه بشكل تدريجي نحو الحل.

«الشعب ويكاند»: مازالت مكافحة الارهاب تمثل تحدّ صعب يواجهه العالم.. هل عبر التنسيق والتعاون يمكن أن تحسم معركة القضاء عليه؟
أمين بولنوار: اتسمت العلاقات الدولية بالتعقيد  والتشعب خاصة بعد تصدع المعسكر الشيوعي وبروز الولايات المتحدة الأمريكية كقوة أحادية في النظام الدولي الجديد، هذا النظام الجديد الذي اتسم بتعدد الفواعل الدولية، ما ساهم في بروز ظواهر دولية جديدة، على غرار التهديدات اللاتماثلية، نذكر منها ظاهرة الإرهاب.
مبدئيا يمكن القول، إن التعاون والتنسيق فيما بين الدول، يعتبر عاملا حاسما في معركة القضاء على الإرهاب، لكن قبل التعاون والتنسيق يجب أولا إيجاد تعريف واحد وموّحد للإرهاب والظاهرة الإرهابية،(التعقيدات الابستيمولوجية لمفهوم الإرهاب)، هذا ما سيسهل عملية التعاون فيما بين الدول، فالجزائر صاحبة التجارب الرائدة وعلى سبيل المثال نادت منذ عقد تسعينيات القرن الماضي بضرورة إيجاد مفهوم
وتعريف موحد للإرهاب من خلال سعيها في المنظمات الدولية والإقليمية، على غرار منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية وجامعة الدول العربية، فما تراه دولة ما إرهابا تراه أخرى مقاومة أو حربا أهلية، وهنا جوهر الاختلاف بين الدول، وهذا ما يقف حاجزا أمام التنسيق الدقيق والتعاون الدولي الفعّال في مسار المكافحة، ناهيك عن المصالح المتضاربة التي يفرضها منطق المصلحة الوطنية للعديد من الدول حسب الاتجاه الواقعي في سلّم العلاقات الدولية.
ثانيا، يمكن ذكر تعزيز التعاون فيما بين الدول عن طريق الاتفاقيات الثنائية والمتعدّدة الأطراف على كافة المستويات السياسية والأمنية وبالإضافة إلى تبادل المعلومات الأمنية، وإلى جانب التحلي بالإرادة وكذا النية الصادقة من طرف الدول بهدف النجاح في القضاء على هذه الظاهرة، وإلا فكل المحاولات ستبوء بالفشل، والأمثلة كثيرة على ذلك يمكن استقاؤها من واقعنا الدولي الحالي.

تجريم الفدية

-  كيف يمكن على الصعيد الإقليمي وبالتحديد بمنطقة الساحل ودول الجوار تجفيف منابع الإرهاب واستعادة الاستقرار، خاصة أن الأزمة الليبية في طريقها إلى الحل عبر الحلول السياسية؟
 تحيط بالجزائر مجموعة من الأزمات على طول شريطها الحدودي، أي أن جوارها الإقليمي بصفة عامة، متأزم ويمكن تسليط الضوء على منطقة الساحل بصفة خاصة، ما جعل المنطقة بأكملها تعيش حالة من المعضلة الأمنية، انعدم فيها الاستقرار السياسي والأمني، وللأسف فإنها تحولت إلى بيئة ملائمة لتفريخ الإرهاب المحلي أو الدولي، على غرار ليبيا ومالي. وحسب رأيي، فإن تجفيف منابع تفريخ الإرهاب يتطلّب مقاربة شاملة، لا تقتصر على الجانب القانوني فقط، بل تتعداه إلى المجال السياسي والأمني والعملياتي وحتى الاقتصادي والإعلامي، فالجزائر التي قامت بدور كبير ورائد لاستصدار مجلس الأمن للقرار رقم 1904 بتاريخ 17 ديسمبر 2009. القاضي بتجريم دفع الفدية للجماعات الإرهابية، نظير الإفراج عن الرهائن المختطفين، بعد أن أقنعت الاتحاد الإفريقي و الجامعة العربية بضرورة تبنيه.

إرساء استقرار سياسي             

بالإضافة إلى ذلك يجب تفعيل الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تمنع تمويل الإرهاب والجماعات الإرهابية على أرض الواقع، حيث هناك عددا لابأس به من هذه الاتفاقيات والقرارات الدولية التي تمنع مثل هذا النوع من الأفعال على غرار الاتفاقية الدولية بقمع تمويل الإرهاب التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 09 / 12 / 1999، التي أصبحت سارية المفعول في شهر أفريل 2002 والتي وقعت عليها نحو 153 دولة، بالإضافة إلى الكثير منها. لكن رغم ذلك تبقى هذه الإجراءات غير مجدية، ما دمنا لم نقض على أسباب الظاهرة الإرهابية أولا، وثانيا مدى وجود إرادة دولية من طرف الدول لوقف تمويل الإرهاب خاصة، والجميع يعلم أن هناك قوى بعينها هي من تموّل الإرهاب إما بطرق مباشرة أو عن طريق مؤسسات مالية حكومية وغير حكومية،
والجميع على علم بأزمة الرهائن الفرنسيين في مالي وما ترتّب عنها.   
ويمكن اتخاذ تدابير وفق مقاربة تعتمد على إرساء استقرار سياسي في هذه الدول، ثم إنعاش اقتصادي لاقتصاديات هذه الدول، بعدها القضاء على الخلايا النائمة التي تعتبر أساس الجماعات الإرهابية مع محاولة هدم وإيقاف المبادرات الخارجية التي تبنى على إستراتيجيات ذات أطماع استعمارية.

- مقاربة الجزائر واستراتجيتها في مكافحة الإرهاب وتسوية النزاعات في كل مرة تثبت فعاليتها وحنكتها، مما جعل منها شريكا موثوقا.. هل يمكن استعراض جانب من مسار الجهود المبذولة؟
 مقاربة الجزائر وإستراتيجيتها في مكافحة الإرهاب وتسوية النزاعات قائمة بالأساس على مبادئ سياستها الخارجية التي تؤكد عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتدافع عن مبدأ حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية وعدم استخدام القوة، و دعمها الدائم للحركات التحرّرية عبر العالم وإلى جانب مرافعتها عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، بالإضافة إلى احترام الشرعية الدولية والقانون الدولي، وهذا ما أكسبها ثقة واحتراما كبيرين بين الدول، أما فيما يخصّ الجهود المبذولة من طرف الجزائر في هذا السياق، فهي عديدة ومتنوعة أي داخلية وخارجية، فعلى المستوى الداخلي حاربت الجزائر الإرهاب منذ ظهوره في تسعينيات القرن الماضي عن طريق مجموعة من التدابير القانونية والسياسية والأمنية وحتى الاجتماعية والدينية والثقافية والإعلامية، من منع الأعمال الإجرامية وتدابير الرحمة، وقانون الوئام المدني
وميثاق المصالحة الوطنية، بالإضافة إلى تعزيز دور كل من الإعلام وكذا دور المساجد والزوايا. أما على المستوى الخارجي فعرفت الدبلوماسية الجزائرية نشاطا مكثفا ولافتا، خاصة عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، أولا تجريم دفع الفدية للجماعات الإرهابية نظير الإفراج عن الرهائن المختطفين: من خلال الدور الرائد الذي لعبته لاستصدار مجلس الأمن للقرار رقم 1904 بتاريخ 17 ديسمبر2009، ثانيا ندوة الجزائر الدولية حول الشراكة والأمن والتنمية: احتضنتها الجزائر بتاريخ 07،08  سبتمبر 2011 كتجسيد لتوصيات الاجتماع الوزاري لدول الميدان المنعقد بتاريخ 20 ماي 2011 بالعاصمة المالية باماكو، حيث التزمت الجزائر بتنظيم ندوة دولية شارك فيها فضلا عن دول الميدان ـ 38 وفدا ما بين دول وشركاء إقليميين ومؤسسات مانحة ومنظمات إقليمية، لتعتبر أول ندوة لبحث إشكاليات الشراكة في منطقة الساحل في مجال الأمن والتنمية، علما أن هذه الندوة التي أفضت عن مقاربة أمنية لمكافحة الإرهاب لدول الميدان والشركاء من خارج الإقليم، ويضاف إلى كل ذلك مشاركة الجزائر في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب المنعقد بمدينة نيويورك الأمريكية في 21 سبتمبر 2011 ، أيضا أنشأت الجزائر وحدة التنسيق و الاتصال بتاريخ 06 أفريل 2010 ولجنة الأركان العملياتية المشتركة بتاريخ 21 أفريل 2010 بتمنغاست.

 السنوات القادمة ستحمل  أزمات أعنف

-  مع مجيء إدارة بايدن.. بدأ صوت الحروب نسبيا يتراجع وخيارات المعارك تستبعد.. هل هذا مؤشر مسبق لنهاية قريبة للجماعات الإرهابية؟
  لا يمكن الحكم على إدارة بايدن في هذه الفترة القصيرة من توليه منصب الرئيس 46 للولايات المتحدة الأمريكية، أي مدة ثلاثة أشهر غير كافية للحكم عليه وعلى إدارته خاصة على مستوى السياسة الخارجية، وإن كانت هناك خطوط عريضة لهذه السياسة التي بالأساس تتوجه نحو الغريم التقليدي روسيا وأيضا الصين على مستوى الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية. فالمعلوم عن الولايات المتحدة الأمريكية نزعتها للهيمنة العالمية، فكل إدارة جديدة تأتي معها رؤية جديدة للوضع الدولي وأيضا لبؤر توتر جديدة، خاصة أننا على أبواب نظام دولي جديد بدأت تتبلور معالمه وهو نظام دولي متعدّد الأقطاب، هذا ما سيفرض إنهاء أزمات وتوترات وبداية أخرى حسب النسق الدولي الجديد، لذا لا يمكن الجزم بالنهاية القريبة للجماعات الإرهابية، وإن حسب تقديري أتوقع أنه خلال السنوات القادمة ستحمل في طياتها أزمات أشد وأعنف خاصة على المستوى الأمني والصحي.

  دعم القضية الصحراوية

-   مازال الشعب الصحراوي يئنّ تحت وطأة الاستعمار وبعد رفض المحتل المغربي لحلول الحوار وخرقه للقرارات الأممية.. هل يمكن أن تتحرّك الشرعية الدولية لتوقف رحى الحرب وتعيد للصحراويين أرضهم؟
 لم تتوقف الشرعية الدولية عن التحرك تجاه قضية الصحراء الغربية منذ سنة 1965، لكن التعنت المغربي ورفضه للحلول الأممية جعل القضية مكانها بين مد وجزر، وحسب رأيي، فإن قضية الصحراء الغربية ليست متوقفة فقط على تحرّك الشرعية الدولية، بل متوقفة أيضا على الأدوار التي تلعبها الدول خاصة الجزائر باعتبارها بلد جار للمغرب
وانطلاقا من مبادئها التي تقضي بدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها ودعمها للحركات التحرّرية في العالم، وأيضا باعتبار الجزائر قوة إقليمية في المنطقة المغاربية ولها وزنها الدبلوماسي والجيوستراتيجي.
لذا أرى أنه من المناسب جدا الآن أن تتحرّك الدبلوماسية الجزائرية بكل ثقلها خاصة في المجال ألمغاربي، العربي والإفريقي عن طريق طرح مقاربتها للحل من خلال المنظمات الإقليمية على غرار جامعة الدول العربية ومنظمة الاتحاد الإفريقي، ومن ثمّ تضييق الخناق على المغرب دبلوماسيا وأمنيا خاصة بعد تقنين زراعة القنب الهندي، وهي في الحقيقة خطوة مغربية تصبّ في صالح الجزائر وهي حجة قوية للجزائر لتأمين حدودها الغربية وأيضا للتسويق لفكرة تحالف المخدرات والإرهاب. وأيضا الاستفادة من الوضع الدولي الجديد ومن دعم أغلبية دول الاتحاد الأوروبي للرؤية الجزائرية تجاه الصحراء الغربية. لكن ما يظهر جليا أن قضية الصحراء الغربية تتجه للحلّ.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024