تمكين الإرادة الشعبية أسهم في تحرّر العدالة
منذ الإطاحة بالرئيس السابق ابراهيم أبوبكر كيتا، دخلت مالي مرحلة جديدة، وشكل المشهد الأمني هاجسا للشعب المالي ودول الجوار في نفس الوقت. لكن التزام السلطات الانتقالية بقيادة الرئيس باه نداو بالاستجابة للمطالب الشعبية جنّب البلاد الدخول في أزمة طويلة. وشكّل اتفاق السلم والمصالحة مرجعية شاملة في عودة الاستقرار، مع دعوات لتحديث بنوده وفق المرحلة الجديدة التي تمر بها البلاد لإحداث قطيعة تامة مع النظام السابق.
أحدثت السلطة الانتقالية في مالي قطيعة تامة مع ممارسات النظام. وقال الكاتب والصحفي المتخصص في الشؤون الإفريقية خاغوراغا ابراهيم، لـ»الشعب ويكاند»، إن السلطة الانتقالية أحدثت تغييرات كبيرة في المشهد العام المالي خاصة قطاع العدالة، الذي تحرّر بشكل كبير منذ الإطاحة بالرئيس ابراهيم ابوبكر كيتا، ووجهت العدالة المالية العديد من الاعتقالات والتوقيفات ممن اتهموا في الفساد وارتكبوا جرائم بحق الشعب المالي سواء ما تعلّق بالفساد الإداري أو جرائم يعاقب عليها القانون.
وسلكت السلطة الانتقالية ممثلة في الرئيس باه نداو ورئيس الحكومة الانتقالية مختار وان طريقا جديدا للتعامل مع ملفات المتهمين في الفساد، ولاحقت فلول النظام السابق بجميع المستويات، وأمرت السلطة الانتقالية بتوقيف وزراء سابقين متورطين، موضحا أن المشهد في البلاد يعرف تغيرات كبيرة يتصدّرها تحرّر القضاء بشكل يلقى ترحيبا واسعا في الوسط الشعبي.
اتفاق الجزائر مرجعية في المرحلة الانتقالية
كان اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن الجزائر سنة 2015 قاعدة متينة لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية التي شهدها مالي منذ تطبيق الاتفاق.
ومنذ دخول مالي مرحلة جديدة بعد الإطاحة بكيتا، وتولي السلطة الانتقالية الحكم سجلت البلاد عمليات مسلحة مختلفة كان هدفها مواجهة الإرادة الشعبية في التغيير وكادت ان تؤدي الى تأجيج الوضع، لكن السلطة الانتقالية دعت إلى تطبيق ميثاق السلم والمصالحة المنبثق عن الجزائر لمواجهة تلك التحديات. لكن أطراف دعت إلى استبعاد الاتفاق نظرا لوجود بعض الثغرات القانونية.
وفي هذا الصدد، أوضح الصحفي خاغوراغا إبراهيم ان اتفاق المصالحة المنبثق عن الجزائر شكل مرجعية في المرحلة الانتقالية الحالية، رغم ان هناك مطالب شعبية بتغيير بعض البنود الواردة فيه لملائمة الوضع الراهن. ولم يكن ملغى أبدا سواء لدى النظام السابق، او السلطة الانتقالية الحالية، وأكد تنفيذ مجمل آلياته للقضاء على الخلافات والصراعات التي سبقت تشكيل السلطة الانتقالية. وتم تعيين مسؤولين بما فيهم وزراء في الحكومة الانتقالية وفقا لبنود للاتفاق.
وأوضح الصحفي المتخصص في الشؤون الإفريقية، أن بعض رموز المعارضة عملت ضد تطبيق اتفاق السلم والمصالحة من خلال التأثير على المجتمع المدني وسياسيين معروفين بتوجهاتهم. لكن هناك شبه إجماع على ضرورة إيجاد أرضية أخرى للتوقيع على اتفاق المصالحة وفق ما يتماشى مع التغيير الحاصل، واستبعاد رموز النظام السابق، لاسيما التي لها علاقة مع الطرف الفرنسي، وذلك بهدف استكمال كل بنود المصالحة وفق المشهد الجديد الذي يقتضي آليات تتماشى مع الإرادة الشعبية.
تراجع نشاط الجماعات الإرهابية
تراجع نشاط الجماعات الإرهابية بشكل كبير في مالي منذ الإطاحة بالرئيس كيتا، ولم تسجل سوى عمليات متفرقة اختلفت في شكلها عن العمليات، التي كانت تحدث في عهد النظام السابق. وأفاد الصحفي جاغوراغا ان أسباب تراجع النشاط الإرهابي يعود بالدرجة الأولى لعوامل سياسية وأخرى عرقية، حيث عملت السلطات الانتقالية على التعامل بشكل جدي وواقعي مع الجماعات الإرهابية التي كان يغذيها بشكل غير مباشر النظام السابق بدعم فرنسي.
وأشار الكاتب الصحفي إلى أن النفوذ الفرنسي كان هو العامل الأول في تزايد نشاط الجماعات المسلحة في شمال مالي من خلال دعم زعماء الإرهاب وفي مقدمتهم إياد غالي، وذلك عن طريق الفدية.
وتشير كل المعطيات الى ان فرنسا كانت لها يد مباشرة في دعم الإرهاب في مدينة «كنة» الواقعة في الشمال ويعيش بها عدد كبير من الجماعات المسلحة وأدى دفع الفدية إلى إطلاق سراح عدد كبير من الإرهابيين في السنوات الأخيرة، وهي سياسة فرنسية واضحة تستهدف استقرار مالي عبر دعم جماعات عرقية من شمال ووسط البلاد.
وكان النفوذ الفرنسي سلبي في مالي ولا يزال، حسب الباحث، مؤكدا انه يستغل جماعات شبابية في الداخل والخارج لمواجهة معارضيه وكذلك جالية مالية مؤيدة له، وإسكات الأصوات الداعية لاستئصال أزلامه بشكل عاجل. لأنه يستغل كل نفوذه في المنطقة لإعادة توازن علاقته مع المرحلة الانتقالية بعد إزاحة اغلب داعميه في النظام السابق.