تتّجه القارة الأفريقية، مع دخول اتفاقية التجارة الحرة، إلى تعزيز مكانتها الجيو-سياسية أكثر على الساحة الدولية، مع تنامي موجة الأطماع الغربية.
تؤكّد معطيات حدوث تحوّل عميق في ذهنيات الساسة الأفارقة بتوحيد الصف لمواجهة التحديات المستقبلية، لكن من دون شك لن يكون طريق الاتحاد الاقتصادي ذي التوجه السياسي مفروشا بالورود، وهو ما يعني مواجهة عراقيل جمّة قد تكون حائلا دون طموحات شعوب القارة السمراء في تحقيق حلم النهضة في السنوات القادمة.
صدرت اتّفاقية التجارة الحرة الإفريقية مطلع العام الجديد، وخرجت من رحم تحديات كثيرة أولها جائحة وباء كورونا التي أخرّت الإطلاق الرسمي للطموح الإفريقي. إطلاق المرحلة التشغيلية لمنطقة التجارة الحرة القارية كان في قمة النيجر للاتحاد الأفريقي في جويلية 2019، واتّفق قادة ورؤساء حكومات الاتحاد الإفريقي على اختيار 2020 للإطلاق الرسمي، لكن وباء كورونا أفشل الخطة تماما، في استحالة إجراء مفاوضات مباشرة. وتمّ الإطلاق الرسمي مع بداية العام الجديد 2021.
أكبر منطقة تبادل حر في العالم
في خطوة لها دلالة رمزية أكثر منها واقعية، تمّ الإعلان عن منطقة تجارة حرّة بحجم 3,4 تريليون دولار، لكن تفعيل هذه المنطقة على أرض الواقع سيكون بحاجة إلى سنوات لتصبح فعليا أكبر منطقة تبادل حر في العالم.
بدأت الدول الأفريقية رسميا معاملاتها التجارية في إطار منطقة تجارة حرة جديدة، تمتد على مستوى القارة بعد أشهر من الإرجاء.
ويعد إطلاق منطقة التبادل في أول يوم من السنة الجديدة لم يخرج عن إطاره الرمزي لكون أن التنفيذ الكامل للاتفاق سيستغرق سنوات. وتهدف منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية إلى جمع 1.3 مليار شخص، في تكتل اقتصادي حجمه 3.4 تريليون دولار سيكون أكبر منطقة للتجارة الحرة منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية.
خطوة لاجتثاث الفقر
يرى الخبراء أنّ الاتفاقية ستعزّز التجارة بين الدول الأفريقية المجاورة لبعضها بينما تسمح للقارة بتطوير سلاسل القيمة الخاصة بها. ويقدّر البنك الدولي أنها قد تنتشل عشرات الملايين من الفقر بحلول 2035، لكن يجب التغلب على العراقيل، التي تتراوح بين البيروقراطية في كل مكان وضعف البنية التحتية إلى الحماية التجارية الراسخة لدى بعض الأعضاء، إذا كان التكتل يريد أن يبلغ إمكاناته الكاملة.
وتتميز منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية - حسب بنودها - بالقدرة على زيادة فرص العمل والدخل، ممّا يساعد على توسيع الفرص لجميع الأفارقة.
ومن المتوقع أن تنتشل اتفاقية التجارة القارية حوالي 68 مليون شخص من الفقر المدقع، وتجعل البلدان الأفريقية أكثر قدرة على المنافسة.
ووفقا لتقرير البند الدولي، فإن الاتفاقية ستعيد تشكيل الأسواق والاقتصادات في جميع أنحاء المنطقة، ما سيؤدي إلى إنشاء صناعات جديدة وتوسيع القطاعات الرئيسية، مشيرا إلى أن المكاسب الاقتصادية الإجمالية ستختلف، حيث ستذهب أكبر المكاسب إلى البلدان التي لديها تكاليف تجارية عالية حاليا.
إرادة سياسية حقيقية
شكّلت جائحة كورونا عائقا كبيرا أمام نمو الاقتصاد الأفريقي، وأثّرت على الاقتصاد باضطراب الواردات، لذلك كان هناك نمو في الإرادة السياسية لتعزيز التكامل داخل أفريقيا، لاسيما وأنّ شعوب القارّة باتت توّاقة أكثر من أي وقت مضى إلى نهضة شاملة تنهي عهود الاتكال، ووقّعت جميع الدول الأفريقية باستثناء إريتريا على الاتفاقية الإطارية لمنطقة التجارة الحرة القارية، وصادقت عليها 34 دولة.
ويؤكّد خبراء أنّ العمل الحقيقي يبدأ الآن مع الإطلاق الرسمي للاتفاقية، لتحقيق النجاح في الأمد الطويل، غير أنّ الاتفاقية تعتبر قاعدة أساسية وليست نهائية لتحقيق تكتل اقتصادي حقيقي شبيه بتكتلات عالمية اخرى على غرار الاتحاد الأوروبي، التي تتقاسم مع الاتفاقية الافريقية سياسات بالنظر للتقارب الجغرافي والسياسي نظرا لارتباطات استعمارية وأخرى سياسية، ومن دون شك ستستغرق عملية البناء التكاملي عدة عقود.
تحديات في طريق البناء
من أهم التحديات المطروحة أمام تحقيق الاتفاقية هو غياب الاستقرار السياسي، وتفشي الفساد الاقتصادي والإداري والبيروقراطية المفرطة على الحدود بين عدد من الدول. كما أنه لم يتم بعد استكمال ملحق للاتفاق يحدد قواعد المنشأ، وهي خطوة أساسية لتحديد المنتجات التي يمكن أن تخضع للرسوم والجمارك.
ويواجه الاتفاق رفضا من مجموعات المصالح المحلية بالدول، وسط مخاوف من تكبد خسائر اقتصادية أمام دول مجاورة أكثر تنافسية، ما دفع عملاق غرب أفريقيا نيجيريا على سبيل المثال إلى التشكيك في المشروع الإفريقي. لكن تحقيق الاتفاقية لن يكون دون التغلب على العراقيل، التي تتراوح من البيروقراطية في كل مكان وضعف البنية التحتية إلى الحماية التجارية الراسخة لدى بعض الأعضاء، إذا كان التكتل يريد أن يبلغ إمكاناته الكاملة.
في غضون ذلك، قدّمت 41 من الدول الأعضاء في المنطقة البالغ عددهم 54 جداول زمنية لخفض الرسوم، لكن مؤيّدو المنطقة يبدون ثقتهم في أن الخطوات الأولية صوب تنفيذها ستسمح للدول الأعضاء بمضاعفة التجارة في أفريقيا بحلول 2025.
وأظهرت جائحة كورونا أنّ أفريقيا تعتمد بشكل مفرط على تصدير السلع الأولية الأساسية، وأنها تعتمد بشكل مفرط على سلاسل الإمداد العالمية لاسيما القارة الأوروبية، حيث أظهرت تقارير من مختلف دول القارة السمراء حدوث اضطراب في سلاسل الإمداد العالمية، وهو ما يعني أن أفريقيا تعاني كثيرا بالاعتماد على الواردات، رغم ثراء ثرواتها الطبيعية.
حافز نمو متسارع لسوق المنتجات الغذائية
يعتبر توسع مشاركة أفريقيا في السوق العالمية للمنتجات الغذائية الزراعية بشكل مطرد في نصف القرن الماضي حافزا كبيرا لتحقيق اتفاقية التجارة الحرة في غضون سنوات قليلة لأن الزراعة قلب التحول الصناعي، ومع نمو الصادرات بـ 4 بالمائة والواردات بنسبة 6 بالمائة سنويا للمنتجات الزراعية، حسب منظمة الأغذية العالمية «الفاو»، ومع ذلك، تتكون الصادرات بشكل أساسي من المحاصيل النقدية (الكاكاو والفواكه والمكسرات والقهوة والشاي والتوابل)، والتي لها أسواق محدودة نسبيًا في أفريقيا، في حين أن معظم واردات الأغذية الزراعية هي منتجات غذائية أساسية، مثل الحبوب والزيوت النباتية والسكر واللحوم ومنتجات الألبان.
وتأتي الغالبية العظمى من الواردات من خارج المنطقة على غرار القمح، وزيت دوار الشمس ومنتجات الألبان من أوروبا؛ والأرز وزيت النخيل من آسيا؛ والذرة والدواجن ولحم البقر من أمريكا اللاتينية.
وبينما نمت التجارة البينية على مدى العقد الماضي، فإنها لا تشكل حاليًا سوى 27 بالمائة من إجمالي صادرات الأغذية الزراعية و17 بالمائة من إجمالي واردات الأغذية الزراعية؛ وهو اتجاه سائد بشكل عام عبر المجموعات الاقتصادية الإقليمية الأفريقية، وتشكل كل هذه المعطيات حوافز حقيقية لتحقيق سوق افريقية مشتركة قوامها المنفعة العامة.