2020..سنة غيّرت العالم

التّطبيع وعودة الحرب بين البوليساريو والمغرب

جلال بوطي

تغادرنا سنة 2020 بعد أيام قليلة تاركة وراءها أحداثا ومحطات دولية غيّرت مجرى التاريخ، لم ولن تنساها البشرية. كان التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي أولى الاحداث التي شغلت المشهد العالمي باعتبار فلسطين قضية الأمة العربية وأحرار العالم. تلتها الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي حبست الانفاس قبل إعلان خسارة دونالد ترامب، ثم اندلاع الحرب بين المغرب والبوليساريو بعد ثلاثة عقود من اتفاق وقف إطلاق النار، واتفاق تاريخي لهدنة بين اطراف الصراع في ليبيا.
هناك أحداث بارزة تؤكّد أن العالم مقبل على عام جديد لا يقل توترا عن سابقه.

التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي

شهدت السنة الأخيرة من رئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موجة تطبيع بعض الدول العربية مع الاحتلال الإسرائيلي، بدء بالامارات العربية المتحدة مشروع التطبيع بالإضافة إلى مملكة البحرين، والسودان. ورغم خسارة ترامب للانتخابات وفوز منافسه جو بايدن بالرئاسة استمرّت خطوات وأخبار التطبيع.
تشابكت الوقائع والأحداث التي مهّدت الطريق أمام التطبيع بين دول عربية والكيان الصهيوني، وكان ذلك جليا في صفقة القرن التي أسسها ترامب كعربون وفاء للوبي الصهيوني في واشنطن، لكن الرفض الكبير الذي شاب الاتفاق غير المفهوم حول الصفقة دون مضمونها، واستيقظ العالم العربي والإسلامي على خبر إعلان ترامب عبر تغريدة في موقع التواصل تويتر عن  تطبيع دول عربية مع تل أبيب، أحدث موجة غضب شديدة واستنكارا داخل الشارع الفلسطيني.
وحدثت موجة التطبيع في ظل اضطرابات أمنية وتحديات اقتصادية تمر بها العديد من دول المنطقة العربية، وبعد موجة ثورات «الربيع العربي» والاعتقاد بأن الولايات المتحدة شكلت لها غطاء من خلال تخليها عن دعم تلك الأنظمة، وكان لصعود إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (2017)، التي تعد أكثر الإدارات الأمريكية مجاهرة بانحيازها لكيان الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق أهدافه، الدور الأبرز في توظيف مكانة الولايات المتحدة لدفع الدول العربية للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وقد أضعف ترامب دور المؤسسات الأمريكية المعنية بصناعة قرار السياسة الخارجية الأمريكية لحساب شخصه، وربما تداخلت مصالحه الشخصية مع المصالح العامة للولايات المتحدة. وقد يكون من الصعب الجزم بمسارات مستقبل التطبيع العربي مع كيان الاحتلال الإسرائيلي بعد وصول بايدن إلى الحكم؛ نظراً للمتغيرات التي قد تحدث في المنطقة العربية وجوارها الإقليمي أو حتى على الصعيد الدولي.

الانتخابات الأمريكيّة

شكّلت الإنتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت في 3 نوفمبر 2020 قضية من القضايا التي تجاوز صداها حدود الولايات المتحدة الأمريكية، وشغلت الرأي العام العالمي نظرا لما أحدثه الرئيس المنتهي عهدته دونالد ترامب من تغيير جوهري على المشهد العالمي بمواقف سياسية لم يجرؤ رئيس أمريكي سابق على تنفيذها وكان أبرزها لقاء زعيم كوريا الشمالية، ونقل سفارة أمريكا إلى القدس الشريف منتهكا بذلك القانون الدولي.
ونظرا لتقارب استطلاعات الرأي قبيل الإنتخابات بين ترامب والرئيس المنتخب جون بايدن حبس العالم أنفاسه، بعدما أدرك الحلفاء قبل الأعداء المخاطر التي قد يقدم عليها في حال فوزه بعهدة رئاسية ثانية، لاسيما وان الخبراء العسكريين والسياسيين تحدثوا عن إمكانية دخول امريكا والصين في حرب شرسة قد تقود العالم الى حرب عالمية ثالثة، وهو ما جعل الحدث السياسي الابرز منذ بداية الحملة الانتخابية الى غاية اعلان النتائج، ولا يزال هذا الملف يلقي بضلاله في ظل تعنت الرئيس المنتهي عهدته بزعمه ان الانتخابات مزورة، لكن المجمع الانتخابي فصل في نتائج الانتخابات نهائيا.

عودة الحرب بين البوليساريو والمغرب

مع فجر يوم الـ 13 نوفمبر 2020 نقلت وسائل إعلام عالمية خبر إقدام الجيش المغربي على فتح ثغرة الكركرات جنوب غرب الصحراء الغربية، بعد غلقها من طرف مدنيين صحراويين يئسوا من سياسة الأمم المتحدة في عدم فرض سياسة الأمر الواقع، نتيجة استمرار الاحتلال المغربي في نهب ثرواتهم الطبيعية جراء الاحتلال، منذ ثلاثة عقود على وقف إطلاق النار الموقع بين البوليساريو والمملكة المغربية سنة 1991.
واعتبر المجتمع الدولي ما قام به المغرب آنذاك، انتهاك للاتفاق رقم 01 الموقع في 1991، وعقب العملية أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب البوليساريو عودة الكفاح المسلح، وشكل ذلك انتهاء لاتفاق وقف إطلاق النار بعد ثلاثة عقود من الزمن هيمنت عليها حالة اللاحرب واللاسلم.
ويمثل عودة النزاع بين البوليساريو والمملكة المغربية أبرز القضايا الساخنة التي ميزت أحداث سنة 2020، بالنظر لطبيعة المنطقة والظروف الاستثنائية التي تمر بها. ولا تزال تداعيات الحرب تأخذ منحا تصاعديا واستمرار القتال بين جيش الطرفين على حدود الجدار العازل، وسط شبه صمت دولي إزاء ما قام به المغرب من خرق واضح للقانون الدولي.

لبنان..الأزمة الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية

يودّع العالم سنة 2020 دون نسيان ما حدث ويحدث في لبنان من أزمة سياسية لا تزال فصولها في أروقة المشهد الداخلي كما الدولي المتعاطف مع البلد، وكان انفجار مرفأ بيروت القضية التي عمقت جراح بلد تنخره الانقسامات والأيديولوجيا.
عند الساعة السادسة وثماني دقائق من الثلاثاء الرابع أوت وقع انفجار أول في مرفأ بيروت بعد نشوب حريق في أحد أجزائه، تلاه انفجار هائل ألحق دماراً كبيرا بالمرفأ وبالأحياء القريبة منه. وبحسب علماء الزلازل، يوازي ضغط الانفجار ما يعادل زلزالاً بقوة 3,3 درجات على مقياس ريشتر.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو أظهرت كرة نارية كبيرة جداً تصاعدت في السماء فوق المرفأ، ثم سحابة من الدخان على شكل فطر ضخم، تلاها عصف قوي مع صوت انفجار عَبَر المدينة بأكملها. وأحدث الانفجار وفق خبراء حفرة بعمق 43 متراً.
وشكّل الإنفجار الهائل في 04 أوت 2020 مأساة حقيقية للشعب اللبناني، أسفر عن مقتل 190 شخصاً، بينهم أجانب منهم عدد كبير من السوريين الفارين من بلادهم بسبب النزاع، وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، بينهم ألف طفل، وفق الأمم المتحدة. ولا يزال سبعة أشخاص في عداد المفقودين.
وتسبّب الانفجار بتشريد نحو 300 ألف شخص بعدما باتت منازلهم غير قابلة للسكن، كما تسبّب بخسائر اقتصادية تتراوح بين 6,7 و8,1 مليارات دولار، وفق تقديرات البنك الدولي، بينما يحتاج لبنان بشكل عاجل إلى ما بين 605 و760 مليون دولار للنهوض مجدداً. ومنذ الانفجار، انهالت على بيروت المساعدات الإنسانية، وزار البلاد العديد من المسؤولين الأجانب أبرزهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي زار بيروت مرتين.

 إعلان تاريخي بوقف إطلاق النار في ليبيا

لا تمر سنة 2020 دون إبراز أهم التطورات الحاصلة في ليبيا، البلد الذي يعاني مأساة حقيقية منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي مع بداية «الربيع العربي» سنة 2011. ويعد ابرز حدث شهدته الأزمة في 23 أكتوبر 2020 بعد أن وصلت الأزمة السياسية الليبية منعرجا جديدا في مسار التسوية السياسية، توصل خلالها طرفا النزاع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، والجيش الليبي إلى اتفاق لوقف نهائي لإطلاق النار، في اجتماع احتضنته العاصمة جنيف بإشراف الأمم المتحدة.
وشكّل الاتفاق خطوة جريئة لكلا الطرفين ولقي إشادة دولية واسعة بالنظر لما آلت إليه الأوضاع في البلاد جراء تدهور الوضع الأمني وانعكاساته على المنطقة بأكملها وتجاوز ذلك الضفة الأوروبية، نتيجة تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وأصبحت ليبيا نقطة عبور أساسية.
وتعاني ليبيا من التدخلات الخارجية، فالجميع يتدخّل لتشكيل وتفصيل كيان سياسي تابع له على مقاس أحلامه ومطامعه فيها، فليبيا ضحية التدخل الخارجي؛ بدءاً بتدخل حلف الأطلسي. ولم تكن الأزمة خالصة؛ بل كانت، ولا تزال، أزمة دولية، فالصراع الأوروبي في ليبيا بين فرنسا وإيطاليا ليس بخاف، ولا المناكفة الأمريكية لأي تقارب روسي مع ليبيا.

صفحة جديدة في مالي

شهدت جمهورية مالي، يوم 18 أوت 2020، ثالث تحول للنظام في تاريخها، قاده عسكريون أطاحوا بالرئيس ابراهيم أبوبكر كيتا، نظرا لتصاعد مطالب شعبية آنذاك بضرورة احترام الارادة الشرعية في الانتخابات. وقام جنود من الجيش المالي، بزعامة العقيد عاصمي غويتا، بالإطاحة برئيس الدولة لتجنيب البلاد الوقوع في فوضى كاملة، وأجبر كيتا على الاستقالة، قائلاً «لا أريد سفك الدماء من أجل بقائي بالسلطة».
تمّ استحداث «اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب» تضم قادة الجيش أنفسهم، وقالوا إنهم لا يريدون البقاء في السلطة، وسنجري انتخابات عامة، رئاسية وبرلمانية، هادفين التعجيل بتشكيل حكومة مدنية انتقالية وهو ما تم البدء في تجسيده، وهو تحول بارز في البلاد غير المشهد السياسي الذي هيمن لعقود طويلة.
وأدى رئيس المرحلة الانتقالية في مالي، باه نداو، اليمين أمام المحكمة العليا للبلاد. وتعهد نداو - خلال خطاب تنصيبه - بـ «عودة حكومة مدنية إلى السلطة، تكون منبثقة عن انتخابات في غضون 18 شهرا»، مؤكدا «عزم الماليين على قيادة مرحلة انتقالية مستقرة، هادئة وناجحة في الظروف والآجال المتفق عليها».
الجزائر كانت بصفتها قائدا للوساطة الدولية في مالي، التزمت بمرافقة «الدولة الجارة والشقيقة»، إلى غاية ضمان العودة إلى النظام الدستوري، وأكدت في كل مناسبة على ضرورة تطبيق اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر، باعتباره «السبيل الوحيد» لاستتباب السلم والاستقرار في البلاد. وكان كيتا قد فاز في انتخابات عام 2018 الرئاسية، واتهم عهده بأنه اتسم بالفساد، وسوء إدارة الاقتصاد، وانتشار الجماعات المسلحة الإرهابية المرتبط بعضها بتنظيم القاعدة، الموجود في المناطق الصحراوية لمالي، والدول المجاورة لها.
وشكّل التحول في مالي تداعيات محلية وإقليمية وعالمية، لعل من أهمها التذكير بأن الديمقراطية الأفريقية تظل هشة، وأن ظاهرة الانقلابات العسكرية على الحكومات المنتخبة ما زالت موجودة، واستمرار حدوثها وارد، لكن المجتمع الدولي، ممثلا بالمنظمات الدولية، يرفضها بشدة، وبقوة أكبر الآن.

أزمة إثيوبيا وإقليم تيغراي

في 09 نوفمبر 2020 عاد الصدام والتوتر المثير للقلق في إثيوبيا بين الحكومة الفيدرالية والحزب الحاكم في منطقة تيغراي الشمالية إثر احتجاجات الشارع التي أطاحت بالحكومة السابقة التي كانت تهيمن عليها «جبهة تحرير شعب تيغراي» في عام 2018. ورغم أنّ التيغراي يشكّلون 6 بالمائة فقط من سكان إثيوبيا، فقد هيمنوا على مقاليد السياسة الوطنية بالبلاد لما يقرب من ثلاثة عقود وحتى اندلاع الاحتجاجات.
وفي 4 نوفمبر 2020، أمر أبيي بردّ عسكري على هجوم مميت على معسكرات الجيش الفدرالي في تيغراي. ونفت جبهة تحرير شعب تيغراي مسؤوليتها، وقالت إن الهجوم المزعوم ذريعة لشنّ «غزو». وبعد ذلك بيومين، ومع اشتداد القتال، أقال أبيي قائد الجيش الذي ينتمي كبار قادته الى العديد من قبائل التيغراي. وفي 9 نوفمبر، شنّت إثيوبيا غارات جوية على تيغراي، وقال أبيي إن العملية ستنتهي قريبا وإن خصومه سيخسرون «لا محالة». وأدى اشتداد القتال إلى فرار الآلاف إلى السودان المجاور، فيما طالبت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بإنهاء القتال.

عقد على «الرّبيع العربي»

سنة 2020 هي أيضا ذكرى مرور عقد على الربيع «العربي» بانطلاقة الثورة الشعبية في تونس يوم 17 ديسمبر 2011 بعد حادثة البوعزيزي. وتعد تونس من أكثر بلدان «الربيع العربي» استقراراً بعد ثورة 14 جانفي 2011 إلى الآن، وهذا الاستقرار النسبي سمح لها بالدخول في ديناميكية جديدة، وساعدها في العملية الانتقالية، وبقدر ما كانت التعددية الحزبية في البلد تعاني من الاختناق الكبير قبل الثورة، فقد تبدلت المعطيات جذرياً، ومعها تغيرت الساحة السياسية
وفُكّت القيود عن التعددية الحزبية، وسُمح بميلاد الأحزاب الجديدة وتطوير التنظيمات المناضلة، وبهذا انفجر المكبوت السياسي، وظهرت على الساحة أعداد كثيرة من الأحزاب، إضافة إلى ما حصل من إصلاحات دستورية أسهمت في بناء النظام السياسي الجديد. وسمحت الثورة، بإصلاحات سياسية عميقة. لكن الواقع كان عكس ذلك في دول عربية أخرى بحيث تعمقت فيها الأزمات وزادت الأوضاع سوءا على غرار الوضع في ليبيا.

الصّراع على الغاز الطّبيعي بشرق المتوسط

وسط الصراعات المتلاحقة بمنطقة الشرق الأوسط، برزت إلى دائرة الضوء منطقة شرق البحر المتوسط، التي اندلع بها صراع مكتوم بين دول الحوض لتنافسها على مكامن تحوي احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي.ففي الوقت الذي تشهد فيه أسواق النفط العالمية تَغيُّرات في أغلبها سلبية، خصوصاً مع تزايد حالة التوتر الأمني بمناطق التصدير، وخروج العديد من منتجي ومصدري النفط الخام من دائرة الإنتاج نتيجة لمُعطيَات سياسية وأمنية، شهدت أسواق الغاز العالمية تغيرات متسارعة أغلبها إيجابية تدعم دور الغاز كمصدر مهم وأساسي للطاقة في مقابل بقية المصادر التقليدية منها والمتجددة.
وفي السنوات الأخيرة أصبح الغاز الطبيعي أهم مصادر الطاقة المطلوبة عالميّاً؛ وذلك لعدة أسباب، من بينها تزايد طلب الدول الصناعية؛ لزيادة إنتاجها، خصوصاً مع الزيادة الكبيرة في حجم الإنتاج الصناعي السنوي، يُضاف إليه الصعوبات التي تواجه الدول المنتجة للنفط في وضع معايير لسياسة إنتاجٍ وتصدير موحدة تلتزم بها لإمداد الدول الصناعية؛ وذلك لاختلاف ظروف كل دولة نفطية من حيث اكتفاؤها الذاتي من الإنتاج من جهة، واختلاف مصالحها من جهة أخرى، وللضغوط التي تُمارس على الدول المصدرة للنفط لزيادة الإنتاج، وتثبيت الأسعار.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024