لم يكن قرار تطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني خطوة مفاجئة أو مربكة، على خلفية أنه كان أحد أقوى المرشحين للحاق سريعا بركب التطبيع وإدارة ظهره للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وخيار المغرب مبني على تشريد شعبين عربيين، حيث اتضح أن المقابل جد مغري ولم تتمكن معه من الصبر، فرمى المغرب بالمنشفة وقايض بالقدس مقابل الصحراء، لكن ما ضاع حق من ورائه مطالب، فكفاح الشعبين مستمر اليوم وغدا وإلى غاية اقتلاع جذور غطرسة المستعمر.
ارتفاع حدة التطبيع حملت هذه المرة رائحة كريهة، امتدت من الصحراء الغربية إلى فلسطين، لأن الاستقرار والسلم صار مهددا بالمنطقة، في ظل ترقب الخبراء وتحذيرهم من تصعيد في التوتر الأمني ودخولها في تحديات قد تفقد من ورائها الاستقرار. بفعل هذه الصفقة المشبوهة التي اتخذت صيغة المتاجرة بحرية وسيادة الشعوب.
تراجع بايدن عن القرار
المتتبع للمسار الدبلوماسي يسهل عليه قراءة أرضية التطبيع التي كانت تطبخ على نار هادئة، منذ الزيارة التي قام بها كوشنر إلى المغرب في ماي 2019، لأنه كان المسؤول الأول عن تفاصيل الإستراتجية الأمريكية للصراع الفلسطيني الصهيوني وما يطلق عليها بصفقة القرن، وبعد انطلاق موجة التطبيع لا غرابة أن يكون المغرب من المرشحين الأوائل ليكون ضمن القائمة.
مازال مبكرا الحديث عن تحقيق أي امتيازات أو انتصارات للمغرب بفعل صيغة التطبيع، لأن الرئيس ترامب الذي أهدى الكيان الصهيوني والمغرب هذه الصفقة التي لم تكن هدية، يتأهب خلال أسابيع معدودة لمغادرة البيت الأبيض، في وقت تختلف فيها قناعات ووجهات نظر الرئيس المغادر ونظيره القادم بايدن الذي على ما يبدو لا يتحمس للعديد من القرارات التي اتخذها مرشح الجمهوريين، وهناك العديد من الأمثلة على ذلك، على اعتبار أن بايدن يجنح للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني واتفاقية المناخ، والاهم أنه خلال حملته الانتخابية، تحدث عن نيته في مراجعة طريقة تعامل ترامب مع الدول العربية. وفوق كل ذلك في يد بايدن مفاتيح التراجع عن قرار تجاهل بلده لكفاح الشعب الصحراوي الذي ينتظر تطبيق حق المصير، وفقا للوائح الأمم المتحدة وبالتالي في إطار احترام الشرعية الدولية.
التاريخ لا يرحم
إذا هل يمكن القول أن قرار ترامب مثلما ذهب بعض الخبراء في تقديراتهم بأنه ضعيف الدلالة القانونية والسياسية في السياق الأمريكي ويسهل إلغائه، حيث لا يتعدى أمرا رمزيا في العمل السياسي، على خلفية أن كل ذلك لن يخفي الحقيقة الناصعة المتمثلة في أن البعثة الأمريكية في الأمم المتحدة، لن تتردد في التأكيد أن موقف بلدها مازال يدعم مبدأ تقرير المصير، ومن ثم يجدد دعوة البلدين أي المغرب والصحراء الغربية، الجلوس على طاولة الحوار وإنهاء الصراع بالتفاوض والحلول السلمية والقانونية.
وبالنظر إلى السياق التاريخي، نقف على حروب ممزقة وسلام متعثر بعد مسار طويل جدا صار يتبع بواقع التطبيع المؤلم الذي عمق من أوجاع الفلسطينيين، لكنه لن ينقص من أمالهم وإرادتهم في مواصلة المطالبة بجميع الطرق لاسترجاع أرضهم وإقامة دولتهم، ورغم اللحظة الصعبة والظروف القاسية التي صدمتهم بالمكاشفة، بعد أن تحولت القضية العادلة بالأمس التي تقاطعت حولها الشعوب العربية وحكامهم من مكانتها، حيث سقطت من الأجندات ومن صدر الاهتمام، وهذا دون شك ما غير بصورة جذرية طبيعة وصورة الصراع العربي الإسرائيلي، فأصبحت العلاقات مع العدو لا تتم بسرية ولا تحتاج إلى مساحيق تجميل أو مبررات، وإنما المصالح وحدها من باتت تحرك بوصلة هذه الدول متجاوزة لمبادئها، وهذا ما ينبئ مستقبلا بتحول عميق قادم وصادم سيقزم من حجم التضامن العربي مع الحق الفلسطيني، عقب تنازل تدريجي للدول عن شرط اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 مقابل الحديث عن السلام مع إسرائيل.
خلاصة القول أن المغرب قايض القدس بالصحراء الغربية، لكن التاريخ لا يرحم، وكفاح الشعبين مستمر، في وقت المنطقة المحاصرة بتهديدات الإرهاب بمنطقة الساحل في مواجهة خطر أمني لا يستهان به.