تضعك التطورات والمستجدات التي فرضت نفسها في الملف الليبي في مواجهة مجموعة من التساؤلات، التي جعلتنا نقترب من الأستاذ الأكاديمي «عبد القادر دريدي» المختص في الشأن الليبي وقضايا دول الساحل ونجري معه هذا الحوار.
الشعب: الأزمة الليبية أضحت اليوم امتدادا لتدخلات خارجية تعرقل كل محاولة للحلّ، ما تعليقكم؟
الأستاذ دريدي: في الحقيقة ما نأسف له كجزائريين هو أن الوضع في ليبيا تحوّل إلى ساحة صراع دولي تتجاوز القوى المحلية في البلد، وبالتالي أصبح من الصعب جدا الحديث عن حل ليبي ليبي. ونلاحظ منذ 2012 إلى اليوم، أنه كلما طال أمد الأزمة، كلما تدخلت أطراف جديدة على خط هذه الأزمة التي تزايدت تداعياتها ليس على المحيط الإقليمي فقط بل حتى على أوروبا، ولا يمكن فهم الإختلاف الوارد في الرؤى على المستوى الأوروبي، لاسيما بين إيطاليا وفرنسا إلا من خلال فهم تداعيات هذه الأزمة على السياسة الأوروبية.
عموما يتعلق الأمر أساسا بأزمة المهاجرين غير النظاميين التي تعاني منها إيطاليا بسبب الأزمة الليبية والتي كان لفرنسا دور بارز في إذكائها، وبالتالي ترى إيطاليا أنها الأحق بإدارة الملف الليبي، أولا لأنها مستعمرة سابقة ولها علاقات تاريخية مع البلد. وثانيا، لأنها البلد الأكثر تضررا من الهجرة الوافدة من ليبيا، وبالتالي ستكون أحرص من فرنسا على إيجاد حل سريع لهذه الأزمة. في حين تسعى فرنسا إلى إطالة أمد الأزمة للاستفادة من الأسعار المتدهورة للبترول الليبي وضمان حصتها من مشاريع إعادة إعمار البلد مستقبلا. كما أنّ تركيا، من جهتها، هي الأخرى تسعى إلى حماية حدودها البحرية من خلال الحفاظ على صلاحية الإتفاقية الدفاعية مع حكومة الوفاق، خاصة أمام مساعي قبرص التضييق على مشاريع تركيا التنقيبية في البحر الأبيض المتوسط. وعليه تهدف أنقرة إلى ضم ليبيا إلى جانبها في هذا الصراع الاستراتيجي على الموارد البحرية في الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى رغبتها في الحصول على حصة من النفط الليبي على المستويين المتوسط والبعيد.
لكن بين كل هذا وذاك ضاعت مصالح الشعب الليبي، الذي يعيش كل أنواع الحرمان، في ظل هذا التناطح الدولي على خيرات بلده.
كذلك يشكل الموقف المصري جزءا من الموقف الخليجي الذي يدخل في إطار الصراع المذهبي ضد الإخوان ولهذا تساند مصر حفتر ضد حكومة الوفاق المحسوبة على التيار الإخواني.
- كثرت مبادرات التسوية واختلفت مصادرها دون بلوغ الانفراج، فمن يصنع الحل الليبي برأيكم؟
لقد تطور الوضع في ليبيا مع مرور السنوات، إلى صراع دولي تتدخل فيه العديد من الأطراف بشكل مباشر وغير مباشر. ونلاحظ أن الأزمة هناك أضحت اليوم امتدادا لنزاعات دولية بين العديد من القوى التي تتحرّك في الساحة الليبية بوجه مكشوف وعلى مرأى ومسمع من المجموعة الدولية.
لهذا، فالحل يجب أن يكون نابعا من إرادة الليبيين أنفسهم، وهذا ما يجب أن تدركه كل الدول المعنية بهذه الأزمة وهذا ما نادت به الجزائر منذ اندلاع الأزمة، أما لعبة المصالح فلا يمكن أن تقود إلا إلى المزيد من الخراب والدمار.
- ما تداعيات استقالة السراج؟
إستقالة السراج تعني العودة إلى المربع الأول، رغم كل المستويات التي يمكن تعدادها بشأن حكومة الوفاق، إلا أنها تبقى حكومة معترف بها دوليا وهذا يمكن ليبيا من المطالبة بحقوقها كدولة، من بينها استرجاع الأموال المجمدة في البنوك الدولية، وهو ما يزعج بعض الأطراف التي تعمل على الضغط على حكومة الوفاق وحرمانها من شرعيتها على نسبيتها.
- ما هي تأثيرات الصراع في ليبيا على الجوار والإقليم؟
الوضع في ليبيا أثّر على كل منطقة الساحل والصحراء وعلى أوروبا أيضا. وبطبيعة الحال على الجزائر، التي تعرضت لتحرشات أمنية واضحة، من بينها حادثة تيقنتورين، حيث أدى تدفق مخزون السلاح الليبي في منطقة الساحل، إلى تنامي قدرة الجماعات الإرهابية على القيام بهجمات نوعية من حيث الهدف، لولا اصطدامها بخبرة المؤسسة الأمنية الجزائرية.