تبحث مراكز ومعاهد الدراسات منذ مدة أبعاد تأثير الفائز في الانتخابات الأمريكية على العالم العربي. ورغم الاختلافات في النتائج والتوقعات التي تبدأ إرهاصاتها اليوم مع إعلان نتائج الفائز، يبدو ان البحث المعمق يرتكز حول أيهما أنسب للمنطقة، الرئيس المنتهية عهدته ترامب، أم المرشح الديمقراطي بايدن. لكن تجارب سابقة أظهرت تأرجح المواقف على حساب المصالح الداخلية.
صحيح أن كلا المرشحين يملكان توجها مختلفا في قيادة أقوى دولة في العالم وبالتالي مصالح الدول مرتبطة بإحدى التوجهين. لكن هذه المعادلة السياسية تكاد تكون مختلفة تجاه المنطقة العربية، من ناحية دعم أحد المرشحين لخدمة مصلحة أي دولة في إطار العلاقات الدولية وما تفرضه التحديات الراهنة من تأييد المرشح الأصلح، لاسيما ما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط.
لكن الدول العربية حتى لا نقول أغلبها، باتت في وضعية متأرجحة ضمن فضاء العلاقات الدولية، رغم موقعها ومكانتها الجيوسياسية في إمكانية إحداث توازن لصالح شعوبها، بالنظر لما تملكه من أوراق ضغط إقتصادية، لكن ما حدث في عهد «ترامب» عكس ذلك تماما.
نموذج عربي في دعم الديمقراطيين
ولفهم هذه الانتكاسة نقدم مثالا واحدا. ونعود إلى الوراء قليلا وبالتحديد قبيل الإنتخابات الأمريكية سنة 2016، حيث أيد النظام المغربي المرشحة هيلاري كلينتون وقدمت الرباط مساعدات مالية معتبرة ضختها في حساب مؤسسة عائلة كلينتون التي لها أبعاد خيرية، لكن أهدافها سياسية محضة لجأت من خلالها الى دعم العائلة في مسارها السياسي في صف الديمقراطيين.
خدعت آنذاك استطلاعات الرأي المغرب وكل معارضي ترامب بفوز المرشحة الديمقراطية كلينتون، وقدمت الرباط دعمها بطريقة مفضوحة لمنع وصول ترامب وذراعه القوي السيناتور جون بولتون أحد أهم الرجال في البيت الأبيض، «تقلد منصب مستشار الأمن القومي قبل إقالته منذ أشهر»، لكن السؤال المطروح لماذا لجأ المغرب لذلك، وكذلك فعلت بعض الدول تحت شعار «نحن مع الأقوى»؟
يعتبر جون بولتون أحد أصدقاء الشعب الصحراوي ومؤيدي تنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية، وهو من دفع أمريكا الى تقليص مهام بعثة الأمم المتحدة لمراقبة وقف اطلاق النار المينورسو لستة أشهر بدل سنة لأول مرة في تاريخ النزاع لفترة تزيد عن اربعين سنة بين البوليساريو والمغرب. كما كانت له مساع حثيثة لإنهاء النزاع، لكن سياسة ترامب البراغماتية مكنته من كسب نظام المغرب وفرضت عليه أجندة خطيرة عبر زيارة ابنته إيفانكا الى الرباط منذ أشهر، وتلتها زيارات رفيعة المستوى، على غرار وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الدفاع الذي أشرف على اتفاق أمني بين البلدين يمتد لعشر سنوات.
سياق ما بعد الانتخابات
تمثل انتخابات الرئاسة الأمريكية واحدة من الانتخابات الاستثنائية والأكثر تعقيدًا في التجربة الديمقراطية الأمريكية، ليس بسبب ظروف وملابسات المناخ السياسي والأوضاع التي تجري فيها، ولكن بسبب سياق ما بعد هذه الانتخابات. ففي ظل افتراض نظري بفوز بايدن في الانتخابات، فإن مشهد ما بعد 3 نوفمبر، سيكون أكثر تعقيدا في الداخل الأمريكي، للدرجة التي دفعت البعض للحديث عن حرب أهلية أمريكية، وذلك في ظل احتمالات رفض أنصار ترامب لنتائج الانتخابات واستخدامهم للعنف والسلاح لدعم مرشحهم.
هذا السيناريو الكارثي يطرح عدة أسئلة تتعلق بما سيجري داخل الولايات المتحدة لو فاز بايدن في الانتخابات، وما سيحدث في المرحلة ما بين 3 نوفمبر إلى 20 جانفي، يوم التنصيب الرسمي، وكيف ستجري عملية نقل السلطة؟ وملامح الاستمرارية والتغيير في السياسات الداخلية الأمريكية. مع هذا كثيرون يعتقدون أن سقوط ترامب وفوز بايدن قد يوقف مسار التطبيع ويزرع الديمقراطية في دول العالم الثالث، لكن لم يفهموا جيدا بعد بأن أمريكا دولة مؤسسات ولوبيات.
طول فترة تسليم السلطة
في هذا السياق، تحدث «تيموثي نفتالي»، المؤرخ في الشأن الرئاسي بـشبكة «سي.إن.إن» الأمريكية، في مقاله المعنون «الانتقال الرئاسي المحفوف بالمخاطر»، والمنشور بمجلة «السياسة الخارجية»، من واقع خبراته في مجال رصد تاريخ عمليات تسليم السلطة بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة والتحديات التي تواجه تلك العمليات، ورؤيته لصعوبة المواجهة الرئاسية الحالية، باعتبارها من أسوأ تلك التحديات.
يشير الباحث إلى أنه عندما قدمت أمريكا -كأول ديمقراطية في عصر الدول القومية- مفهوم نقل السلطة من رئيس إلى آخر، فإنها أوجدت بذلك أيضا فكرة الانتقال السياسي، التي ترمز إلى الفترة الفاصلة بين انتخاب القائد الجديد وممارسة سلفه للسلطة حتى عملية تنصيبه.
يذكر، الكاتب أن طول المدة، من الانتخابات إلى تنصيب الرئيس الجديد، أفرز عددا من الإشكاليات، منها عندما خلف الرئيس الأمريكي الثاني «جون آدامز»، «جورج واشنطن» في عام 1797، كان هناك تأخير كبير بين انتخاب «آدامز» من قبل الهيئة الانتخابية في أوائل ديسمبر 1796 وتنصيبه في مارس التالي، وقد عكست هذه الفترة الزمنية بالتأكيد بطء وتيرة النقل والاتصالات في القرن الثامن عشر، إلى جانب كونها نتاج عملية التصويت غير المباشر التي تعتمد على فكرة المجمع الانتخابي.