بعد إصدار الاسبوع الماضي مائة من الشخصيات المنتمية لحركة النهضة أو القريبة منها بيانا تطالب فيه راشد الغنوشي بالالتزام بالفصل 31 من القانون الداخلي، خلال المؤتمر القادم، والذي يمنع عليه تجديد ترشحه لرئاسة الحركة بدأ المشهد السياسي في البلاد يعرف تطورا جاء بعد اختيار هشام المشيشي لحكومة تكنوقراط ما فهم منه أنه غضب شعبي من آداء الاحزاب السياسية.
تدخل رسالة دعوة تنحي الغنوشي ضمن تحركات سابقة من طرف بعض القياديين من النهضة الذين وجهوا سهام نقدهم للرئيس الحالي للحزب محملين إياه مسؤولية الأزمة التي تعصف بالصف الإسلامي بسبب نيته فرض رئاسة غير قانونية. وتعد المجموعة التي حررت العريضة الأخيرة معتدلة نسبيا في نقدها لأنها توّخت منحى ترجي ونصح لراشد الغنوشي بالحفاظ على ما تسميه مسيرته النضالية ورمزيته التاريخية.
في حين كانت بعض القيادات النهضوية أكثر صرامة وندّدت بنزعة الانفراد بالسلطة من طرف رئيس الحزب والمتنفذين حوله من العائلة ومن المقربين وذلك على حساب الحركة وتاريخها ومبادئها السياسية وحتى الدينية. وتحدث البعض منهم حتى عن إمكانية توظيف راشد الغنوشي والقريبين منه لإمكانيات الحزب من أجل التلاعب بانتخابات مؤتمر الحركة القادم.
وراء هذه الخلافات التي تبدو ظاهريا وأنها تدور حول رفض الزعاماتية في سياق الديمقراطية في تونس، رهانات أخرى جدية قد تزيد من تراجع الحركة الإسلامية. فمن الواضح أن راشد الغنوشي والمقربين منه عائليا وسياسيا احتكروا تسيير الحركة ليس من خلال التصرف في التوجهات، بل خاصة من خلال الانفراد بالتصرّف في الموارد.
موارد مالية هامة تدفقت بعد «الثورة»، وكذلك موارد العلاقات مع الخارج. وقد أدى احتكار التصرف في هذه الموارد إلى تطويع الخيارات السياسية للحركة بما فيها التحالف سابقا مع الباجي قائد السبسي وحتى اليوم مع حزب قلب تونس الذي طالما اعتبرته قيادات النهضة رمزا للفساد. فكأن القيادة الحالية لراشد الغنوشي توّرطت في تحالفات وفي ملفات في علاقة بالتصرف في هذه الموارد، وكذلك في موارد السلطة بعد عشر سنوات من الوجود الفاعل في الحكم.
وبما أن الأمر يتعلق بحركة إسلامية، قد نخرج بدرس من هذه الوضعية، مفاده أن مزج الدين بالسياسة يؤدي لا محالة إلى انتصار السياسة وإكراهاتها وغنائم حكمها على النفس الوعضي والدعوي للدين. فقد لا نحتاج هكذا للتأكيد على ضرورة فصل هذا عن ذاك طالما كانت النتيجة حتمية.