الأستاذ: عربي بومدين:

الأزمة الليبية تضع المنطقة المغاربية أمام تحديات أمنية غير مسبوقة

أجرت الحوار : فضيلة دفوس

على مرّ العقود الماضية، كانت منطقة الشرق الأوسط تستأثر بمختلف بؤر التوتّر والحروب والاضطرابات، فيما كانت منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا عموما تعيش حالة من الهدوء والاستقرار، لكن يبدو أن الوضع تغيّر، لتدخل هذه الأخيرة في أجواء من الاضطرابات والتحديات الخطيرة، لنقف اليوم على أزمة متعدّدة الأبعاد في تونس، وحرب بالوكالة في ليبيا، وصراع على المياه بين مصر وإثيوبيا، وغير بعيد نزاع على السلطة في مالي،وحزام ناري تشكّله التنظيمات الإرهابية في الجنوب.
 «الشعب» تقف مع أستاذ العلوم السياسية بجامعة الشلف، عربي بومدين، عند التطورات التي تشهدها المنطقة، وتبحث معه الدور الذي يمكن أن تلعبه الجزائر للمساهمة في حلحلة المشاكل التي تعصف بها.

- « الشعب» بعد الشرق الأوسط، أضحت منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا تواجه اضطرابات سياسية وتحديات أمنية خطيرة، ما قولكم في هذا الواقع، وما قراءتكم لما يعيشه الجوار والإقليم من أزمات؟
 عربي بومدين: هذا صحيح، على اعتبار أن منطقة الشرق الأوسط مهمة من الناحية الجيوسياسية، ومن أبرز المناطق والأقاليم في التقسيم الجيوبولتيكي للعالم. إن حالة عدم الاستقرار كانت داخلية المنشأ، واستثمر فيها العامل الخارجي من خلال خلق تهديد وجودي (التهديدات الأمنية) للتموقع الاستراتيجي فيها. أما فيما يتعلق بمنطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا، فإنّ الوضع تغير بعد ما عرف بأحداث «الربيع العربي»، على الرغم من أنّ حالة الهدوء والاستقرار كانت حالة مؤقتة سرعان ما تلاشت نتيجة ضعف البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي في هذه الدول.
الواقع أنّ الكتاب الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في نوفمبر 2015 تحت عنوان : «شمال أفريقيا في مرحلة انتقالية: الكفاح من أجل الديمقراطية ودولة المؤسسات»، تطرق بشكل واضح إلى عدة إشكاليات ترتبط أساسا بالأُطر السياسية والأمنية في المنطقة، كما أحاط بالسياقات الداخلية والخارجية التي تجعل هذه المنطقة في قلب الاهتمام الدولي. ومن ثم فإنّ الأزمات التي يعيشها الإقليم هي مُحصلة لتراكمات تاريخية سابقة مرتبطة بشكل وثيق -في اعتقادنا- بعاملين: الأول، ويرتبط بفشل منظومة الحكم في هذه الدول وإفلاس نُخبها سياسيا، فضلا عن الهشاشة الاقتصادية وغياب العدالة الاجتماعية. الثاني، وينصرف إلى العامل الخارجي الذي يحاول من خلال المشاريع الدولية والإقليمية المُتنافسة في توسيع رقعة الشطرنج عبر توسيع مناطق النفوذ، وفي بعض الأحيان خلق بؤر جديدة للمساومة الاستراتيجية كما هو الحال مع الدول المتدخلة بشكل مباشر في ليبيا وسوريا، وكذلك الحال مع فرنسا في مالي، التي تحاول الآن خلق قلاقل هناك للتشويش على جهود التسوية في ليبيا، وضمان مواقع قوة في مستقبل التسويات بالإقليم.
- المؤكد أنّ الجزائر في ظل الأوضاع المحيطة بها، تواجه تحديات كبيرة خاصة على المستوى الأمني، برأيكم كيف يمكنها حماية نفسها من تداعيات الأزمات المتفجّرة بالمنطقة؟
 سيكون من المفيد الإبقاء على سياسة الحياد الإيجابي والوفاء لمبادئ السياسة الخارجية في التعامل مع أزمات الإقليم، لكن في المقابل سيكون من الصعب تجنبها بفعل حركيتها التي تتجاوز منطق الحدود الوستفالية. ومن ثم فإنّ  ضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الداخلي ومعالجة أيّ اختلالات هيكلية، سيكون صمام الأمان في مواجهة أي اختراق خارجي، وفي جانب آخر فإنّ استعادة الدور الدبلوماسي إقليميا سيكون ذا جدوى في إيجاد الحلول السياسية للأزمات التي تحيط بالجزائر، والتركيز على الدائرة العربية والإفريقية، فبينما كان للجزائر ومنذ وقت طويل حضور وازن في الشأن الإفريقي والعربي، انحسر دورها نسبيا في السنوات الأخيرة نتيجة الأوضاع السياسية الداخلية التي مرت بها، مما يحتم عليها تعزيز علاقاتها مع الدول العربية والإفريقية، وأن تمارس دورها بالإقناع والتأثير. باختصار، فإن تجنب انتقال التهديد لا بد أن ينطلق من أربعة تصورات: الحماية: وتشمل الرؤية الاستراتيجية. الاستباق والاستشراف: وتعني جود نظام الإنذار المبكر، ومراكز الفكر والبحث للتعامل مع الأزمات. الوقاية: وتبحث في الأسباب والخلفيات. الترقية: وتهدف في الأساس إلى التحسين وإيجاد الحلول.
- هل من دور يمكن أن تلعبه الجزائر لتهدئة الوضع بالجوار، في ليبيا ومالي وتونس؟
 بطبيعة الحال، هذه الدول تمثل عمقا استراتيجيا للأمن الوطني الجزائري بحكم الجوار الجغرافي والارتباط الحضاري والتاريخي، وإرث وخبرة الجزائر قاريا على المستوى الدبلوماسي وتوسطها في كثير من أزمات القارة الإفريقية،  يُمكّنها من تسويق مقاربتها الثابتة القائمة على التوصل إلى حل سياسي في ليبيا يقوم أساسا على الحوار وإشراك جميع الأطراف، وإبقاء الحلول ليبية - ليبية من خلال التوافق بين القوى السياسية الوازنة هناك، كما تؤكد الجزائر على مبدأ «أفرقة الحلول» ورفض التدخل الأجنبي، وإعادة بناء الدولة والمؤسسات من منطلق أنّ الأمن الوطني الجزائري يتوقف تعزيزه على استقرار الجوار الجغرافي. ويمكن للجزائر أيضا أن توظّف علاقاتها الاستراتيجية مع تونس في مساعدتها على ترتيب بيتها الدّاخلي، ودعمها اقتصاديا وتنمويا في إطار مبدأ التضامن.
وفي مالي سيكون من المفيد عدم تكرار أخطاء الماضي في التعامل مع الملف والحراك الشعبي هناك، ومن الضروري عدم إبقاء دولة مالي رهينة للخيارات الفرنسية، كما أنه على صانع القرار أن ينظر إلى العمق الإفريقي كامتداد حضاري وفرصة يجب الاستثمار فيها حماية للأمن المُجتمعي في الجزائر على اعتبار أن شمال مالي يرتبط معنا بأقلية الطوارق التي تمتد إلى العمق الجزائري.
- كيف يمكن للمنطقة المغاربية أن تستعيد هدوءها واستقرارها؟
 إذا كانت الجزائر والمغرب قد استعادتا استقراراهما النسبي بفعل الإصلاحات السياسية والاقتصادية ، فإنّ الكثير من دول المنطقة المغاربية بما فيها الجزائر والمغرب ستشهد في المستقبل المنظور تحديات داخلية وخارجية بفعل التصدعات التي ستتركها المرحلة التحولية الحرجة الراهنة خاصة على مستوى الركود الاقتصادي العالمي. في مقابل ذلك على الدول المغاربية التركيز المتواصل على إصلاح المؤسسات وتحسين نوعية الحكم في الأمن والاقتصاد والخدمات العامة والعدالة الاجتماعية، والعمل على ثلاثية: الأمن والتنمية والديمقراطية. باختصار التنمية الشاملة هي المدخل الأساسي والمحوري في أيّ استقرار منشود في المنقطة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024