د. رابح زاوي لـ «الشعب»:

تونس تملك المقوّمات لحلّ أزمتها السياسية بسلاسة

أجرت الحوار: إيمان كافي

  لا بد من حكومة توافقية لمواجهة المشاكل الداخلية والتحدّيات الإقليمية

 عاد الدكتور رابح زاوي، أستاذ العلوم السياسية، بجامعة تيزي وزو،  في حواره مع «الشعب» إلى خلفيات و أسباب الأزمة السياسية التي تعيشها تونس، وتوقّف عند تداعيات استقالة الحكومة التي تأتي في ظرف اجتماعي واقتصادي وحتى إقليمي صعب.
وأرجع زاوي ما يجري في الجارة الشرقية من تصعيد، إلى غياب التوافق الحزبي الذي أظهر منذ البداية صعوبة نجاح الياس الفخفاخ في  أداء مهامه ليضطرّ إلى تقديم استقالته، بعد 5 أشهر فقط من توليه لمنصبه .
لكن، رغم أن الأزمة أعادت الوضع في تونس إلى المربّع الأول، إلاّ أنّ الدكتور رابح زاوي ينظر إلى المسألة بأمل كبير في قدرة التونسيين على تجاوز خلافاتهم الحزبية الضيقة، والتوصل إلى تحقيق إجماع حول شخصية جديدة تشكّل حكومة توافقية تكون قادرة على مواجهة التحدّيات الصعبة التي تعترض البلاد.

-  الشعب: تواجه تونس أزمة سياسية خانقة وصلت حدّتها إلى استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ الذي لم يمض على توليه منصبه أكثر من 5 أشهر، ما قراءتكم للتطورات التي تعيشها الجارة الشرقية؟.
  د. رابح زاوي: في حقيقة الأمر ربما قد يشكل الأمر مفاجأة للكثيرين على اعتبار أن الرجل لم يمض على توليه المنصب أكثر من خمسة أشهر، ولكن في المقابل إذا ما تتبعنا تطور الأحداث سوف نجد أن الظروف لم تكن مهيأة بالشكل المطلوب من أجل نجاحه في مهامه. فالرجل ترأس ائتلافا حكوميا يضم 4 أحزاب رئيسية وكتلة برلمانية، هي النهضة والتيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي – 22 نائبا)، وحركة الشعب (ناصرية – 14 نائبا)، وحركة تحيا تونس (ليبيرالية – 11 نائبا)، وكتلة الإصلاح الوطني (مستقلون وأحزاب ليبرالية – 16 نائبا)، بمعنى أنه كان هناك غياب للتوافق التام على اعتبار عدم فوز أي حزب بالأغلبية المريحة التي تمكنه من تشكيل حكومة كاملة، وبالتالي فعملية تأسيس التحالفات لم تخضع للمنطق المطلوب، والنتيجة عودة إلى نقطة البداية والدخول في مسار قد يستغرق نحو شهر ونصف بحسب مقتضيات الدستور.
- استقالة الفخفاخ تزامنت وطرح حركة النهضة عريضة لسحب الثقة منه، ما خلفية الصراع بين الطرفين، هل هي الاتهامات الموّجهة إليه بتضارب المصالح، أم هناك دوافع سياسية أخرى؟.
 البداية كانت من خلال تقديم عريضة تطالب بسحب الثقة من حكومة إلياس الفخفاخ، تحمل توقيع 105 نواب، بينهم كتل النهضة (54 مقعدا) وقلب تونس (27 مقعدا) وائتلاف الكرامة (19 مقعدا)، في حين أن تمرير اللائحة إلى مكتب البرلمان يتطلّب 73 توقيعا فقط، تمّ التصويت عليها في الجلسة العامة بالأغلبية المطلقة للأصوات (109 من أصل 217)، بحسب الدستور التونسي. وبالتالي فالأمر يشير إلى وجود تنسيق كبير وشبه إجماع بين القوى الثلاث على إبعاد الفخفاخ من مهامه. كما أنه سبق وأن لمّح الفخفاخ في بداية تفاقم الأزمة السياسية لاستبعاد وزراء حركة النهضة من الحكومة، وحول هذه الأخيرة سبق للأمين العام للاتحاد العام للشغل، نور الدين الطبوبي أن أشار إلى إن حركة النهضة كانت على دراية تامّة منذ البداية بالملفّات التي قد تلاحق رئيس الحكومة المستقيل. فالشيء الأكيد هو وجود تضارب للمصالح بين الطرفين إذا ما سلمنا حقيقة بأن حركة النهضة كانت على دراية مسبقة بتورط الفخفاخ وبالتالي هي انتظرت فقط الوقت المناسب لإخراج تلك الملفات إلى العلن، والنتيجة إقالة الأول لستة وزراء من حركة النهضة في المقابل تفعيل اللائحة من الطرف الثاني دفعه للاستقالة.
-  الرئيس التونسي قيس سعيّد، سيعين شخصية أخرى لتشكيل حكومة جديدة، هل ستكون المهمّة سهلة بالنظر إلى أن تشكيل حكومة الفخفاج تمّ بشقّ الأنفس وبعد تجاذبات عميقة؟.
 وفق مقتضيات الفصل 98 من الدستور التونسي، أولا، يتم إعلام رئيس مجلس نواب الشعب بالاستقالة الكتابية بصفة رسمية. ثم يبدأ رئيس الجمهورية بإجراء مشاورات مع الأحزاب والكتل البرلمانية لمدة 10 أيام لتكليف «الشخصية الأقدر» على تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر واحد. كما أنه إن لم يتم تكوين حكومة في خلال أربعة أشهر، منذ التكليف الأول (الفقرة الأخيرة من الفصل 89 من الدستور)، فإنه يمكن لرئيس الجمهورية الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة، في أجل أدناه 45 يوما، وأقصاه 90 يومًا. وهذا يعني أن الخطوة المقبلة التي ستشهدها تونس، أن يبدأ الرئيس قيس سعيد، بإجراء مشاورات مع الأحزاب والكتل البرلمانية لمدة 10 أيام، لتكليف شخصية جديدة قادرة على تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر واحد فقط وهو أمر ليس بالسهل في ظل الظروف الحالية التي تمر بها تونس داخليا وحتى الظروف الإقليمية.
كما يعني هذا من جهة أخرى أن الرئيس التونسي بعد استقالة رئيس الحكومة سيتمكن من الإمساك بخيوط تأليف الحكومة الجديدة مرّة أخرى، عِلمًا بأنه كان هو مَن اقترح الفخفاخ عقب فشل مرشّح «حركة النهضة» لرئاسة الحكومة في الحصول على ثقة الأغلبية في البرلمان.
- أزمة سياسية، وضع اقتصادي منهك واضطرابات اجتماعية في الجنوب، كيف يمكن لتونس أن تتجاوز هذه التحدّيات الصعبة؟.
 أعتقد أن البداية تمر عبر تغليب المصلحة العليا للبلد بدل الحسابات الحزبية الضيقة، وأيضا الاستثمار في المكسب السياسي المحقق إلى غاية الآن، من خلال التداول السلمي على السلطة، والمرور عبر الإجراءات الدستورية الموجودة، في اعتقادي أن تونس تملك كل المقوّمات للمرور بسلاسة نحو الخطوة الموالية، فقط أتمنى أن لا يستغرق الأمر أكثر من شهر لأن ما بعده غير مضمون.
- على مرّ السنوات الماضية، اعتبرت تونس النموذج الناجح لدول ما يسمى بـ « الربيع العربي»، فهل مازال هذا الاعتبار قائما، ثم ألا يمكننا أن ننظر إلى ما يجري على الساحة السياسية التونسية بأنه نجاح للانتقال الديمقراطي؟.
 أكيد، يمكن النظر للأمر من زوايا متعددة، وأهمها هو التزام التونسيين والأحزاب التونسية بالدستور ومواده، وإتباع الإجراءات التي من شأنها أن تساعد على إيجاد المخرج السليم للأزمة الراهنة، كما أن للأزمة الحالية مؤشرات على وجود تفاعل كبير بين الطبقة السياسية الحالية. إذن يمكن القول أن للأزمة وجهان، الأول سلبي بالنظر إلى العودة للمربع الأول وتعطيل مصالح الدولة إلى غاية تكليف شخصية جديدة بتأسيس حكومة جديدة، وكذا بالنظر إلى الوضعية الاقتصادية الحرجة، أما الوجه الثاني وهو إيجابي يتمثل في حجم التفاعل بين الأحزاب والحركات السياسية التونسية وفق مقتضيات القانون والدستور.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024