دول الضفة الجنوبية أكثر استهلاكا للطاقة في آفاق 2040
قال خبير دولي، إن تطوير قطاع الطاقة في حوض الأبيض المتوسط، مرهون بتعاون براغماتي بين بلدان المنطقة يغلب المصالح الحيوية على الحسابات الجيواستراتيجية، ولفت في المقابل إلى أن استمرار التوترات السياسية سيقوض عمليات الاستكشاف والاستغلال لحقول المحروقات.
شكل موضوع الرهانات الطاقوية في حوض المتوسط، موضوع محاضرة بالمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة، ألقاها مدير البحث بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والإستراتيجية، فرانسيس بيرين، المتخصص في الاشكالات الطاقوية.
ولفت مدير المعهد المستضيف الياس بوكراع، إلى أهمية التمعن في التحولات العميقة ذات الأبعاد المتشعبة التي تعرفها المنطقة المتوسطية، وقال «أنها تمس القضايا الاستراتيجية، الإيديولوجية، السياسية والعملية»، منبها إلى سرعة حدوثها وبتداعيات مؤثرة على الدول.
وأوضح بوكراع، أن قطاع الطاقة يقع ضمن أبرز القضايا الحيوية لبلدان المتوسط على المديين المتوسط والبعيد، وهو ما يستدعي من كل دولة وبالأخص الجزائر «التحكم في محيطها والاستجابة في الوقت ذاته لمتطلبات التنمية والديمقراطية وغيرها من المؤثرات التي تعزز مكانة البلاد».
أما المحاضر فرانسيس بيرين، فانطلق في عرضه، من «الإمكانيات الطاقوية الضخمة بحوض الأبيض المتوسط، لكنها ليست بنفس الحجم الموجود بالشرق الأوسط أو روسيا»، ما يستدعي حسبه خططا وبرامج لتطوير القطاع الحساس إلى غاية آفاق 2040.
وقدم المختص في الشأن الطاقوي، أرقاما استشرافية تخص استهلاك دول البحر الأبيض المتوسط للطاقات الأولوية، وفقا لدراسة أعدتها 3 معاهد أوروبية سنة 2016.
ووفق التقرير فإن « زيادة الاستهلاك سترتفع ب50 بالمائة في الفترة الممتدة بين 2013 و2040، تمثل فيها دول الضفة الجنوبية وشرق الحوض حصة الأسد بنسبة 57 بالمائة مقارنة بـ37 بالمائة حاليا»، حسب سيناريو تحفظي يرتكز على الاستمرار بما هو قائم.
أما سيناريو الانتقال الطاقوي، المبني على تنمية الطاقات المتجددة، فيتوقع زيادة «الاستهلاك للطاقات الأولوية بـ 7 بالمائة فقط خلال نفس الفترة، تنال فيها دول جنوب وشرق المتوسط النسبة الأكبر بـ 52 بالمائة».
وقال أن تحقيق النموذج الثاني، يرتبط في المقام الأول بإرادة سياسية كبيرة، وخطط ومشاريع على المديين المتوسط والبعيد إلى جانب التمويل المعتبر لأن الأمر يتعلق بالطاقات المتجددة.
جاذبية الاستثمار
ووضع فرانسيس بيرين، جاذبية الاستثمارات الأجنبية، ضمن أهم الرهانات الطاقوية لدول الحوض المتوسط، وقال» أن الشركات الوطنية للبلدان، لن تستطيع لوحدها فعل كل شيء، من الاستكشاف إلى الاستغلال والتصدير، لذلك لا بد من وجود شركات أجنبية تساهم في الاستثمارات»، لافتا إلى أن شركة ارامكو السعودية هي الاستثناء الوحيد، حيث تسيطر بشكل مطلق على قطاع الطاقة في بلادها، ولكنها أبدت رغبة في التفتح على الشراكة في مجال الغاز.
وأكد أهمية صياغة النصوص التشريعية الجذابة للاستثمار الأجنبي، والتي لابد أن تتماشى والتحولات التي يعرفها القطاع من فترة إلى أخرى.
الرهانات الجيواستراتيجية
ومن الدلائل على التحولات العميقة والسريعة لقطاع الطاقة في حوض الأبيض المتوسط، ما حدث لمصر، التي تحولت حسب الخبير، في ظرف 10 سنوات من دول مصدرة للغاز إلى مستوردة له، بفعل التغييرات السياسية التي عرفتها منذ 2011، وكذا الأوضاع الأمنية في منطقة سيناء حيث ممر أنابيب ضخ الغاز نحو الخارج.
وأشار الباحث بيرين، إلى أهمية النفط في الصراع السياسي في الأزمة الليبية وقال أن «كل من يريد أن يفعل شيئا، يستهدف حقول النفط، أو أنابيب التوصيل، أو منشآة التصدير، ويقوم بعدها بالمساومة»، وأثرت الأوضاع الأمنية على الاستثمارات حيث غادرت جل الشركات الأجنبية البلاد.
وتطرق الخبير الفرنسي على النزاعات حول المياه الإقليمية بين الاحتلال الاسرائيلي ولبنان، وآثار ذلك على استغلال الحقول البحرية المستكشفة في مجال الغاز، ووصف ما يجري في سوريا بالحرب الإقليمية والدولية التي لها تبعات مباشرة، على قطاع الطاقة.
احتمالان
ووضع مدير البحث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية الفرنسية، احتمالين لمستقبل الطاقة في حوض البحر الأبيض المتوسط. الأول « إيجابي، يتعلق بالوعود الاقتصادية والمالية الضخمة التي ستترتب عن استغلال الدول لقدراتها من البترول والغاز، وهو ما يسمح بتجاوز الخلافات السياسية من خلال وضع المصالح الحيوية فوق كل الاعتبارات».
بينما الثاني «متشائم، وهو أن استمرار التوترات، يعيق التنمية الطاقوية للبلدان، ما قد يضاعف الاحتياجات الداخلية ويؤدي لمزيد من المشاكل والإقليمية».
بيرين لـ «الشعب»: الجزائر مدركة لأهمية تعديل قانون المحروقات
اعتبر المختص في الاشكاليات الطاقوية، فرانسيس بيرين، أن الجزائر بصدد القيام «بالعمل الصواب لجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة من خلال تحضيرها لإدخال تغييرات على قانون المحروقات».
وأكد في تصريح لـ «الشعب» على هامش المحاضرة، أن « استمرار الأمن الطاقوي الجزائري على المدى البعيد مرتبط بوضع استراتيجية ناجعة تراعي 3 محاور أساسية».
وقال فرانسيس بيرين، أن رغبة الحكومة الجزائرية في تعديل قانون المحروقات لسنة 2013، تظهر «وجود وعي بأننا في سياق اقتصاد دولي معولم، تشكل فيه المنافسة بين المتعاملين الأجانب والبلدان المنتجة للنفط عامل أساسيا لجذب المستثمرين».
وأضاف أن « سونطراك دائما ما أثبت أنها مؤسسة تدرك الحاجة للتعاون مع شركات دولية لتطوير الصناعة الطاقوية وتقوية الاستثمارات، من خلال تهيئة مناخ جيد للمنافسة عبر سن نصوص قانونية مسايرة تماما للتحولات التي يعرفها القطاع على الصعيد العالمي».
الأمن الطاقوي
واعتبر الخبير الفرنسي، أن الجزائر بلد يحقق في الوقت الراهن أمنه الطاقوي، أنه «يستطيع تلبية حاجيات سكانه ولديه فائض يصدره ويحصل من خلاله أغلب الموارد المالية من العملية الصعبة»، مشيرا إلى أن المحروقات شكلت 96 بالمائة من صادرات البلاد سنة 2017 وفقا للرقم الرسمي لبنك الجزائر.
لكن فرانسيس بيرين، يرى أن الحفاظ على الأمن الطاقوي، يتطلب استراتيجية ناجعة على المدى البعيد تقوم على 3 محاور أساسية، وهي تنمية وتنويع الطاقات المتجددة، الاعتماد على مصادر أخرى إلى جانب الغاز لإنتاج الطاقة الكهربائية واستغلال البترول والغاز الصخري (طاقات غير تقليدية).
وأوضح أن تحقيق الأمن الطاقوي ينطوي على رهانين، «الاستجابة للحاجيات المتصاعدة للمواطنين على الطاقة والتصدير إلى الخارج لجلب العملة الصعبة لاستيراد مواد أساسية تحتاجها البلاد».