تطرّق الباحثان صالح زياني أستاذ بجامعة الجزائر وآمال حجيج من جامعة باتنة الى إشكالية الأمن الثقافي والاجتماعي في الجزائر، من خلال مقال في المجلة الجزائرية للاتصال عرضا فيه واقع الثقافة والتحولات الوطنية والدولية والرهانات التي تنتظر الجزائر مع طرحهم بعض الحلول لتجنب الأسوأ.
وحذّر الباحثان من الأخطار التي تتهدّد الجزائر، من خلال استهداف المجتمع المدني وضرب الديمقراطية ووحدة الهوية والثقافة، كما تطرقا في سياق مكانة الثقافة في المشروع السياسي إلى بروز مشكل الهجرة، ليس مشكل الهجرة غير الشرعية بل هجرة المثقفين والنوابغ نحو أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث عندما يقل الاهتمام أو يحتقر المثقفين لن يجدوا غير الهروب إلى الغرب.
وتوقف الباحثان مطولا عند محاولات الأوربيين للترويج للهوية المتوسطية، وعملهم على استقطاب دول المتوسط وشمال إفريقيا لبسط قيمهم واستباق الولايات المتحدة الأمريكية التي تخوض حربا ثقافية غير معلنة، خاصة بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١. وعرضا بالمقابل العوامل التي اعتمدت عليها الجزائر في بناء أمنها الثقافي والمتمثلة أساسا في اللغة والدين، فبين التعريب واصطدام السياسة ببعض الثوابت القيمية لم يتمكن المشروع السياسية والثقافي في الجزائر من تقديم صورة تحمي المجتمع من التهديدات الثقافية الأجنبية ويجنبنا الصراعات والتصادم فيما بيننا مثلما حدث في العشرية السوداء.ومن النقاط التي تمّ مناقشتها التراث الأمازيغي وكيفية التعامل معه كقيمة مضافة للهوية الجزائرية بعيدا عن وجهات النظر السياسيين والنظر إليها على أنها تهديد للعربية في الوقت الذي يجب أن نتعامل معهم ككل متكامل. وللتخلص من هذا التناقض اعتبرا الاستاذان عدم الخلط بين المفاهيم أحسن وسيلة لحل معضلة اللغة في بلادنا مؤكدين ''أن المسألة اللغوية في الجزائر تبقى محصورة في ذلك الخلط بين اللغة الفرنسية والفرانكوفوينة والخلط بين التعريب واللغة الجزائرية، وأخيرا الخلط بيت التعريب والأسلمة أو ما يسمى إعادة الأسلمة ومشكلة اللغة ستبقى مطروحة ما دام هذا الخلط مستمرا''. وبالمقابل يبقى تفادي الصدام بين العلمانيين والإسلاميين أمرا مهما لتفادي الاغتراب الثقافي وتجنيب المجتمع الصراع من خلال تبني بعض الأحزاب السياسية لقيم ثقافية متناقضة في الوقت الذي يجب أن يشكلوا فيه كتلة واحدة ما دام الأمر يتعلق بالقيم. وأعاب الباحثان على ما يتم اقتراحه لمواجهة هذا الخطر معتبرين المبادرات غير مدروسة جيدا قائلين: ''إن المتتبع لمنهجية تعامل الجزائر مع مختلف الأزمات والمشاكل التي تواجه الفرد والمجتمع الجزائري، وكذا طبيعة المقاربات والتصورات والحلول المناسبة التي يتم اقتراحها، يلاحظ أنها عادة ما تكون تجزيئية وخاضعة للأحكام الجاهزة، وتقتصر على دراسة الأعراض والنتائج دون الغوص في عمق المشكلات والبحث عن الأسباب الجوهرية التي تتحكم في الظواهر المطروحة، كما أنه عادة ما يتم تمييع المشكلات بإدخالها دائرة التسييس''. ومن الأسباب التي أدت إلى هذا الواقع هو التركيز على الشخصيات بدلا من فتح النقاش حول البرامج والأفكار، وهو ما جعل النقاش عقيما ومغلقا مع طغيان الذاتية والتعامل بالعواطف ونكران العقل مع إهمال مرجعنا الفكرية . وطالب الباحثان بالاهتمام بالفعل الثقافي لبناء إستراتيجية الأمن الاجتماعي والثقافي ببلادنا من خلال منح دور محوري للثقافة وجعلها تقوم بوظيفتها الحضارية من خلال تخليصها من الحشو والانحراف على حد تعبير المفكر الجزائري مالك بن نبي والمقصود بالحشو هنا هو تصفية عادات وحياة الأفراد بصفة عامة مما يشوبها من عوامل الانحطاط.
صالح زياني وآمال حجيج يناقشان الأمن الثقافي
دعوة للاهتمام بأفكار مراجعنا الفكرية للتخلص من عوامل الانحطاط
حكيم/ب
شوهد:682 مرة