عالم تربع على عرش الأزهر الشريف

العلامة محمد الخضر حسين واحد من أعلام منطقة الزيبان

بسكرة: عبد الحق جراف

تعالت الأصوات في الآونة الأخيرة، في خضم الأحداث الجارية بمصر حول ماهية الأزهر الشريف، ولن نخوض في الحديث عن الجوانب السياسية لهذه المنارة التي لا تزال تنير العالم الإسلامي بنخبة علمائها، فكان لها الأثر البليغ في نفوس الملايين من المسلمين في ربوع العالم.
إن الحديث عن تاريخ الأزهر يقود مباشرة إلى الحديث عن الذين كان لهم الفضل في الحفاظ على العقول من الفكر المتطرف والدين من التشويه وزيغ المفاهيم، وإن ذُكر هؤلاء فإنه ما يفتأ أن يذكر العلامة ذي الأصول الجزائرية محمد الخضر حسين.
وتعود أصول هذه المنارة السمحة إلى منطقة الزاب الغربي بمدينة طولقة ببسكرة، غير أن مولده لم يكن ببعيد عنها، فقد ولد بمدينة نفطة بتونس عام ١٨٧٦م، كانت أسرته قد هاجرت إليها بغية إنشاء زاوية علمية لتحفيظ القران الكريم وعلوم الشريعة، ولأن الشيء مأتاه لا يستغرب،  فقد حفظ القرآن الكريم وسنه لم تتجاوز ٥ سنوات.
زاد اعتناء الأسرة به فأرسل إلى جامع الزيتونة، حيث كان هذا الأخير محضن قواد الثورة الجزائرية وأدبائها، إلى أن حاز به على شهادة التطوع لإلقاء الدروس والخطب والتدريس، وكان لجمع من المشيخة كالشيخ سالم بوحاجب  وعمر بن الشيخ واحمد أبو خريف وآخرين، فضل في أن يثبت ويعين للتدريس فيه وفي مناطق أخرى.
تقلد الإمام عدة مناصب بتونس الشقيقة، حيث تولى القضاء في مدينة بنزرت والتدريس والخطابة في الجامع الكبير، ولم يلبث في هذا المنصب إلى أن عاد حبا للتدريس بجامع الزيتونة، ومع تزايد نشاطه الديني اتخذ من منبره هذا أداة جهاد ضد المستدمر الفرنسي، مما جعل هذا الأخير يضعه تحت الرقابة حيثما حل وارتحل، ولم يكتف المحتل بهذا فعمد إلى اعتقاله واتهامه بإثارة الفتنة وعدم إبلاغ الحكومة بما يجري في مجالسه، ليصدر في حقه حكما غيابيا بالإعدام.
وفي ذات السياق، يعتبر العلامة رحالة زمانه، حيث انتقل بين العديد من المدن، كان له شرف العودة الى الموطن الأصل سنة ١٩٠٣، غير أنه لم يلبث بها سوى مدة قصيرة، ليعاود الرجوع إلى تونس فدمشق فقاهرة المعز سنة ١٩٢٠، ناقش الشيخ رسالته ''القياس في اللغة'' أمام جمهرة من كبار علماء القاهرة، يرأسهم الشيخ اللبان عبد المجيد، الذي انبهر بغزارة علمه واعتبره بحرا لا ساحل له، ''فكيف نقف معه في حجاج'' قال الشيخ اللبان.
وكانت هذه المناقشة طريقه إلى الأزهر الشريف، حيث صدر أمر ملكي في ٢٥ أفريل١٩٥١، بتعيينه عضوا في جماعة كبار العلماء بمصر. وبهذه الأخيرة، كثر نشاطاته العلمية والأدبية والجمعوية، أسس جمعية الشبان المسلمين وجمعية تعاون جاليات شمال افريقية وغيرهما،  وفي ١٩٥٢ صدر قرار لمجلس الوزراء بتعيينه على عرش مشيخة الأزهر الشريف، غير أنه لم يستمر في منصبه حتى سنة ١٩٥٤، لضغوطات سياسية تعرض لها، فآثر العودة للتدريس على تلك الضغوط. إنتقل العلامة الجليل إلى جوار ربه يوم الأحد ٢٠ فيفري ١٩٥٨. وكان بذلك أول وآخر عالم في العصر من خارج مصر يعتلي كرسي الأزهر الشريف.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024