ونحن في مطلع السنة الثامنة عشرة بعد الألفية الثانية تتعاظم الرهانات والتحديات الإقليمية والعالمية، ويزيد حجم تأثيرها على المجتمع الجزائري خاصة منها ما تعلّق بأمر دينه والتزامه الشرعي؛ فالجزائر منذ سنوات قريبة صارت مرتعا خصبا لكل دعيّ مُدّعٍ للحقيقة الشرعية الاعتقادية والفقهية التي قد تأباها نصوص الشريعة الإسلامية صحيحها وصريحها.
الحدّ الاصطلاحي للمجمع الفقهي الجزائري من وجهة نظرنا
نرى أن المجمع الفقهي الجزائري: تنظيم مؤسساتيّ ذو طابع شرعي وعلمي أو هو هيئة علمية وشرعية رسمية مُستقلّة، يتألّف من علماء وفقهاء متخصّصين في العلوم الشرعية وخبراء فنيين من ميادين العلم الأخرى ذات الصلة.
يضطلع المجمع بالإخبار الشرعي في نوازل المجتمع الجزائري خاصة وعموم المجتمعات الإسلامية، خاصة ما يتصّل منها بمُستجدات واقعها الاجتماعي، ويحرص على إثراء وتجديد تراث الفقه الإسلامي ونشره وتعميمه بلغة العصر، مع إمكانية تقنينه والاستفادة منه في تنظيم الشؤون الاجتماعية والاقتصادية للبلاد والعباد، وما يتطلّبه ذلك كله من استحداث أو تعديل القوانين أو حتى إلغائها.
المجمع الفقهي واحتياجات المجتمع الجزائري
أصبح المجتمع الجزائري يتقبّل كل طرح شرعي باسم الدين، فترى صنوفا من الالتزام وضروبا من الفرق التي تنتسب إلى الإسلام، لكلّ منها مذهب ومنهج وربما معتقد أيضا، فقد كثر الكلام مؤخرا عن نشاط نشطٍ - مُعلنٍ أحيانا – لعدد من أتباع الشيعة الرافضة في بعض ولايات الوطن.
ولا يقلّ عنهم خطرا وضررا تزايد عدد مُعتنقي الدين الأحمدي القادياني المقتنعين بأنه دينٌ عاقبٌ لدين الإسلام وناسخٌ أو مٌكمّلٌ له، فضلا عن عددٍ من طرائق الصوفية التي لا تغرب شمس يوم إلا ونسمع عن شطحات بعضها على غرار هذه الكركرية الضالّة التي ابتُلينا بشرّها مُؤخّرا...
وأمام هذا الوضع الآسن، صرنا مُستهدفين من أصحاب الأهواء والآراء والمذاهب الوافدة المعتسفة، حتى منها تلك التي لا تعرف من الإسلام غير اسمه وعنوانه، مع اضطراب أمر الفتوى التي صارت سوقا للدخلاء، ولكلّ من هبّ ودبّ ممن تجرّأ عليها واستصغر شأنها، وهنا تظهر أهمية استحداث مؤسسة ترعى المرجعية العلمية الدينية (العلماء)، وتعزّز من دورها في نشر الفهم الصحيح والممارسة الصحيحة لدين الإسلام.
نحن – ولله الحمد والمنّة - من الذين يُنادون بضرورة تعجيل استحداث مرجعية دينية مؤسساتية على غرار أن تكون في صورة مجمع فقهي مثلا، يحفظ للجزائريين أمنهم الديني والفكري، ويُسهم في نشر الإخبار الشرعي الصحيح عن طريق الاجتهاد الجماعي التشاركي المؤسساتي، فهو أضمن لإصابة الحق والعدل، ورعاية وحماية المجتمع الجزائري من كل دخيلٍ أو حتى عميلٍ باسم الدين.
التعريف بنوازل المجتمع الجزائري والمقتدرين على التصدّي لها
إن المجمع الفقهي كمؤسسة شرعية تتحمّل واجب النظر فيما يحلّ بالمجتمع الجزائري من نوازل مُستجدة ويُحيط به من مُشكلات ومُعضلات عصرية تتطلّب النظر فيها وفق ضوابط النظر الشرعي، وهذا النوع من النظر له أهله العارفون بوسائله والجامعون لآلاته من العلماء والفقهاء وأهل الخبرة الفنية، الذين سيُسهم المجمع في التعريف بهم وبسِيَرهم ومُؤهّلاتهم العلمية.
تجديد الفقه الإسلامي وفق متطلّبات البحث العلمي الشرعي
إن مشروع المجمع الفقهي الجزائري سيخلق مناخا مناسبا للفعل البحثي الأكاديمي الجادّ في ميدان العلوم الشرعية وغيرها من العلوم الدنيوية المساعدة، فيُخضع نوازل الأمة لتقنيات وقواعد ومبادئ المنهجية العلمية المعتمدة في ميدان البحث الشرعي، الذي يعتني بالمشكلة المطروحة وتساؤلاتها وأطروحاتها، مع تحرير صورة المسائل ومناطها وعرض الخلاف بشأنها إن وُجد، وأيضا مع استعراض أدلتها وأوجه الاستدلال بها، ويُجيب على ذلك كله في إطار خُطّة مُحْكمة تنتهى إلى الحلول المأمولة والإجابات المطلوبة في صورة شافية وافية وكافية.
إن اعتماد مسالك البحث العلمي الشرعي الرصين من خلال مؤسسة المجمع الفقهي، لا غرو يسمح بتجديد وتحديث وتطوير المنظومة المعرفية الفقهية الشرعية، ويرتقي بأحكام الفقه الإسلامي بتجلّياته وتطبيقاته المختلفة (فقه النوازل وما يتصل من فقه الموازنات وفقه الأوليات...)، ويسمح أيضا بإعادة بعث قراءة التراث الفقهي الجزائري والمغاربي المالكي بنفسٍ جديدٍ وثوبٍ قشيبٍ، وما يتطلّبه من تحقيقٍ للمخطوطات التي لم تأخذ حظّها من البحث والدراسة.
من ناحية أخرى، سيسمح المجمع بتقارب علماء الجزائر واحتكاكهم بأترابهم وأقرانهم ونظرائهم من العلماء المسلمين من دول العالم الإسلامي الفسيح على وجه التعاون والتشارك، الأمر الذي يضع للجزائريين أجوبة مُحكمة لتساؤلاتهم وحلولا دقيقة لمشكلاتهم، ويجعلهم في فخرٍ واعتزازٍ بمرجعيتهم.
وهذا هو المأمول الذي نترقب تحقّقه عن قريب.