محمد بوعزارة لـ”الشعب”:

أجــد نفسي أكـثر في الكتابــــة والصحافـة فسحـة للتعبــير عـن الأشيــــاء

أجرت الحوار: حبيبة غريب

من الصعب فصل السياسي عن الكاتب و المبدع في شخص محمد بوعزارة، إذ يجمع بينهما بقوة وحنكة الإعلامي والإذاعي المتمرس طويلا..كتاباته العديدة تصب جلها في مجال التحليل  الثقافي والسياسي والاجتماعي، الذي جعل منه اليوم احد المراجع  الموثوقة و الملمة بعديد قضايا الساعة الوطنية والعربية و الدولية. في حديثه عن نفسه، مسيرته الأدبية والإعلامية والسياسية الطويلة، ترتسم قصة جزائري عايش -كما يقول - فترة الحرمان والفقر والجهل تحت نير الاستعمار الفرنسي، وواكب معركة البناء والتشييد بعد استرجاع السيادة الوطنية. عاش مراحل التغييرات التي عرفتها البلاد من عشرية سوداء و الانفتاح على التعددية الحزبية والإعلامية، فترجم هذه المحطات في العديد من كتبه يعتبر كتاب “ من الخيمة إلى البرلمان “ الأهم والجامع للعديد من الأحداث و المواقف مثلما يوضحه في هذا الحوار مع جريدة “الشعب”.

 “الشعب”: بين السياسي والإعلامي والكاتب، أين يجد محمد بوعزارة نفسه أكثر ؟ وكيف كانت بداية القصة مع عالم الكتابة ؟
محمد بوغزارة:  أجد نفسي أكثر في  مجال الكتابة فهي تجمع روح الإنسان والابداع والصحافة كانت بالنسبة لي فسحة واسعة للتعبير عن الأشياء.  كانت بداياتي في الكتابة سنة 1965 هذا العام الذي كان فاصلا في حياتي، فقد تجسدت خلاله مجموعة من الطموحات أولها بداياتي مع التأليف، ثم انضمامي إلى الإذاعة وأنا مازلت طالبا و كان أنذاك التعليم يمزج بين الطورين المتوسط والثانوي. كان أول نص لاقى اهتمام و تشجيع محمد الصالح  بن صديق  أستاذ اللغة والأدب العربي في ثانوية عبان رمضان بالحراش  بالعاصمة حول حركة عدم الانحياز،  وكان من الجودة ما أدى بأستاذي إلى القول “ يا ولدي سيكون لك شأن كبير في السياسة. وقد كتبت أول و آخر قصة قصيرة لي في خريف 1965 تحت عنوان “عائشة “.
 كما كانت لي  منذ الستينيات كتابات في الشعر ومقالات بجريدة “الشعب” والمجاهد الأسبوعي ومجلة الأثير وغيرها، هذا إلى جانب عملي بالإذاعة  في برنامج الأطفال،  وفرقة التمثيل الإذاعية  وكنت أيضا معدا ومقدما لمدة عشر سنوات لبرنامج “ قضايا المغرب العربي “ و المشاركة في برنامج “مغرب الشعوب “ وغيرها من التجارب التي عززت في فن الإلقاء والتواصل مع الآخر .

هكذا بدأت مغامرة الكتابة..

ما هي قصتك مع الكتاب.. التأليف والإصدار؟
 في نوفمبر 2004، اتصل بي الدكتور فيصل قاسم معد برنامج “ الاتجاه المعاكس” للمشاركة في حصة حول الصحراء الغربية، مع محلل مغربي و خلال الحصة سألني المعد، هل لي إصدارات، فأجبت بلا، وهنا بدأ المحلل المغربي في استعراض مؤلفه بطريقة استفزتني، ففور خروجي من الأستوديو هاتفت زوجتي و أولادي و طلبت منهم البحث و جمع كل  كتاباتي و مقالاتي فكان كما من 1200 صفحة، عرضتها  أول مرة على ناشر  لا أريد ذكره فقام بإضاعة كل المادة سهوا أم عن قصد لا أدري، ثم طلب مني د.احمد الزاوي الذي كان أنذاك مديرا للمكتبة الوطنية الفصل بين الشقين الثقافي و السياسي، الأمر الذي أدى إلى إصدار تأملات في الثقافة كتابان: “التجربة والحصاد” و« لصوص التاريخ” وتأملات في السياسة : كتابان أيضا : “ يسقط الإرهاب..تحيا المقاومة “و”السيادة الناقصة”.
بعد إصدار 13 مؤلفا يشمل تأملاتك في الثقافة و في السياسة و تحليلات لأوضاع راهنة سياسية وأمنية ثم سيرتك الذاتية، هل من عمل أدبي جديد قريبا؟  
حاليا أنا بصدد التحضير لكتاب جديد  بحجم  1000 صفحة، استلزم  جمع ماداته و كتابتها وقتا طويلا، وهو يحكي عن جوانب خفية وحميمية من حياة زملاء وأصدقاء و أساتذتي و كبار الشخصيات  ويروي مواقف غير معروفة  للعموم، كما أن الكتاب مطعم بمجموعة من الأحاديث والحوارات التي أجريتها معهم.
 كيف هي نظرتك عن واقع الثقافة الحالي بالجزائر ؟
 الثقافة مازالت تخضع للمناسباتية، و الكتاب مازال مهملا للأسف، التظاهرات ذات القيمة الفكرية والتحليلية أضحت غير موجودة وحتى المهرجانات المنظمة والمعول عليها هي بعيدة كل البعد عن الاحترافية المرجوة.
لا بد من إعادة النظر في منظور الثقافة ككل، وأن لا تطغى علينا المناسباتية في هذا الجانب، فالثقافة ليست فلكلورا ولا مهرجانات  فحسب بل هي اليوم في حاجة ماسة إلى من يتولى تأطير هذه المشاريع الثقافية وتسيير القطاع، من يملكون القيم الصحيحة والفكر الثقافي المطلع.
الثقافة تحولت اليوم إلى مؤسسات اقتصادية تساهم في تنمية مداخيل البلد،  فالولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال قد سجلت نهاية القرن ما يقارب 80 مليار دولار كمداخيل قطاع الثقافة، وكان هم المسؤولين تجاوز هذا الرقم إلى 120 مليار دولار مع حلول العشرية الجديدة، ومن جهتها تعزم الصين، بحسب أخر تصريح لوزير الثقافة أن تكون إراداتها من المنتج الثقافي تتعدى 400 مليار دولار في غضون سنة 2025، فهل لنا أن نأخذ العبر من هؤلاء لنشيد ثقافة اقتصادية بديلة لما هي عليه الأن.

الحجر على التأليف مرفوض اليوم وغدا
 تشهد الساحة الثقافية في السنين الأخيرة الماضية زخما كبيرا  في مجال الكتابة و الإصدار، هل يجد هذا الكم الهائل من الكتاب و الكتب الطريق إلى المتلقي؟
أنا ضد الحجر على التأليف مهما كان و أنا أعتقد أن الكاتب هو من يحترم نفسه و يكتب ويقدم للمجتمع ما ينفعه ويعلي ثقافته. هذا الكم من الإصدارات  ليس له اليوم من يقرأه، المقروئية أصبحت ضعيفة، فالسؤال الذي يطرح نفسه، نقرا لمن و نكتب لمن؟ لنجعل هذا المؤسسات الإعلامية   تلعب الدور المنوط بها أي أن تسهر على تشبيك العلاقة بين الكاتب والمتلقي لتجعل هذا الأخير يقرأ ، فهي وسائل تواصل لها تأثير كبير في الثقافة و السياسة والاقتصاد فلا بد من الاستعانة بها في ما يفيد و ما يخدم الثقافة و المثقف.
 ماذا عن ظاهرة النشر الالكتروني، هل تخدم فعلا المثقف والثقافة أم أنها تشجع على تفشي السطو الفكري؟
 إن ظاهرة النشر الالكتروني لها و عليها، فإذا كان الهدف منها ليس نشر كتاب كاملا، بل نبذة أو ملخص منه فهي مرحب بها، لكن نشره كاملا فهذا يفقده و الكاتب حقوقهم ، أما في ما يخص السطو  على الملكية الفكرية، فهو ليس بجديد، لكن سارق الأفكار لا يمكنه و لا يستطيع أبدا سرقة الإبداع من المبدعين، فالأفكار تبقى ملكا لهم حتى ولو تلصص هؤلاء الذين لا أخلاق لهم، أما فهذه الآفة لا بد أن تحارب بالقانون مثلها مثل الجرائم الأخرى.
كانت لكم مشاركة في مشروع اليقظة الثقافية التي دعت له مبادرة صناعة الغد، ما هو رأيك بهذا الخصوص وكيف نجعل المثقف يهتم أكثر بالسياسة وأمور البلد والمجتمع، كونك تجمع بين المثقف المبدع و السياسي المحنك؟  
أنا أشارك في كل مبادرة تخدم الثقافة والمثقف ومن شأنها إبراز كثير من الجوانب الخاصة بثقافتنا وبمشاركة المثقف في الحياة السياسية،  فتصحر هذه الأخيرة مقدمة لتصحر كل مؤسسات الدولة .
أنا ضد تهميش المثقف وعيشه على هامش الأحداث، و ترك السياسة للدهماء، بل يجب ان يكون له دور ريادي و استشاري و استشرافي ، أما خريج مدرسة مهري و بن حمودة و مساعدية، والتي تعلمت فيها أن  السياسة قيم وأخلاق ، وليست مجرد ممارسة.
اليوم نحن في أمس الحاجة إلى مرجعية نحتكم إليها، علما أن السياسة فد نزلت إلى الحضيض، فهي ليست بخير لأنها لا تشجع المثقفين و المبدعين للانغماس فيها، فأصحاب المال تفوقوا للأسف.
 المشكل في هذا يعود إلى المثقف الذي يناضل ولا يمارس حقه في السياسة، فأنا ضد سياسة الكرسي الشاغر فلا بد أن نفرق بين النضال والسياسة.
الانجراف وراء رجال المال والأعمال شوّه الحياة البرلمانية
ما السبيل لتدارك الإشكال وتصالح السياسة والمثقف؟
العملية في حد ذاتها معقدة، تحتاج إلى تفرغ المثقفين والجامعيين لها والأحزاب التي تخلو من مراكز الدراسات الإستراتيجية ومن خبراء واختصاصيين  في كل المجالات تعيش أزمة قيم وأخلاق في المنظومة السياسية.
 كما أن النقد الذي يوجه اليوم  للمنظومة البرلمانية ناتج عن طغيان المادة على العمل السياسي والانجراف وراء رجال الأعمال الذي أدى إلى إعطاء السياسة هذه الصورة السلبية، وجعل الناس يبتعدون ويقاطعون الانتخابات، الأمر الذي له اثر سلبي على المجتمع، فعدول المثقف عن المشاركة في الفعل السياسي سيؤدي حتما إلى تدمير البنية الأساسية التي يقوم عليها المجتمع، والتي تتمثل في دور النخبة و مشاركتها في بناء حياة المجتمع بكل تركيبتها.

 محمـد بوعـزارة فـي سطــــــور..

 - من مواليد 19 مارس 1949 بحي بلكور العاصمة، عاش جزءًا من طفولته بمدينة الاغواط التي كانت في ما بعد سندا قويا لمسيرته السياسية في بادية الصحراء، ثم عاد في سن 12 الى الجزائر العاصمة لاكمال دراسته، إذ التحق بعدة مدارس حرة بالأحياء الشعبية.
*انضم سنة 1964 إلى التعليم المتوسط الذي كان مدمجا في التعليم الثانوي حينذاك لمدة سبعة أعوام. وفي عام 1971 التحق بالمدرسة العليا للصحافة حيث نال عام 1974 شهادة الليسانس في علوم الإعلام والصحافة بدرجة جيد.
- انضم منذ 1965 و كان ما يزال طالبا في الثانوي  الى برامج الأطفال للاذاعة الجزائرية، ثم أصبح عضوا في فرقة التمثيل للإذاعة، وشارك  شهر أوت 1971  مسابقة الدخول كمذيع بالإذاعة. له أيضا شهادة عليا في فن الإلقاء والتمثيل من “مدرسة الفنون والموسيقى بمدينة الجزائر ، ثم أصبح صحفيا بالإذاعة الجزائرية عام 1973، وتدرج في عدة مسؤوليات صحفية منها منصب رئيس تحرير ونائب مدير بالإذاعة عام 1982 وهو نفس العام الذي ترأس فيه بقصر المؤتمرات بنادي الصنوبر بالجزائر أشغال المؤتمر الثالث لاتحاد الصحفيين الجزائريين، وانتخب في هذا المؤتمر ليصبح عضو أمانة الاتحاد مكلفا بالإعلام والثقافة. في عام 1986 تم تعيينه مديرا جهويا لمحطة التلفزيون الجزائري بولاية ورقلة جنوب الجزائر.
- مكنه نضاله المستمر والذؤوب مند السبعينات في صفوف حزب جبهة التحرير الوطني، من الترقي في الحياة السياسية فمن عضو نشط في اللجنة المركزية  للحزب خاض غمار الانتخابات التشريعية وفاز مرتين نائبا عن ولاية الأغواط. ثم انتخب في نهاية العهدة السادسة للمجلس الشعبي الوطني 2007 - 2012 نائبا لرئيس المجلس. وعين سنة 2003 مكلفا بالدراسات والتخليص بدرجة مستشار لدى رئاسة الحكومة إلى غاية انتخابه نائبا في المجلس الشعبي الوطني عام 2007.
- صدر له إلى جانب كتابي “تأملات في الثقافة” :  و كتابي “تأملات في السيايسة”، كتب : “ الرجل الذي رفض الوزارة”، “ أخرجوا منها أنتم”، “ من أجلكم”.، “ التعفن السياسي ولعنة الكرسي”، “اغتيال عقول..اغتيال أوطان”،” في الثقافة..بعيدا عن أوجاع الربيع الزائف” و«كتاب” مسيرة حياة: من الخيمة إلى البرلمان”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19614

العدد 19614

الثلاثاء 05 نوفمبر 2024
العدد 19613

العدد 19613

الإثنين 04 نوفمبر 2024
العدد 19612

العدد 19612

الأحد 03 نوفمبر 2024
العدد 19611

العدد 19611

السبت 02 نوفمبر 2024