الفيلم الرّوائي السويسري «زمن آنا»

هل يصمد الحبّ في زمن المجتمعات الماديّة؟

المعهد الفرنسي: أسامة إفراح

شهد المعهد الفرنسي بالجزائر العاصمة، أول أمس الأحد، عرض الفيلم السويسري «زمن آنا»، وذلك في إطار الاحتفال بأيام الفرانكوفونية من 19 إلى 25 مارس الجاري، بمشاركة سفارات فرنسا وكندا وسويسرا وكرواتيا وبولندا وبعثة والوني - بروكسل بالجزائر. يروي هذا الفيلم، على مدى 90 دقيقة، قصة حبّ رومانسية على خلفية تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية، وموقع القيم الإنسانية في دوامة هذه الأحداث المتسارعة.
«زمن آنا» فيلم روائي من نوع الدراما الرومانسية من إخراج كريغ زغلينسكي (90 دقيقة، إنتاج 2016)، تدور أحداثه في كانتون نوشاتيل بسويسرا، بين 1917 و1933. يقع الساعاتي الشاب جون في غرام الشابة الغامضة آنا، ويتزوج الإثنان وينجبان أطفالا، وتعيش الأسرة في هناء وسعادة، كما تعرف مؤسسة جون للساعات نجاحا وازدهارا، فيما يحاول الساعاتي اختراع ساعة يد مقاومة للماء.
إلى حدّ الآن فكلّ شيء عادي..إلى أن تبدأ أعراض غريبة في الظهور على آنا، التي تكلّم نفسها وتقوم بتصرفات أقرب إلى الجنون. يرفض الزوج التسليم بالأمر، فيما تحاول إيزابيل، صديقة آنا المقربة، إقناعه بإدخالها مصحّة للأمراض العقلية للتداوي، وهو الأمر المستحيل بدون موافقة كتابية من الزوج.
إذا نظرنا إلى العنوان، «زمن آنا
Le temps d’AnnA»
نجده يرتبط ارتباطا وثيقا بمجريات القصة، ويعكس إلى درجة بعيدة المحاور التي يعتمد السيناريو عليها. فكلمة «الزمن» أو «الوقت» لها دلالتان في آن واحد، فهي ترمز إلى العصر الذي تدور فيه الأحداث، والذي شهد الكثير من الانقلابات والتطورات، اقتصاديا من حيث الأزمة العالمية 1929، أو التحولات السياسية مثل صعود اليسار وظهور الحركات النقابية، أو الاجتماعية مثل الإشارة إلى حقوق المرأة، والعلمية على غرار تطور دراسة الأمراض النفسية. كما ترمز كلمة «الوقت» إلى الساعة، فالزوج جون ساعاتي ويحاول إحداث ثورة في هذه الصناعة من خلال اختراعه، وصناعة الساعات هي رمز من رموز الصناعة السويسرية البلد المنتج لهذا الفيلم.
أما ظهور آنا في العنوان، ففيه دلالة على محورية المرأة في هذه القصة، لأنها رمز الحب والعطاء والتضحية، كما أنها ضحية سوء الفهم خاصة إذا ما تعلق الأمر بمرض نفسي تصاب به.
إلى جانب قصة الحب في حد ذاتها، يحاول هذا الفيلم معالجة الكثير من القضايا كما ذكرنا، اقتصادية، سياسية، فكرية، اجتماعية، وحتى علمية..ويدفعنا إلى طرح إشكالية ملحّة: هل هذه القضايا والتساؤلات هي رهينة العصر الذي تدور فيه أحداث القصة، أم أنها ما تزال صالحة ومحيّنة إلى وقتنا هذا؟
على سبيل المثال، نظر المجتمع حينذاك إلى إصابة آنا بانفصام الشخصية أو السكيزوفرينيا بأنه ضرب من الجنون، فهل تطورت هذه النظرة وتماشت مع فتوحات علم النفس الحديث، أم أنها ما تزال محافظة على نفس الصور النمطية والكليشيهات على الرغم من مرور قرابة قرن من الزمن؟
نفس التساؤلات تطرح نفسها فيما يتعلق بحقوق المرأة، وحقوق العمال، والتعامل مع الأزمات الاقتصادية..أما الاستفهام الأكثر غموضا، فهو المتعلق بهذه العلاقة العاطفية القوية بين هذين الزوجين، اللذين يسعى كلّ واحد منهما بالتضحية بنفسه من أجل سعادة الثاني..إذا كانت القضايا الأخرى ما تزال محيّنة في واقعنا المعيش، فهل الحب بصورته الرومانسية ما يزال موجودا، أم أن عصرنا المصبوغ بالمادية وتسطيح المشاعر والأفكار جعل من قصص الحبّ مجرّد يوتوبيا أو حكايات ما قبل النوم؟

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024
العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024