أخيرا سوف تصدح في الأعالي صرخة «ياجبايلي يانا... يا على زبانة» ولسوف تجمع حولها كل محبيها وعشاق الراي... من منا لا يذكر هذه المقاطع التي رافقت فرقة «راينا راي» في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي... بذلك «اللوك» المميز وتلك الآلات الموسيقية المرافقة للنغمة الوهرانية أو بالأحرى الرايوية.
من منا لا يذكر كيف بدأ طابع الراي بآلاته الموسيقية رفقة هذه العناصر، ثم لحقت بها مجموعة من الفنانين والمطربين ممن أدخلوا ترانيم عصرية على الطابع الوهراني بصفة عامة.
عندما نقول الوهراني، ليس القصد منه تقزيم بقية الولايات الأخرى... إنما هو امتداد من مدينة سيدي لخضر بن خلوف بمستغانم مسقط عبد القادر الخالدي، إلى سعيدة التي أنجبت صاحب رائعة «يا دا المرسم» الشاب مامي، وإلى سيدي بلعباس أين سطع نجم «راينا راي» والشاب رزقي، ما أعطى دفعا قويا للأغنية الراوية أمثال بلومو، مرورا بتلمسان حيث قانة المغناوي، والشيخة الريميتي، الشاب حميد وغيرهم من الأسماء التي كان لها الفضل في دفع هذا الطابع الغنائي، بعدما اقتصر الأداء على أسماء وهرانية أخرى أمثال المايسترو بلاوي الهواري والفنان البارع أحمد وهبي والأستاذة المطربة سعاد بوعلي مطلع الثمانينيات من القرن الماضي.الراي، الذي صعد إلى العالمية، لم يكن صدفة... ولم تكن الظروف وراء اعتلائه هذه المكانة... بل إن القصائد والطابع الموسيقي اللذين تميز بهما منحاه تأشيرة ذلك... رغم أن الشيخة الريميتي والشيخة الجنية، بنت سعيدة، ساهمتا أيضا في نشره عبر ربوع العالم، خاصة في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية مع نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي. ومع ظهور موجة التجديد وانتشار آلات موسيقية جديدة رافقت هذا الطابع: «الصاكسفو» و»الترومبات» و»الأكورديون «... بدأ يظهر «لوك» جديد من الغناء الرايوي الشبابي... ما مكنه من الاستحواذ على جيل بكامله واحتلاله الساحة الفنية وكسب جمهور بدأ محليا ثم إقليميا، وطنيا إلى إن وصل إلى القمة... ما سمح بظهور أسماء أخرى رافقت التجديد وبدأت تأخذ مكانها في سماء الأغنية الرايوية، مع ظهور جيل جديد منح كل إبداعاته وقدراته إلى الجمهور واستطاع تكوين نموذج خاص به، قلما نجد مثله.
الراي الذي صنع مجده وكان له العصر الذهبي بامتياز... لم يفارق قلوب المطربين والمستمعين من كل الأجناس والفئات... إلى أن وصل الأمر بإصدار ألبوم غنائي في كل أسبوع يحتوي على ستة إلى ثمانية أغاني لشعراء وكتاب أغاني مشهود لهم في هذا التوجه الغنائي.
الشاب حسني ظاهرة رايوية لا تتكرر
لقد احتل الشاب حسني قلوب المستمعين وصنع مجده من ذهب... إلى أن لقب بأمير العشاق والمتيمين... وقد فاقت المبيعات في عهده المليون اسطوانة... ومازالت إلى اليوم أغانيه تؤدى وتردد في الأفراح والمهرجانات والمناسبات... وهي الأكثر تداولا بين الشباب. وهناك من حاول الصعود على مجد هذا الإرث الذي تركه الشاب حسني وصنعوا بترديد أغانيه... نجاحاتهم.
نفس الدرب سار عليه رفيقه ومنافسه الشاب نصرو... هو أيضا إلى أن استقر به المقام بالولايات المتحدة الأمريكية.
وبالعودة لفن الراي كطابع غنائي احتل قلوب الجماهير... وفرض نفسه في المشهد الغنائي والثقافي داخليا وخارجيا، جاعلا كل سنة موعدا فنيا تؤدى فيه الطبوع بمختلف أنواعها واستمر الموعد الذي جلب إليه العديد من الفضوليين والأسر الجزائرية، جاعلا من الباهية وهران عاصمة له وملتقى تصدح منه المواهب والطاقات الشابة... إلى أن أفل نجمه في مطلع الألفية وخيّمت خيبة كبيرة على عشاقه ومحبيه ومنظميه ولم تسمح الظروف بإعادة بعثه أمام تداخل الصلاحيات ورمي المنشفة في كل تجاه، إلى أن غرق في الفوضى وسوء التنظيم، حتى سقط في الاجترارية.
لطفي عطار محافظا واليونسكو تصنّفه وتحميه
زيارة ميهوبي، وزير الثقافة، إلى مدينة سيدي بلعباس، أعادت خارطة طريق هذا المهرجان، بعد إلحاح محبيه وفناني الجهة الغربية وقبوله بإعادة بعثه وحرصه في المحافظة على هذا الإرث الثقافي الذي هو جزء من التراث اللامادي للأمة، مع تهذيب كلماته وإعادته إلى مكانته الطبيعية الأولى، أين يلج بيوت الجزائريين دون إذن ولا سابق عهد.
خارطة طريق بعث مهرجان الرأي السنة القادمة هي خطوة إيجابية أمام محافظ المهرجان الممثل في شخص أحد رجالات فرقة راينا راي لطفي عطار محافظا وبقاءه بين دفات مدينة سيدي بلعباس سيعزز من تحصينه وعالميته، خاصة إذا علمنا أن مساعي كبيرة تبذلها منظمة اليونيسكو ليكون تراثا محميا عالميا.