ها هي الساحة الفنية تستيقظ مرة أخرى على فاجعة رحيل واحد من عمالقة الفن السابع، وأحد أبرز المخرجين ليس في الجزائر فحسب، وإنما في العالم العربي أيضا.. المخرج عمار العسكري الذي غادرنا تاركا بصمة خالدة قبل رحيله عن هذا العالم، بأعماله الفنية التي أثرت هذا القطاع..
صاحب «دورية نحو الشرق»، أبواب الصمت»، «زهرة اللوتس» و»المفيد» يرحل عن محبيه وأصدقائه، وعائلته، يرحل عن السينما التي ما تزال بحاجة لعطائه ولأفلامه، ولخبرته حتى ينهل منها جيل الغد من السينمائيين.
عمار العسكري كان يفتح قلبه للجميع، وحتى الإعلاميين منهم، حيث لم يكن يرد طلب أحد، وقد كان لـ»الشعب» شرف الالتقاء به في أكثر من مناسبة، أين استشفينا في حوار أجريناه معه الهم الذي كان يحمله على عاتقه، لأجل أن يرى السينما الجزائرية في مستوى السينما العربية ولما لا العالمية، حيث كان يعيب في كل مناسبة، الوضع الذي آل إليه الفن السابع، بسبب غياب سياسة كاملة وشاملة واستراتيجية على المدى القصير والمتوسط والطويل، داعيا إلى النهوض بالسينما وعدم ترك المجال للآخرين للاستثمار فيها، لأن نهضة السينما لا تأتي من وراء البحر الأبيض المتوسط.
عمار العسكري كان يقول دائما بأنهم كمخرجين عليهم الحديث عن تاريخ هذا الوطن، وفي نفس الوقت يجب الأخد بعين الاعتبار المشاكل المطروحة حاليا داخل المجتمع الجزائري، والاهتمام بميدان هام، وهو الفكر والثقافة والذاكرة والمبادئ الأساسية التي تكوّن المجتمع وتكوّن شخصية الجزائري.
المخرج حمل على عاتقه أيضا هم الأجيال القادمة، ومسؤولية هؤلاء الشباب المتعطش للفكر والثقافة ومعرفة جذوره، مؤكدا بأن المجتمع بأكمله لهم.
كما طالب بضرورة الابتعاد عن سياسة المناسبات، وقال لـ»الشعب» في حوار مطوّل معها «قد قلتها في عديد المرات أنا فخور ببلدي، لكن سياسة المناسبات علينا أن نلجأ إليها حين نكون قد وصلنا إلى نتيجة.. أين هو مسرح الأمس، أين هي السينما والرواية.. أقولها مرة أخرى لا يوجد تطبيق سياسة كاملة وشاملة واستراتيجية وإرادة، لأن الشعب الذي ليس له ثقافة شعب ليس له أصالة ولا جذور ولا تاريخ ولا أمنيات في المستقبل».
وقال أيضا: «نحن من علينا النهوض بها إلى جانب شبابنا، وفي ميدان الثقافة والفن والسينما لا يوجد صراع الأجيال بل صراع الأفكار، والرؤى والبرامج»، وكان يرى بأن التضحية يمكنها أن تكون في أي شيء إلا في الميدان الثقافي، لأن الهدف من منظوره هو رفع مستوى هذا الوطن في مجال الثقافة والاتصال والفنون، وتجاوز ما عشناه سنوات الثمانينات والتسعينات وحتى الألفينات.
عمار العسكري كان يطالب في كل لقاء له بضرورة تظافر الجهود لأجل النهوض بالسينما، وهو ما حدث حين نزل ضيفا أيضا على «الشعب»، حيث نادى بتوحيد الصفوف، وطالب من المعنيين الاستماع لهم، بهدف رفع مستوى الجزائر في مجال الثقافة والفنون، على اعتبار أن هذا البلد يمتلك تاريخا عميقا، لكن يجب فقط دعمه، داعيا إلى ضرورة انتهاج سياسة الإصلاح في كل الميادين لأجل الخروج بحل، سيما في المجال الثقافي الذي يعد العامل الأول لتكوين شخصية الإنسان..