غيب الموت الكاتب الألماني المبدع، وصاحب نوبل 1999 للأدب، غونتر غراس، وكان أن أصيب كثيرون بالصدمة لهذا النبأ، فغراس كان الجندي في الدفاع عن القضايا العادلة، قبل أن يكون الجندي في جيش ألمانيا النازي، وشجاعته الأدبية جعلته لا يخفي ماضيه ولا يخجل به، كما مكنته من أن يجاهر بأفكاره الصريحة في وقت يلجأ كثيرون إلى المحاباة و«الدبلوماسية”.
بخسارة غونتر غراس، لا نخسر الكاتب الحائز على نوبل فحسب، بل نخسر فيه الثائر بأفكاره وآرائه، على الظلم والضير الذي بات يميز العالم المعاصر.. لطالما نبذ غراس العنصرية، وعلى رأسها الأبارتيد الذي تمارسه إسرائيل، ولطالما وقف إلى جانب المظلومين، وعلى رأسهم الفلسطينيون الممنوعون من العيش الكريم في بلد كريم مثلهم مثل أي شعب آخر.
لم تكن لتصريحات غونتر غراس النارية أن تنزل بردا وسلاما على من يسمعها ممّن أجرمت يداه، ولولا تأثيرها العميق، وهو الكاتب المؤثر كمبدع ومفكر، وكمتابع لقضايا الإنسانية، لما منعته إسرائيل من الدخول، معتبرة إياه شخصا غير مرغوب فيه.
في عصرنا المعيش، يمكن أن نمنع أحدهم من الدخول، ولكن أن نمنع الأفكار من حرية التنقل فذاك أشبه بالمستحيل.. في عصرنا المعيش، يمكن أن نعتبر أحدهم ير مرغوب فيه، ولكن أن نمنع الآخرين من أن يعجبوا بأفكاره، وأن يقرؤوا كتاباته، وأن يختاروه لأسمى الجوائز الأدبية، فذاك محال.. في زمننا المعيش، أن يخطف الموت روح كاتب عظيم، فذاك أكثر من ممكن، بل هي سنة الحياة، ولكن أن ينسينا الموت في أعماله التي كتب لنا الخلود، فذاك غير ممكن، لأنها أيضا من نواميس هذا الوجود.