احتضن متحف الفنون الجميلة بالعاصمة ندوة ثقافية حول «واقع النقد السينمائي في الجزائر والعالم العربي»، من تنظيم الجمعية الثقافية «نوافذ ثقافية»، التي إرتأت أن تدعو كلا من الناقدين السوري محمد عبيدو، والجزائري نبيل حاجي، الذين تطرقا إلى ماهية النقد في الفن السابع، ومدى حضوره في الإعلام، وعوامل بناء تقاليد الكتابة النقدية.
وكانت البداية مع مداخلة الناقد السينمائي والإعلامي السوري المقيم بالجزائر محمد عبيدو، الذي أشار إلى الحديث المتزايد منذ سنوات، حول مكانة الناقد ومنزلته في عملية تطوير الخلق السينمائي. وقال عبيدو إن النقد السينمائي بدأ منذ البدايات الأولى للسينما، حيث كانت شركات الإنتاج تكلف بعض الكتاب والصحفيين بالكتابة عن الأفلام التي تنتجها كجزء من الدعاية التجارية للفيلم، ثم تطور الأمر بعد ذلك إذ أخذت الكتابة النقدية تتطرق إلى الجوانب التقنية للفيلم (إخراج، تصوير، تمثيل، حوار وغيرها)، ولكن الأمر لم يتعدّ الوصف البحت.
كما تتحدث هذه الأعمال عن كلفة الإنتاج، وذكر أهم الأفلام التي أخرجها، والجوائز التي حصل عليها، وكذلك الأمر مع الممثلين، خصوصا أبطال الفيلم، والممثلين الرئيسيين، ليأتي بعد ذلك دور النقد الذي يناقش الأفكار التي يطرحها الفيلم، والهدف منها، والشريحة الموجهة لها، الرموز والدلالات والشفرات التي ترسلها.
ثم وصل مستوى النقد إلى ما هو عليه الآن، حيث أصبح حقل تخصص موجود في كل البلدان، ولا تكاد تخلو الصحف الفنية وغيرها من مواضيع نقدية عن السينما، ولكل ناقد أدواته التي يتعامل بها مع النص المرئي.
وأضاف عبيدو أن أولى مهام النقد السينمائي هي تعميق الصلة بين المشاهد وبين الفيلم، بمعنى أن نوصل للمتلقي ما أراد الفيلم قوله، سواء من خلال الدفق الصوري الذي يقدمه، أو تأويل النص المرئي للفيلم، بما يرسله من رموز ودلالات، ربما تفوت المتلقي، ولا يتم ذلك إلا من خلال التطرق للكيفية التي تعامل بها مخرج الفيلم مع عناصر اللغة السينمائية. فالنقد السينمائي هو ساحة حوار.. حوار معرفي ينتج خطاب إبداعي وجمالي يضيء الإبداع السينمائي ويطور الحساسية الجمالية، ويحاول أن يجيب على العديد من الأسئلة العالقة. والنقد السينمائي الحقيقي لا يأتي إلا بعد متابعة دقيقة وخصبة لعناصر السينما فيها، وبعد تجربة عملية شاقة وطويلة في ميدان الاختصاص السينمائي، في سوريا هناك إشكالات عدة، خاصة بالوضع الثقافي والسياسي العام، وبالواقع السينمائي والصحافي، من الإنتاج المحلي الذي لا يتجاوز الفيلم أو الاثنين في العام، إلى غياب الإنتاج السينمائي العربي والأجنبي.
ويتساءل عبيدو، ألا يجب أن تكون هناك أولاً سينما وطقس سينمائي في البلد كي يكون هناك تأثير للنقد السينمائي؟ وأشار إلى أن السينما والثقافة السينمائية هما في آخر اهتمامات القائمين عليها، ويجدون بديلا مناسبا لهم عنها في المواد الفنية العامة والمنوعات. وبالتالي أصبح من الصعب التفرقة بين المحرر الفني الذي يجمع الأخبار الفنية والحوارات مع الفنانين والنقد السينمائي، وصارت الكتابة عن السينما لا تخرج عن كونها عرضا سريعا لقصة الفيلم أو مدائح للعاملين فيه أو تجريح لا يخلو من الشتيمة انطلاقا من تصفية الحسابات الشخصية.
من جانبه تطرق الناقد السينمائي والإعلامي نبيل حاجي إلى التجربة التونسية ثم المغربية في مجال الممارسة النقدية السينمائية، التي نشأت وترعرعت بفضل حركة نوادي السينما، التي كان لها الفضل والريادة في إثراء النقاش والحوار وبناء تقاليد في الكتابة النقدية، مشددا من جهة أخرى على دور المجلات المتخصصة التي صدرت في البلدين منذ أكثر من 40 عاما، باعتبارها وعاءً لهذه التجربة الثرية والمتنوعة وساهمت في بروز خيرة النقاد في المنطقة المغاربية.
وعرج حاجي، وهو المدير الفني لمهرجان السينما المغاربية بالجزائر، كما ترأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الوثائقية في الدورة الأخيرة لمهرجان وهران، على التجربة النقدية الجزائرية التي ازدهرت منذ مطلع الستينيات وسبعينيات القرن الماضي عبر الصحف، بفضل حيوية الإنتاج السينمائي في ذلك الوقت، والدور البارز الذي لعبته قاعات متحف السينما الجزائرية في إثراء الحوار والنقاش حول الأفلام الوطنية والأجنبية، وإسهام هذه المؤسسة بفضل مؤسسيها في ترقية الثقافة السينمائية التي تعززت بأقلام صحفية، تمرست النقد وأثرته إلى غاية بروز مجلة «الشاشتان» (الصادرة عن الإذاعة والتلفزة الوطنية)، وما كانت تحمله في طياتها من قراءات ومتابعات نقدية مهمة، تشكل مرجعية اليوم حول تاريخ السينما الجزائرية.
ويرى نبيل حاجي أن غياب نوادي السينما في الجزائر، وتراجع دور متحف السينما، وعدم صدور الأفلام بانتظام فيما تبقى من قاعات، وغياب الحوار حول الأفلام وعن السينما بشكل عام، جعل من الممارسة النقدية السينمائية في الجزائر اليوم مجرد فعل منفرد مشفوع بجهود خاصة تواكب الفعل السينمائي بعيدا عن حراك حقيقي حول الفن السابع في البلاد.