القاص جيلالي عمراني :

الرّواية الجزائرية المكتوبة بالعربية لم تصل مستوى المنافسة عربيا

ذكر  القاص جيلالي عمراني بأنّ الأدب الجزائري منذ الاستقلال يكاد يشكّل الاستثناء في الوطن العربي بالازدواجية اللغوية “عربية فرنسية”، وفي كل مرة يثير هذا الموضوع الجدل واللّغط والثّرثرة المجانية، أحيانا كل طرف يرفض الآخر بتبادل تهم لا تليق حقا بكتّاب جزائريين يكتبون من زاوية واحدة عن جزائر واحدة، باختلاف المخيال  والاهتمامات.

رواية التّسعينات سجّلت حضورها النّوعي

  يطرح اليوم السّؤال النّقدي عن الرّواية الجزائرية المكتوبة بالعربية، ومدى قدرتها على فرض نفسها بقوة في المشهد الثقافي العربي، هو أكثر من ضرورة، يضيف جيلالي عمراني أنّ البعض يرى أنّ الرّواية الجزائرية المكتوبة بالعربية لم تصل بعد إلى مستوى المنافسة عربيا، والبعض الآخر أكثر قسوة إذ يصنّفون الرّواية الجزائرية في الدّرج الأخير أو ما قبل الأخير، لأنّ في كل سنة تسجّل إخفاقا تلوى الآخر، عكس الرّواية الجزائرية المكتوبة باللّغة الفرنسية التي تتوّج بالجوائز العالمية، فرنسية تحديدا. في الحقيقة هذا الحكم جائر وغير دقيق وغير علمي تماما، لأنّ الرّواية الجزائرية المكتوبة بالعربية لم تصل بعد إلى مستوى المنافسة عربيا في هذه المسابقة أو تلك، صحيح تماما أنّ الرواية المكتوبة بالفرنسية تفوّقت لاعتبارات تاريخية معروفة، كون الكتّاب الذين يكتبون بالفرنسية استفادوا من التراكم والإرث الذي سجلته الرواية الفرنسية، علما أنّ الرواية الجزائرية بدأت منذ بداية العشرينيات، أما في الخمسينيات عرفت تطورا كبيرا،  تلك التي كتبها جيل جديد من الشباب أمثال: كاتب ياسين، محمد ديب، مالك حداد ومولود فرعون، ثم  رشيد بوجدرة والرّاحلة آسيا جبار التي رشّحت إلى جائزة نوبل في السنة الفارطة. القائمة طويلة من جيل الرواد الذين أبدعوا بلغة راقية جابهوا المستعمر بلغته، وجاء الجيل الجديد من الكتاب الجزائريين أمثال بوعلام صلصال، مايسة باي، سليم باشا، أنور عبد المالك وكمال داود الذي أثار الضجة بروايته الأخيرة: ميرسو تحقيق مضاد
 استغلّ هؤلاء الكتّاب هذه المدوّنة الغنية بالتجارب والاتجاهات، وكتبوا بكثير من الحرية ولم يكن المقدس  عائقا أمامهم، ولم تكن الرّقابة الذاتية أو المؤسساتية والاجتماعية تمنعهم من مقاربة موضوعات مثل طابو الجنس والسياسة أو الدين، هذا التحرر النسبي منح لرواياتهم الامتياز.
وفي نفس السياق، يشير عمراني إلى أنّ هذا لا يعني إطلاقا أنّ الرواية المكتوبة باللغة العربية أقلّها نضجا وانتشارا وحضورا في العالم العربي، مع هذا الانفجار المهم في المدونة الروائية الجزائرية وظهور كتاب جدد، أبهروا القراء بأعمالهم الاستثنائية، وما تحقّقه الرّوائية الجزائرية أحلام مستغانمي من نجاح جماهيري منقطع النّظير بالرغم من كل ما يقال عن رواياتها خاصة الأخيرة “الأسود يليق بك”، إلى جانبها نجد الرّوائي الكبير واسيني الأعرج بأعماله الرّائعة، وحصول روايته “أصابع لوليتا” على جائزة الإبداع الأدبي التي تنظّمها مؤسسة الفكر العربي دليل على قوة إبداعه وتراكم تجربته الإبداعية والتجريبية أهّلته أن يمثل الرواية الجزائرية في المحافل الدولية الكبيرة. والدكتور أمين الزاوي، كل سنة تقريبا يسجّل حضوره اللافت بعمل روائي تتلقّفه دور النشر نشرا وترجمة إلى اللغات العالمية، هي إحدى مؤشرات النجاح الذي يحقّقه هذا الروائي.
الرّواية التي يكتبها الجيل التّسعيني بكل تأكيد سجلت حضورها النوعي، يكفي أنّ رواية “دمية النار” للروائي بشير مفتي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر لأول مرة، ورواية سمير قسيمي “يوم رائع للموت” نافست وأدرجت في القائمة الطويلة (2010) مع روايات مهمة في الوطن العربي.
ثم يجب أن نشير بالأساس إلى تلك الأعمال التي توّجت خارج البوكر مثل رواية “وصية المعتوه” للروائي الشاب إسماعيل يبرير الفائزة بجائزة الروائي الطيب صالح في السودان، قبله فازت رواية “نورس باشا” للروائية هاجر قويدري بنفس الجائزة.  
نجاح الرواية المكتوبة بالعربية حقّق في السنوات الأخيرة قفزة نوعية في مضامينها أي بعيدا عن موضوعات التي قاربتها رواية التسعينيات، ومختلفة في أشكالها وتنوع أساليبها ومن رواية الحب إلى الرواية البوليسية والرواية الوجودية والتاريخيةوالاجتماعية.
أعتقد أنّ الرّواية الجزائرية ستتصدّر المشهد العربي آجلا أم عاجلا لأنّ البلد الذي أنجب كاتب ياسين وفرعون وبوجدرة سينجب بالتأكيد كتّابا آخرين من طينة الكبار، هذه الأسئلة الموجعة وهذا الحراك النّقدي الذي نشهده من بين العوامل التي تساهم في رقي الروايات القادمة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024