الدكتور / حبيب مونسي:

النص الروائي يكتبه جيل لم يعد يؤمن بمكونات ظلت أسٌسًا لاثقافية

تحدّث الدكتور حبيب مونسي عن واقع الرواية الجزائرية في المشهد الروائي العربي من نظرة الحضور والنوعية والأفكار، فشرح عالمها الذي يغوص بالكثير من الأسئلة، فذكر بأن للرواية الجزائرية اليوم حضورها المتميّز في الساحة العربية، حضورا تسجله من خلال غزارة الإنتاج، ونوعية الأفكار التي تطرحها، بغض النظر عن قيمة هذه الأفكار من الناحية الفكرية والعملية. ولكنها في النهاية تشكل بحضورها ظاهرة تحتاج إلى دراسة ومتابعة.. وبيدو لي أن الباعث على انتشار الرواية بهذه الكيفية راجع إلى طبيعة السياق التاريخي، والاجتماعي، والسياسي، الذي قطعه الجيل الكاتب في العشرية السوداء، وما تمّخض عنها من أحداث وعنف، وما تولّد عنها من أسئلة تراجع التاريخ، والهوية، والانتماء، وما أثارته من حظوظ الجيل في الوطن ومفهوم المواطنة، والعيش في ظلالها عيشة كريمة..
لقد وجد الجيل الجديد نفسه أمام واقع صلب، لا يمكن اختراقه بالأحلام والآمال التي كانت تراوده أثناء الدراسة والتحصيل، وعرف أن الحياة خارج أسوار الأسرة الآمنة مكابدة ومجاهدة، وأن عليه أن يشقّ طريقه بما أوتي من أدوات وحيل، ليصل إلى بعض من أهدافه التي جاء من أجلها من الريف إلى المدينة، من الأحياء المتداعية إلى مركز المدينة، ليطلّ على وجود متكلس لمن سبقوه إلى الهجرة..
 هؤلاء الذي جاؤوا العاصمة وافترشوا الكرتون في مداخل العمارات، واشتغلوا في الصحافة بالتقاط الأخبار من أرصفة الشوارع، والحانات، والمقاهي.. فأحسوا بالجوع، والبرد، وذاقوا التشرد، والجفوة.. وخالط أحلامهم كثير من الغيظ والحنق على الواقع المرير، وعلى رموز الماضي.. فنشأ من جفوتهم ضرب من التنكر للرموز وازدراء للأبوية، حاولوا تجسيدها في كتاباتهم وأقاويلهم، ومن ثم كان انصرافهم إلى التجريب، يحاولون في سعته واتساعه، إبراز مواهبهم في إنشاء عوالمهم الخاصة في الرواية وأساليب السرد.
هذا الذي نجده في لحمة الروايات الجزائرية الجديدة هو الذي يعطيها تميزها العربي الذي يحمل على القارئ عبقا مختلفا ليس فيه تسييس الأيديولوجيات، ولا توجيه الفئات والطائفيات، وإنما فيه هم الجيل إزاء الذات والتاريخ والوطن والمستقبل. فإذا كانت الرواية العربية قد ضربت في اتجاهات الماضي، والتراث الشعبي، والحاضر السياسي، انطلاقا من مواقف كاتبيها وانتماءاتهم الدينية والفكرية والسياسية والأيديولوجية.. فإن الرواية الجزائرية يكتبها جيل لم يعد يؤمن بهذه المكونات التي كانت تعد أسسا ثقافية في ما قبل، وإنما يكتبها بالتوابل الآتية: حضور ملحاح للذات وخط بيِّن للسيرة، وتلوين مبهرج للنرجسية، ورائحة أخاذة للمكان والمحلية، وقد وافر من التجريب، وإصرار كبير على الإبداع والتفرّد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024