ذهب القاص والنّاقد جمال غلاب في حديثه عن الرواية إلى الإجماع القائم عند النقاد حول تاريخ الجنس الروائي كونه يأخذ مرجعية مواصفاته من نص ـ دون كيشوت ـ للكاتب الاسباني ـ ميخائيل سيرفنتاس ـ وقصة أسره في الجزائر بين سنتي ـ 1575 إلى 1580 ـ في سجن البايلك بحي القصبة الجزائرية. وبناءً على العلاقة الغرامية التي جمعته مع زريد ـ ثريا ـ وثّقها الروائي في الجزء الأول من نصه الروائي ـ دون كيشوت ـ وتحديدا في فصل الأسير.
تحدّث غلاب في تفاصيل كتاب سرفنتاس خاصة فصل الأسير الروائي حين يحكي يومياته بين القصبة وتافورة ومغارة بلكور، وفي هذه الفضاءات كانت هناك حركية اجتماعية طبعها الروائي بصبغة إبداعية، حيث أخذت منحى مغايرا لمنحى ـ الكر دلو ـ ومعنى لفظ الكر دلو هو كراسة يسجل بها السجين الاسباني يومياته. وهناك قرائن أخرى من بينها ـ يضيف غلاب ـ الرسائل التي كان يتبادلها ـ ميخائيل سرفنتاس ـ و ـ زريد أو ثريا ـ نجدها موثقة في رواية ـ “دون كيشوت “ ـ إضافة إلى لقراءتهما في باب عزون ليلا. وهذا ما يثبت أنّ مسودة النص الروائي لدون كيشوت كتبت في مغارة بلكور.
ومادام غالبية النّقاد في العالم يجمعون بأنّ جنس الرواية ظهر مع رواية ـ دون كيشوت ـ وإن أول نص روائي كتب في الجزائر. ومن المؤكد الكثير سوف ينتقدوني إزاء هذا الطرح سندهم في ذلك نص الحمار الذي يعتبره بعض الجزائريين هو أول نص روائي، والجواب نص الحمار الذهبي مصنّف في خانة النصوص لأنه لا يأخذ مواصفات وخصوصيات الجنس الروائي، بينما نص ـ دون كيشوت ـ به كل مواصفات الجنس الروائي.
ويلخص النقاد العالمين هذه المواصفات في التالي: اللغة الشعرية والوصف والخيال والحدث والمكان والزمان والشخوص والحوار. وهذه العناصر تسمى اصطلاحا عناصر بنية السرد الروائي، ولو عدنا إلى التذكير ببعض النصوص الروائية الجزائرية الناجحة لأصحابها ـ محمد ديب، عبد الحميد بن هدوقة، طاهر وطار، رشيد بوجدرة، مرزاق بقطاش، جيلالي خلاص، فاطمة العقون، أمين الزاوي، واسيني لعرج، أحلام مستغانمي وفضيلة الفاروق...إلخ ـ هؤلاء عندما نقرأ نصوصهم نجدها تحوز عناصر بنية السرد، بينما الكثير من النّصوص الأخرى نلاحظ بها عمليات تكسير مرعبة لعناصر بنية السرد، وهو ما اصطلح على تسميته من طرف الكثير من النقاد الجزائريين بالنص الاستعجالي، حيث لو أخذت أي نص من هذه النصوص الاستعجالية تلاحظ التالي: اعتمادها على اللغة وإهمال بقية عناصر السرد الأخرى مثل الحوار والشخوص والوصف والخيال،
وهنا أفتح قوسا قرأت للكثير من النصوص ولم أعرف هل صاحبها يسرد أحداثه في الصيف أم في الشتاء؟ أو في الليل أم في النهار؟ وبمعنى أدق نصوص ينعدم بها الزمان والمكان، ومرد هذا الهزال والهوان هو انعدام النفس.
وأخيرا وليس آخرا وعملا بعناصر السرد الروائي ـ اللغة والوصف والمكان والزمان والحوار والشخوص والخيال والحدث ـ فأنني أعتبر أي نص روائي لا يحوز هذه المواصفات والخصائص السردية فلا علاقة له بالجنس الروائي، و مؤسسة بوكر ليس بالنموذج في انتقاء النصوص النّاضجة بحكم أنّها لا تعمل بضوابط عناصر السرد المذكورة أنفا.