المهرجان الوطني للتراث الثقافي النايلي

رقمنة التراث لإنقاذ الذاكـــرة النايلية

موسى دباب

دعا أساتذة وباحثون جامعيون، خلال فعاليات الطبعة الثانية للمهرجان الوطني للثقافة والتراث النايلي، إلى ضرورة رقمنة الموروث الثقافي النايلي كخطوة أساسية لحمايته من الضياع والسرقة، ولإعادة تقديمه للأجيال الجديدة بلغة العصر.

وأكد المتدخلون في الندوات الفكرية والعلمية المقامة على هامش المهرجان، أن هذا التراث يمثل العمق الروحي والاجتماعي والحضاري للمنطقة، بما يحتويه من عناصر مادية وغير مادية كالخيمة، البرنوس، القشابية، القندورة، رقصات الغناء النايلي، الأغاني البدوية، والأشعار المتوارثة.
وشدّد الأساتذة على أن صون هذا المخزون الثقافي لا يمكن أن يتم بالطرق التقليدية فقط، بل يتطلب اعتماد الوسائط التكنولوجية الحديثة. ومن بين التوصيات المطروحة، إنشاء منصات رقمية متخصصة في التراث النايلي، وتطوير أدوات أرشفة سمعية وبصرية تحفظ القصائد والأهازيج، وتتيح الوصول إليها محليا ودوليا، عبر تطبيقات أو مواقع تفاعلية.
كما أشار المتدخلون إلى أهمية التوثيق المصور والفيديو في حفظ المظاهر المادية للتراث، مؤكدين على ضرورة بناء شراكات بين الجامعة والمجتمع المدني لضمان مرافقة علمية دقيقة لكل خطوات الجمع، التصنيف، والتوثيق.
وألحت المداخلات على ضرورة تعزيز الوعي الثقافي لدى فئة الشباب، الذين يعيشون في بيئة رقمية أكثر من ارتباطهم بالرموز التراثية، معتبرين أن دمج الهوية في الفضاء الرقمي يسهم في ترسيخ الانتماء، ويعزز التقارب الثقافي داخل المجتمع، ويصعب في الوقت نفسه محاولات طمس أو سرقة هذا التراث.
وطرحت توصيات تدعو إلى تنسيق الجهود بين مختلف الهيئات، مع الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي في تحليل وتصنيف الموروث الصوتي والمرئي، إلى جانب الدعوة إلى إنشاء معالم سياحية وثقافية رقمية تساهم في إبراز الواجهة الثقافية لمنطقة أولاد نايل وجذب السياحة الثقافية.
وفي السياق ذاته، أكدت إحدى المتدخلات أن “التراث ليس مجرد ذاكرة، بل رأسمال رمزي يحمل بعدا اقتصاديا”، معتبرة أن “الثقافة حين تتحوّل إلى تراث تصبح مسؤولية جماعية”، مشدّدة على أن إدماج التراث ضمن استراتيجيات التنمية لم يعد خيارا بل أصبح ضرورة وطنية.
وتتواصل فعاليات الطبعة الثانية للمهرجان الوطني للثقافة والتراث النايلي بمدينة الجلفة، تحت شعار “التراث النايلي في أفق التنمية الثقافية والذكاء الاصطناعي”، برعاية وزير الثقافة والفنون، وإشراف والي ولاية الجلفة.
وشهد حفل الافتتاح حضورا رسميا وشعبيا واسعا، تخلله استعراض لرموز الثقافة المحلية وفقرات فنية تعكس ثراء المنطقة. وفي كلمته، قال والي الولاية إن هذه الطبعة “تفتح صفحة جديدة في مسار إحياء التراث الثقافي للمنطقة”، معتبرا أن “تاريخ الجلفة جدير بجهود مضاعفة للكشف عن كنوزه ونفائسه”، داعيا شباب المنطقة إلى المساهمة في التعريف بثقافتهم عبر المبادرات الثقافية والمجتمعية.
من جهته، أكد ممثل وزير الثقافة، الكاتب إسماعيل يبرير، أن “التراث النايلي بات جزءا من الهوية الثقافية الوطنية الجزائرية”، مضيفا أن “انتقال المهرجان من طابع محلي إلى مهرجان وطني يحمل رؤية واضحة، يترجم رغبة الدولة الجزائرية في ربط الثقافة بالتنمية الاقتصادية”. وأوضح يبرير أن شعار الطبعة “ليس مجرد عنوان، بل هو توجه استراتيجي لدمج الثقافة في دينامية التحول الرقمي”، مضيفا أن “التكنولوجيا ليست خصما للتراث، بل خزانا لحفظه، وأن ربط الثقافة بالاقتصاد يشكل رافدا حقيقيا للتنمية المحلية، كما هو الحال في مختلف التجارب العالمية”.
وعلى مدار أربعة أيام، يقدم المهرجان أنشطة ثقافية وفنية متنوعة تبرز ثراء التراث النايلي، من بينها عروض فانتازيا، سهرات غنائية بدوية، ومعارض للصناعات التقليدية والحرف اليدوية واللباس النايلي، بمشاركة حرفيين من مختلف ولايات الوطن.
كما احتضنت التظاهرة ورشات تكوينية وندوات أكاديمية، ناقشت آليات حماية التراث، إمكانيات رقمنته، وأدواره في تعزيز الهوية والانتماء الوطني. وتم تكريم عدد من الوجوه الفنية المعروفة، من بينها الفنان حميدة لسبط، والفنانة المعتزلة جوليا، إضافة إلى الفنان صادق جمعاوي الذي حل ضيفا على المهرجان.
وشهدت التظاهرة، لأوّل مرّة، تنظيم معرض خاص بالفن التشكيلي استلهم فيه الفنانون عناصر من التراث المحلي لتقديم لوحات تعبر عن رمزية المكان والإنسان في ثقافة أولاد نايل، في محاولة لربط الفن المعاصر بجذوره الشعبية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19818

العدد 19818

الأربعاء 09 جويلية 2025
العدد 19817

العدد 19817

الثلاثاء 08 جويلية 2025
العدد 19816

العدد 19816

الإثنين 07 جويلية 2025
العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025