ذكر مثاليْـن يصنعان الاستثناء في الجامعة الجزائرية

جديدي يدعو إلى توظيف أكبر للإنجليزية في الأبحاث الفلسفية

أسامة إفراح

 

يلاحظ الدكتور محمد جديدي، أستاذ الفلسفة بجامعة قسنطينة، أنه نادرا ما نعثر في بيئتنا الأكاديمية خاصة، والثقافية عامة، على اهتمام يربط فيه صاحبه بين الفلسفة واللغة الإنجليزية. وينسب جديدي ذلك إلى عدة أسباب، قبل أن يشير إلى ما يفوّته الباحث الجزائري على نفسه من أسماء ثقيلة في المجال، لا تصلنا نصوصها إلا مترجمة. بالمقابل، يشيد جديدي بباحثين يشكلان استثناءً في الجامعة الجزائرية.

 تطرّق الدكتور محمد جديدي، أستاذ الفلسفة بجامعة قسنطينة، إلى البحث الأكاديمي في الفلسفة بالإنجليزية. ولاحظ جديدي أنه نادرا ما نعثر في بيئتنا الأكاديمية بخاصة، والثقافية بعامة، على اهتمام يربط فيه صاحبه بين الفلسفة واللغة الإنجليزية.
وعزا جديدي ذلك إلى مجموعة من الأسباب، من بينها «التاريخ والجغرافيا، والماضي الاستعماري والجالية الجزائرية الكثيرة بفرنسا، والاحتكاك الثقافي بأوروبا عموما عبر البوابة الفرنسية..كل هذا جعل من الفلسفة الفرنسية الأكثر حضورا، من بين الفلسفات الغربية، في جامعاتنا ووسط الباحثين والقراء الجزائريين (يكاد ينسحب الأمر ذاته على البلدان المغاربية مع فوارق نسبية هنا وهناك)، بحيث لا نجد كبير أثر للفلسفات الناطقة باللغة الإنجليزية في كلياتنا وأقسامنا ولا حتى في ثقافتنا، لا على مستوى البحث والكتابة ولا على مستوى المتابعة والاهتمام بخلاف المشرق (مصر بدرجة كبيرة وبدرجة أقل العراق وسوريا ولبنان والسودان والكويت، وفي السنوات الأخيرة دول الخليج بعد انفتاحها على الفلسفة) الذي تشبع منذ بداية القرن العشرين بحضور قوي ومكثف للفلسفات والثقافات الأنجلوساكسونية»، يؤكد أستاذ الفلسفة.
وعلى الرغم من وجود أسماء مقتدرة لأساتذة تلقوا تكوينهم في البلدان الأنجلوفونية (أمريكا تحديدا وبريطانيا بشكل خاص)، إلا أن تأثيرهم طوال مسارهم العلمي والمهني وتوجيههم نحو الفلسفات الأنجلوساسكونية ظل محدودا، يلاحظ جديدي، فضلا أن مهام هؤلاء البيداغوجية والعلمية والإدارية أخذت جل وقتهم، وكبلتهم عن الكتابة التحفيزية حول الفلسفات الناطقة بالإنجليزية، وعلى التمرن على التعامل مع نصوص الفلاسفة الإنجليز والأمريكان مباشرة ودون وسيط لغوي آخر؛ «لكن هذا لم يحدث فتكرست لدينا قراءة هيوم، لوك، مِلْ، راسل، ديوي، جيمس، رورتي، راولز وكواين دوما عبر مترجم من الشرق أو من الغرب، ولم نحاول المرور إلى النص الإنجليزي المهمل والغائب في مكتباتنا، إذ يصعب أن نجد نصا لباركلي بلغته الأصلية على رفوف مكتباتنا الجامعية، والأمر نفسه بالنسبة لنصوص فرنسيس بيكون، وتوماس هوبز، وديفيد هيوم، وجون لوك، وتوماس ريد، وتشارلز سندرس بيرس، ورالف إمرسون، ووالت وايتمان، وجوزيا رويس، ووليام جيمس، وجون ديوي، وهربرت ميد، وآخرين من الفلاسفة الذين برزوا بشكل جلي في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، أمثال جون راولز، ونورمان كواين، وريتشارد رورتي، ودونالد ديفيدسون، وهيلاري بوتنام، ونيلسون غودمان، وستانلي كافيل، وكورنيل واست، وروبرت برندوم، وغيرهم».
ونوّه جديدي بالتدابير المتخذة مؤخرا في هذا الصدد، حيث اعتبر أنه، على الرغم من «استفاقة الوصاية وإن بشكل متأخر، إلا أن اعتناءها النبيه باللغة الإنجليزية وبالفلسفة في السنوات القليلة الأخيرة يعتبر ميزة تحسب للوزارة وتدرج ضمن فضائلها».     
كما سلّط الباحث الضوء على مثالين يتميزان بخروجهما عن القاعدة، فحول الصلة المذكورة بين الفلسفة والإنجليزية في مؤسسات التعليم العالي عندنا، «يكاد يكون اسم أو اثنان استثناءً بيننا في أقسام الفلسفة»، ويذكر جديدي الأستاذ بشير خليفي والأستاذة جميلة حنيفي.
بالنسبة لبشير خليفي، أستاذ التعليم العالي بجامعة مصطفى اسطمبولي معسكر، فقد اشتغل في أطروحة الدكتوراه (التي كان الدكتور جديدي أحد أعضاء اللجنة المناقشة لها) على الفلسفة البراغماتية الجديدة عند ريتشارد رورتي، كما اهتمّ بفلسفة اللغة وله اهتمامات بالأدب والشعر، وله عدة أعمال منشورة في شكل كتب ومقالات، كما له عدة إسهامات في ملتقيات وندوات وطنية ودولية هامة. ومن بين ما يمكن الإشادة به في هذا الإطار من إسهامات ومنجزات للدكتور خليفي، نجاحه هذا العام ضمن مسابقة الدكتوراه في فرع اللغة والآداب الإنجليزية تخصص اللسانيات التطبيقية، وهو أمر ليس بالهين تماما وينم عن جهد واجتهاد ومثابرة وإرادة كما يبعث على السرور والتفاؤل، يؤكد جديدي.
أما جميلة حنيفي، أستاذة التعليم العالي بجامعة وهران 2 (التي قدمت إليها من جامعة الجزائر 2)، فقد تقدّمت بأطروحة مميزة عن هابرماس، وقد تابع جديدي أطوارها لأنه كان أيضا عضوا بلجنة مناقشتها. والأستاذة حنيفي حاصلة على ليسانس في اللغة الإنجليزية، وقد درست بمعهد اللغات الأجنبية بجامعة الجزائر 2، ولها مجموعة من الكتب والمقالات المنشورة في مجلات عديدة، كما عملت على ترجمة عدة نصوص من الإنجليزية إلى العربية.
«في الحقيقة نحن أمام مثالين متألّقين من الأساتذة الباحثين والباحثات الأستاذات في أقسام الفلسفة بجامعاتنا، حبذا لو يتم الاقتداء بهما والسير في رحاب مسارهما العلمي الجاد والمثمر، لا سيما في الاعتناء باللغة الإنجليزية»، يقول جديدي، مضيفا: «ففي الوقت الذي تنحصر مهام الأساتذة، بيداغوجيا وعلميا، على لغة واحدة هي العربية قراءة وكتابة، يتفرد في جامعاتنا أستاذة وأستاذ ليشكلا نموذجا حيا ومعبرا عن أهمية اللغة الأجنبية في منظومتنا الجامعية، بحثا وتدريسا، بمثل ما يكون الاهتمام للغة العربية، اللغة الأم أيضا. ولعل اعتناءهم بالفلسفة إنجليزيا سيكون خصبا، بيداغوجيا وبحثيا ونصيا، بكتب ومراجع مفيدة لدارس الفلسفة، والأهم بث روح التعلم لدى الباحثين والباحثات بلغة باتت اللغة الأولى عالميا في جميع المجالات بما فيها الفلسفة».
بالمقابل، لا يستبعد الدكتور محمد جديدي إمكانية وجود «نماذج أخرى جميلة، وهي موجودة بلا شك»، مع لغات أخرى كالألمانية، والإيطالية، والروسية، والصينية، وإن قلّتْ وندرتْ، «وهي من الأمور التي ينبغي التنويه بها وتدعيمها خدمة لكل انفتاح فلسفي وثقافي».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19727

العدد 19727

الإثنين 17 مارس 2025
العدد 19726

العدد 19726

الأحد 16 مارس 2025
العدد 19725

العدد 19725

الأحد 16 مارس 2025
العدد 19724

العدد 19724

السبت 15 مارس 2025