الكاتب والباحث سعيد بن زرقة لـ ”الشعب”:

..من أصعب الأشكال الأدبية وأكثرها تأثــيرا

فاطمة الوحش

يرى أستاذ المسرح والفنون بالمدرسة العليا مبارك الميلي بوزريعة، البروفيسور سعيد بن زرقة أنّ الأدب السّاخر من أكثر الأنواع الأدبية عمقًا وصعوبة، لأنّه ليس مجرّد وسيلة للضحك أو التسلية السطحية، بل هو أداة فكرية وتحليلية تعتمد على أسلوب مراوغ جميل، وفكرة استثنائية تحمل عنصر المفاجأة.

أكّد الكاتب والصحفي سعيد بن زرقة، في حديث مع “الشعب” أنّ الأدب السّاخر يختلف كليًا عن النكتة التي ترتبط بزمن ومكان معينين، موضحًا أنّ السخرية الأدبية لها قدرة على تجاوز الزمن ومخاطبة أجيال مختلفة بأسلوب متجدّد رغم تغيّر الذائقة الأدبية.
وأشار المتحدّث، إلى أنّ قلّة الكتّاب الذين برعوا في الأدب السّاخر عبر التاريخ يجعل من السهل تعداد أسمائهم، مضيفًا: “الأدب السّاخر الحقيقي هو الذي يستطيع أن يتجاوز حدود اللحظة الزمنية ليظلّ تأثيره حاضرًا كما هي الحال مع كتابات الجاحظ وابن المقفع، التي لا تزال تسحر القراء حتى يومنا هذا رغم القرون التي تفصلنا عنها”.
وأوضح الأستاذ بن زرقة أنّ الأدب السّاخر ليس مجرّد كلمات تهدف إلى الإضحاك، بل هو تحليل عميق للظواهر الاجتماعية والثقافية، يستند إلى رؤية فكرية نقدية تسلّط الضوء على تناقضات الحياة ومفارقاتها الكوميدية والمأساوية. ولفت إلى أنّ السخرية تفقد قيمتها إذا تحوّلت إلى تهريج خالٍ من العمق. وأضاف: “الأدب السّاخر هو طريقة مختلفة للوعي بالحياة، ولهذا كانت السخرية السقراطية رمزًا للوعي الغربي، حيث وظف الفيلسوف سقراط السخرية في كشف تناقضات المجتمع والفكر”.
وعند الحديث عن الأدب السّاخر في الجزائر، أشار سعيد بن زرقة إلى أنّ هذا النوع الأدبي يمتلك جذورًا تاريخية قديمة. واستشهد برواية “الحمار الذهبي” للكاتب الروماني الجزائري أبوليوس، التي تضمّنت مشاهد ساخرة سوداء تحمل رؤية نقدية للمجتمع، كما أشار إلى “منامات الوهراني” التي تُعدّ من أبرز الأعمال الساخرة في التراث الجزائري، والتي جمعت بين المقامات والرسائل والخطب الساخرة بأسلوب مميّز.
وأضاف أنّ الجزائر عرفت أسماء بارزة في هذا المجال، منها أبو العيد دودو، محمد الأخضر السائحي، أحمد منور، السعيد بوطاجين، الفيروزي، وعمار يزلي..
وعن علاقته الشخصية بالأدب السّاخر، قال بن زرقة: “كان الأدب السّاخر بوّابتي إلى عالم الأدب. في طفولتي، كنت أقرأ كتابات أحمد رضا حوحو ومارون عبود، الذي يُعتبر شيخ كتاب السخرية. لاحقًا، تأثرت بأسلوب الكاتب المصري محمود السعدني، الذي قدّم نموذجًا فريدًا للأدب السّاخر العربي”.
وأضاف أنّ الكتابة السّاخرة تتطلّب قدرات أدبية استثنائية، فهي تجمع بين الإبداع، التحليل، والإتقان الأسلوبي. “الكاتب السّاخر ليس مجرّد حكاء يجيد إضحاك الناس، بل هو مثقف عميق يُسلّط الضوء على تناقضات مجتمعه بأسلوب ذكي ومؤثر”، كما قال.
أكّد الكاتب بن زرقة أنّ السخرية لم تكن مجرّد وسيلة للتسلية في الجزائر، بل كانت أداة فعّالة لمقاومة الاستعمار. وأشار، إلى أسماء لامعة مثل علالو، رشيد قسنطيني، حسان الحسني، ورويشد، الذين استخدموا الفكاهة والسخرية كوسيلة للتعبير عن معاناة الشعب الجزائري تحت الاحتلال. وأضاف أنّ قوّة هذا الأسلوب دفعت الاستعمار إلى ملاحقة هؤلاء الفنانين وزجّهم في السجون، نظرًا لتأثيرهم القويّ على الوعي الشعبي. وأوضح سعيد بن زرقة أنّ السخرية ليست فقط أداة فنية، بل هي وسيلة مقاومة قادرة على توحيد الشعوب وبث الأمل في النفوس، خاصّة في الأوقات الصعبة.
وأشار، إلى أنّ السخرية ليست حكرًا على الأدب العربي، بل هي جزء من الإرث الأدبي العالمي..واستشهد بأعمال جورج برنارد شو، مارك توين، وسيرفانتس في روايته الشهيرة “دون كيشوت”، التي تُعدّ من أبرز الأعمال الأدبية السّاخرة عالميًا. وأكّد أنّ هذه الأعمال برزت بفضل قدرتها على الجمع بين السخرية والفكر العميق، ما جعلها تحتلّ مكانة متميّزة في الأدب الإنساني.
واختتم بن زرقة حديثه، بالدعوة إلى تشجيع الأدب السّاخر في مختلف الوسائل الثقافية والتعليمية، موضحًا أنّ حضور الفكاهة في حياتنا الاجتماعية ضرورة أكثر من كونه ترفًا. وقال: “حين تفتح الأفواه من الضحك، ننجح في إدخال المعرفة..الأدب السّاخر وسيلة فعّالة في تحسين السلوكيات، تعزيز الذوق العام، وتحقيق التوازن النفسي”.
كما أكّد أنّ الشعوب التي لا تضحك مهدّدة بالانهيار النفسي، مشدّدًا على أهمية إدراج الأدب السّاخر في المناهج الدراسية لتعليم الابتكار والذكاء الاجتماعي للأطفال والشباب. “السخرية الهادفة ليست فقط وسيلة للترفيه، بل هي بيداغوجية تربوية ذات أبعاد اجتماعية وثقافية عميقة”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19789

العدد 19789

الثلاثاء 03 جوان 2025
العدد 19788

العدد 19788

الإثنين 02 جوان 2025
العدد 19787

العدد 19787

الأحد 01 جوان 2025
العدد 19786

العدد 19786

السبت 31 ماي 2025