نتحدّث بانتظام عن “النصوص الدرامية”، ولكنّنا لا نعير انتباها لمعنى النصوص الدرامية.. ولا نتساءل عن ماهية النصوص التي نريد تعيينها بالضبط، باستخدام مصطلح “درامي”؟ هل هي نصوص مسرحية، أم نصوص تتعلق بطريقة معينة لهيكلة الحبكة، أم هي النصوص الحوارية؟.. تتعايش الاستخدامات الثلاثة اليوم، بطريقة غير متمايزة، في عالم المسرح تماما مثلما هي الحال في عالم الأدب، ولا يختلف في هذا الممارسون والباحثون. ومع ذلك، يجب أن نشير إلى أنّ المجموعات الثلاث من نصوص الفن الدرامي (المسرح) والأنواع الدرامية (أنواع الروايات) والنمط الدرامي (الحوار)، متراكبة جزئيًا فقط. وهنا يلعب الارتباك دورًا مهمًا في كيفية تلقي هذه النصوص، أيّ إدراكها وقراءتها واستخدامها..
إنّ رسم خرائط منطقة النصوص “الدرامية” لن يجعل من الممكن الحصول على أفكار أكثر وضوحًا فحسب، بل أيضًا للتفكير في كيفية عمل هذه النصوص اليوم، ولهذا تقترح المقالة التالية تعيين المفهوم.
منطقة النصوص الدرامية
بقدر ما قد يبدو الأمر مفاجئًا، فإنّ موسوعة ميشيل كورفين لقاموس المسرح (1991) لا تخصّص إدخالا لـ«النص” أو “الدراما”. لكن في قاموس المسرح لمؤلّفه باتريس بافيس (1980، 1987، 1996)، نجد مدخلًا “دراميًا وملحميًا”، يقول:
الدراما هي مبدأ بناء النص الدرامي والتمثيل المسرحي الذي يعكس توتر مشاهد وحلقات الخرافة على سبيل تكوين نتيجة (كارثة أو حل هزلي) ويشير إلى أنّ المشاهد مفتون بالعمل. المسرح الدرامي (الذي سيعارضه بريخت للشكل الملحمي) هو المسرحية الدرامية الكلاسيكية والواقعية والطبيعية، للمسرحية التي صيغت بشكل جيد.
عرفت الدراما عناصر ملحمية قبل فترة طويلة من مسرح بريخت. إنّ أسرار العصور الوسطى والمسارح الآسيوية الكلاسيكية وحتى الروايات في المسرح الكلاسيكي الأوروبي كلّها عناصر ملحمية تم إدخالها في النسيج الدرامي للعمل.
ما هي الدراما إذن، إذا كانت لا تتعلق فقط بمسرحيات معينة (الكلاسيكية، الواقعية، الطبيعية)، ذات الموقع التاريخي، ولكن أيضًا بالمبادئ العابرة للتاريخ أو غير التاريخية المتعلقة بـ«بناء” الدراما (التوتر، الفرجة الآسرة) و«شكل” معارضة” العناصر الملحمية المدرجة في النسيج الدرامي”؟ هل يجب أن نعتقد أنّ الدراما هي بشكل عشوائي نوع (أو أنواع) وطريقة معاكسة لـ«القصص ؟!
من ناحية أخرى، يتم تعريف “الدراما” على أنّها “تكييف نصّ (ملحمي أو شعري) في نصّ أو مادة درامية للمرحلة”.. هل تنتمي الدراما بعد ذلك إلى عالم النص أو المشهد أو أو إليهما معا؟ في مدخل “النصّ الدرامي”، قرأنا أخيرًا:
من الصعب للغاية اقتراح تعريف للنصّ الدرامي يميزه عن الأنواع الأخرى من النصّ، لأنّ الاتجاه الحالي للكتابة الدرامية هو المطالبة بأيّ نص للتدريج المحتمل (...) أيّ نصّ يكون مسرحيا، طالما يتم استخدامه على ركح المسرح.
طيب.. هل ستحدّد الدراما - ببساطة - فنّ المسرح؟
في كتاب ثانٍ، قاموس الأداء والمسرح المعاصر (2014)، يحذر ب. بافيس قائلا:
بدلاً من السؤال عن ماهية النصّ الدرامي وأنواع النصوص الدرامية الموجودة (سؤال بلا جدوى بقدر ما هو يائس)، سيكون من الأفضل ملاحظة ما نفعله بالنصوص، وكيف يتم تعاملها مع الأداء في الممارسة المسرحية أو الأدائية.
ومع ذلك، كجزء من أطروحة حول قراءة النصوص الدرامية، حول “ما نفعله بالنصوص” عندما نقبض عليها بمفردنا، أو حول ما يمكننا القيام به معها في هذه المناسبة، يجب محاولة التوضيح. سنقترح النتيجة التالية: “النصّ الدرامي” ينتمي أحيانًا إلى الفنّ الدرامي، وأحيانًا إلى نوع درامي، وأحيانًا لا يزال في الوضع الدرامي - أحيانًا، أيّ: ينتمي إلى إحدى هذه المجموعات، أو إلى اثنين منهم، أو الثلاثة في وقت واحد. هذه في الواقع تشكّل مجال ما يسمى بشكل مشوش “النصوص الدرامية”..
فنّ الدراما.. الجنس والنوع
في الصفحات الأولى من كتاب “منطق الجنس الدرامي” (2018)، يعتزم جان دي غوارديا التفكير في “منطق” “الخيال الدرامي”.. “الجنس” مرادف أحيانًا لـ “النوع”، وأحيانًا لـ “الفنّ”. ويرتبط هذا - بلا شك - بخاصيتين من المجموعة التي تمت دراستها (عدّة قطع من المسرح العادي الكلاسيكي)، تتعلق أولاً بحقيقة الحوار (ما يبدو أنّه “الجنس الدرامي” المذكور إلى الوضع الدرامي) ثم اللعب (ما يبدو أنه الفنّ الدرامي): ينتمي عمل (Phèdre de Racine) إلى نوع درامي يندرج تحت الفنّ والوضع الدرامي.
هذا لا ينبغي أن يمنعنا من رؤية أنّ هناك روايات مقدّمة في الوضع الدرامي، وهي، بالتالي، مرشحة لعنوان “الروايات الدرامية”، دون أن تكون بالضرورة مرتبطة بالمسرح كفنّ أداء، كما يجب ألا يمنعنا من رؤية أنّ “النوع” الكلاسيكي المذكور له مكان للملحمة في الحوارات وخارجها (على سبيل المثال قصة تيرامين، وdidascalie الشهيرة)، بحيث يكون من المسيء استيعاب هذا”النوع” فيما هو الدرامي، ولقد استنكرت جينيت مثل هذا الاختصار في تقديمها لأحد الكتب، بينما استوعبت الوضع الدرامي والفنّ الدرامي.
إذا كان يجب تمييز “النوع” عن الفنّ والجنس، فيجب أيضًا تمييز “النوع” الدرامي والفنّ الدرامي، حتى لو كان من الصعب التفكير في النوع دون التفكير في الفن الذي يدركه.. على سبيل المثال: غالبًا ما نسمع عن “النوع المسرحي”. ما هي الأنواع الأخرى ذات الصلة؟ ما هو الفن الذي ينتمي إليه هذا النوع الافتراضي؟ في La Parole muette) 1998)، كتب جاك رانسيير أنّ “المسرح هو جنس ينتمي إلى العروض”. ألم يكن أولى أن يقول إنه فنّ أداء؟ غالبًا ما يتم استخدام مصطلحي “الجنس” و«الفنّ” كمترادفين، ولا تسلم من ذلك دراسات المسرح المعاصر، حيث لم تعد تسود مراسلات الفنّ والأجناس والتحويل الدرامي: هذا له ما يبرره بشكل سيء. بالإضافة إلى حقيقة أنه يفقد قوة الوصف، فإنّ عدم التمييز يفخخ كثيرا من النقاشات.
لا ندعي بأنّ جميع المشاكل المتعلقة بتصنيف “الدراما” يمكن حلّها بما سنقدم عليه، ولكن، نتوقّع أنّ الرؤية ستكون أفضل، إذا ميّزنا بشكل أكثر صرامة، بين الفنّ والجنس والنوع الدرامي.
نصوص الفنّ الدرامي..
من بين الفنون المسرحية (المسرح والرقص والأوبرا وما إلى ذلك)، تشير الدراما عمومًا إلى المسرح، كما هي الحال في “المعهد الوطني العالي للفنون المسرحية”. يتجاوز الفنّ الدرامي مسألة النص: لا يمكن اختزاله في جزئه اللغوي أو اللفظي (منطوقًا أو مؤدى). على الرغم من استمرار الكلمة على مرّ التاريخ، من المهم أن نعرف “أنّ ما يسمى المسرح “غير موجود (...) نحن لا نعرف سوى أشكال معينة، مع اختلافات لا حصر لها” كما يقول جاك نيشي (2011). وهذا يضفي صعوبة بالغة على أيّ خطاب عام حول هذا الفنّ الذي يوصف بأنّه من الفنون التي تجاوزت الألفيات، مع أنّ شروطه لم تكفّ عن التغيّر..
وفقًا للاستخدام الأكثر شيوعًا، يتم وصف النص بأنّه “درامي”، إذا كان جزءًا من “الفن الدرامي”، أو ببساطة أكثر.. إذا كان نصّا مسرحيا: فهو “نصّ مسرحي”، حتى لو كان بإمكانه أن يشتغل بخلاف المسرح، نظرًا لتنوّع المسرح ذاته، إذ تختلف نصوصه اختلافًا كبيرًا عن بعضها البعض. هذه ليست بالضرورة حوارًا كاملاً ولا تدعم دائمًا سردًا ينبع من مفهوم “درامي” للحبكة: النصّ الدرامي بالمعنى الفني ليس بالضرورة دراميا بالمعنى العام والشكل، ببساطة لأنّ المسرح نفسه ليس دائمًا “دراميا” بالمعنى العام والشكل.
هل من الضروري - لتجنّب الالتباس - قصر نطاق مصطلح “دراما” على أحد الأبعاد الثلاث (الفنّ أو الجنس أو النوع )؟ على كلّ حال، هناك تراث زاخر يميّز الدرامي عن المسرحي،. ولقد كتب لويس بيك دي فوكيير قائلا:
هناك خط فاصل واضح إلى حدّ ما: الفنّ الدرامي، هو عمل الشاعر نفسه، من ناحية، وهو المشهدة، أو الإخراج، من ناحية أخرى، ما يعني أنّه العمل المشترك لجميع أولئك الذين يساهمون في تشكيل الدراما بدرجات متفاوتة.
ولا يفصل هذا الخط بين “النصّ” و«العرض”، ويتقبل بيك دي فوكيير بأنّ “الشاعر يمارس الفنّ المسرحي” عندما “ينشغل بترتيبات المشهدة”، وأنّ الممثل يقوم بأداء فني درامي “عندما يسلّط الضوء على مشاعر معينة لم يولها المؤلّف أهمية كافية”.. إذن، تجسيد النصّ على الركح ينتمي إلى الفنّ الدرامي.
بترجمة المصطلحات الأكثر حداثة، وهي تدين بشيء إلى القرن العشرين، أين ساد فهم المسرحية على أنّها نتيجة لحذف النصّ (المسرح مطروحًا منه النص) (رولاند بارت،”مسرح بودلير”، 1954) صار تمييز “الدرامي” يعتمد في الحديث عن فعل الممثل (الدراما والحكاية)، بينما يختص مصطلح “المسرح” بالحديث عن العرض (الأداء). على الرغم من بساطته وفضائله الاستدلالية، فإنّ هذا التمييز يمكن أن يجعلنا ننسى أنّ الأداء يشارك بشكل كامل في التحويل الدرامي للعمل الفنّي: الدراما ليست هي نفسها على الصفحة وعلى الركح، ثم إنّنا لا ينبغي أن ننسى أنّ مصطلح “الدرامي” شائع الاستخدام في الرقص وفي فنون العرض الأخرى التي لا تكون مشهدية بالضرورة.
فيما يتعلّق بالنصوص، من الواضح أنه لا معنى للتمييز بين النصوص المسرحية والنصوص الدرامية، وبالتالي مشاركة فنّ الأداء (من حيث المبدأ: الأداء المسرحي) والجنس (مجموعة من القصص: الدراما المختلفة).. يكون علينا أن نميّز النصوص على مستوى الفنّ، إما أن تكون النصوص مسرحية و/أو أدبية، أو نميّزها على المستوى الأجناسي، أيّ بين نصوص تراجيدية، كوميدية، باروكية عبثية، خيالية إلخ.. النصّ “الدرامي” إذن، يعتمد على الخيار المفضّل: إما أنّ الصفة تشير إلى علاقة النصّ بالفنّ الدرامي (والذي قد يبدو أكثر ملاءمة، في ظلّ هذه الظروف، لتسمية الفنّ المسرحي)، أو أنّها تشير إلى علاقة النصّ بجنس درامي (نوع السرد والموضوعات) بشرط أن يكون جنسا يطبق مبادئ “بناء” السرد والموضوعات التي يتم تحديدها عادة على أنّها تنتمي إلى الجنس أو بالأحرى إلى الجنس “الدرامي”.