ذنبهم الوحيد دفاعهم عن كرامة الفلسطينيين وحقهم في الوجود

فـلاسفـة وفنـــانون غربيون يتهمـون بمعـاداة السامية

أسامة إفراح

 ظل الصراع العربي الإسرائيلي، ودرجة الوحشية التي تنتهجها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين المفكرين والمثقفين على الحياد، ووجد كثير منهم نفسه يعبر عن آرائه وتوجهاته.. وتعالت الأصوات المنتقدة للهمجية الإسرائيلية، في الغرب كما في الشرق، غير أن بعض هذه الأصوات اصطدمت بفزاعة معاداة السامية، ونعتت بمختلف الأوصاف، بل وتم تهديد بعضها علنا بقطع التمويل عن نشاطها.
بقي البعض محافظا على قيمته الأكاديمية ومحترما للمبادئ التي لطالما دافع عنها المفكرون، واتجه البعض الآخر إلى الدفاع عمّا هو خاطئ، وتبرير ما هو جريمة، بحيث تكيف الأخلاق مع الأهداف وليس العكس.. من هؤلاء الفيلسوف والكاتب عضو الأكاديمية الفرنسية آلان فينكلكراوت Finkielkraut، الذي دفعت كتاباته فيلسوفا آخر وهو دانيال سالفاتور شيفر إلى الردّ عليه ووصف خطابه بالبشع وغير العادل.
عندما يتخلى الفيلسوف عن مبادئه
ولعل ما دفع سالفاتور شيفر إلى هذا الرد القاسي، هو كون الفيلسوف فينكلكراوت قد تطرق إلى ما يحدث في فلسطين حاليا، وتحدث على نطاق واسع على موقع الصحيفة الفرنسية «لو فيغارو»، حين قال إن «الدهشة قد اعترته من هول الكراهية التي تنهال اليوم على إسرائيل». ومن خلال رفضه أي نقد للدولة العبرية، فإن هذا المثقف يتجرّد من الشرف، يقول الفيلسوف الفرانكو إيطالي دانيال سالفاتوري شيفر.
 ويضيف شيفر إن هناك مقابلات صحفية في المشهد الإعلامي الفرنسي، تترك المرء مندهشا لافتقارها الواضح للأخلاق المهنية، ولا يُعرف ما إذا كان هذا التقصير راجعا إلى عدم الأمانة الفكرية، أو ـ أكثر من ذلك ـ إنكار الواقع الذي قد يكون ذا أسباب مرضيّة، وهي الحال اليوم مع صحيفة في «لو فيغارو» الفرنسية، يقول شيفر.
وكان دانيال سالفاتوري شيفر قد عاب على المثقفين اليهود (وهو أحدهم) عدم تنديدهم بالقصف الإسرائيلي المتواصل ضد المدنيين العزل، وهو على الأقل الموقف الذي اتخذ حينما حاصرت القوات الصربية ساراييفو خلال الأزمة في البوسنة والهرسك. كما قارن شيفر ضمنيا بين إسرائيل والنازيين، حينما طابق في موقع ثان بين قطاع غزة ومحتشد فارسوفيا الذي احتجزت فيه النازية يهود ألمانيا وبولونيا. ولم يكتف شيفر بهذه المقارنة، حيث أشار في مقاله الأخير في موقع «لونوفال أوبسيرفاتور» إلى الشبه الصارخ بين جدار إسرائيل العازل وسياسة الميز العنصري التي انتهجها نظام الأبارتيد في جنوب أفريقيا.
ويلاحظ شيفر أن صحفيي «لو فيغارو» تعمدوا غض الطرف عن الجريمة التي يتعرض لها الفلسطينييون، واصفا هذه الطريقة بـ»الإنكارية Le négationnisme» (مصطلح ارتبط بإنكار المجازر ضد الإنسانية ويوظفه شيفر اليوم ضد المجازر الإسرائيلية)، وهي الظاهرة ذاتها التي تجعل الإسرائيليين ينكرون حق الشعب الفلسطيني في الوجود كشعب حر، وفي تأسيس دولة مستقلة ومكتملة السيادة. ويستغرب شيفر: كيف لإسرائيل، منذ 66 سنة، أن تنفي حق الفلسطينيين، المحرومين من دولتهم، في الوجود كشعب حر؟
من ينتقد إسرائيل.. فهو شيطان؟
ولكن فينكلكراوت ردّ على هذه الأفكار بالقول إن «هذا الانقلاب على واجب الذاكرة يبدو دليلا شديد الإقناع على أن الشيطان موجود».
قد يبدو هذا التصريح غريبا بالنظر إلى موقع فينكلكراوت كفيلسوف ومفكر، وعضو بالأكاديمية الفرنسية، ولكن ليست المرة الأولى التي يتبنى فيها أفكارا «متطرفة»، يعمد إلى تغطيتها بمظلة مناهضة «معاداة السامية».. هذه النقطة بالذات يركز عليها شيفر الذي يحذر من «الاتجاه المعاكس لمعاداة السامية»، حينما نوجهها نحو الغير، ونستعملها في ممارسة العنصرية على الغير.. كما يعتبر أنه لا يجوز لليهود أن يحتكروا في التاريخ كل ما له علاقة بالمعتقلات والمحتجزات والاضطهاد، وكأنهم هم الوحيدون الذين عانوا الظلم، وهم الوحيدون الذين يحقّ لهم أن يشتكوا من الإبادة.
هوليوود و»محاكم التفتيش»
مصير مشابه واجه الممثلين العالميين الإسبانيين خافيير بارديم وزوجته بينيلوبي كروز، الذين عبرا علنا عن مساندتهما للشعب الفلسطيني، ووصفهما لما تقوم به إسرائيل بـ»حرب الإبادة» مقابل حق الفلسطينيين في الدفاع عن النفس، كما قاما بحملة لجمع التوقيعات في أوساط الفنانين الإسبان.
وكان أن اتهمهما المنتج السينمائي الأمريكي وصاحب ستوديوهات «ريلاتيفيتي ميديا» ريان كافانا ومن سار على دربهما بالجهل ومعاداة السامية، كلام لقي صدى لدى منتجين من هوليوود فهددوا بمقاطعتهم لأي عمل مع خافيير بارديم وزوجته.. وليس هذه المرة الأولى التي يساند فيها بارديم قضية عادلة، وليس بعيدا تنديد الفنان الإسباني بالاحتلال المغربي للصحراء الغربية، وهو ما لم يرُق للصحافة الفرنسية حينها.
يبدو أن مصطلح معاداة السامية مطاط إلى درجة تفقد أي معنى ممكن، ولا يعدو عن كونه بعبعا يوظف لتخويف كل من تسوّل له نفسه بانتقاد الدولة العبرية وسياساتها، ولعل المتضرر الأكبر من «محاكم التفتيش» هذه المثقفون والمفكرون والأكاديميون، لأنهم يصنعون الرأي العام وتتجاوز أفكارهم الحدود، فهم بذلك أخطر وضرورة إسكاتهم تصير أكثر إلحاحا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024