يرى المحافظ الرئيسي للتراث الثقافي بورقلة، عبد الحميد غرياني، أنّ التراث هو العمود الفقري لأيّ أمة، تفرض به وجودها، وتعزّز مكانتها وامتدادها التاريخي، ولهذا سعت السلطات العليا في الجزائر إلى حمايته والمحافظة عليه عن طريق إجراءات عملية، وميكانيزمات محكمة..
وقال غرياني في تصريح لـ«الشعب” إنّ أول هذه الميكانيزمات، إنشاء بنك معلومات للتراث في شقّه المادي واللامادي، سواء على المستوى المحلي أو الوطني، والثاني تصنيف الموروثات الثقافية الجزائرية على المستوى العالمي لحمايتها من التبني والنهب، إضافة إلى إقامة معارض في مناسبات محدّدة، ومنها شهر التراث الممتد من 18 أفريل إلى 18 ماي، من أجل إبراز الزخم الثقافي الذي تزخر به الجزائر، وتعزيز التراث وإفراد حيز له في المقررات الدراسية، خاصة في الطور المتوسط، بالإضافة إلى حثّ الناشئة، والعمل على تذكير الأبناء بهذا التراث خاصّة في بعض المناسبات الثقافية مثل يناير.
وأكّد محدّثنا أنّ من بين الملفات التي أولاها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون اهتماما كبيرا، ملف الثقافة وخاصة التراث الثقافي، فبرنامجه أفرد اهتماما كبيرا للثقافة والتراث، كونهما يشكّلان لبنة أساسية في بناء شخصية الفرد، ومدخلا له أهميته القصوى في مجال التنمية؛ لهذا، أسدى رئيس الجمهورية العديد من التعليمات في الموضوع منذ تولى سدّة الحكم، وتجلّى ذلك في حرصه على تصنيف كافة الموروثات الثقافية الجزائرية، على مستوى منظمة اليونيسكو لحماية التراث الوطني من النهب والاستيلاء الذي تقوده منظمات ودول، وسعت وزارة الثقافة إلى جرد عام وإحصاء كلي، مع تحيين دوري لبعض الملفات وإرسالها لوزارة الثقافة، قصد تصنيف الأهم منها على مستوى اليونيسكو، كما تعمل وزارة الثقافة على تصنيف بعض الموروثات بشكل ربما دوري كلّ سنتين، ولعلّ من بين المواضيع المستجدة التي يتم البحث فيها، اللباس التقليدي للشرق الجزائري.
وذكر غرياني أنّ تسجيل الممتلكات الثقافية، خاصة اللامادية على مستوى منظمة اليونيسكو، هي خطوة جدّ مهمة لتحديد الطرف الذي يمتلك هذا الموروث الثقافي، وبالتالي، حمايته من النهب والسرقة، وقد يكون تذكيرا ملهما بالبعد التاريخي لتعزيز مكانة هذه الموروثات الثقافية في المجتمع الجزائري.
ويرى محدّثنا أنّ التسجيل على مستوى اليونيسكو، يعطي أهمية وصبغة ثقافية أكثر لتلك الموروثات، كما يمنحها قيمة اقتصادية، وضرب مثلا بـ«لباس القفطان” كجزئية من الموروثات الثقافية، تمنّى لو يتم إدراجه على مستوى اليونسكو كتراث جزائري.. “إذن، لأضفى قيمة اقتصادية أكثر وزادت العائدات المادية لهذا الممتلك الثقافي” يقول غرياني.
وتسعى وزارة الثقافة إلى إدراج هذه الممتلكات بشكل تدريجي على مستوى محلي، أيّ وضعها في الجرد الإضافي، وذلك بعد موافقة اللجان الولائية للممتلكات الثقافية، والعمل على تصنيفها على مستوى وطني لحمايتها، وبعد ذلك تأتي الخطوة الأساسية والمهمة أكثر، وهي التصنيف على مستوى عالمي، لإعطائها الحماية العالمية، وكذا المساهمة في التعريف بهذه الموروثات الثقافية على نطاق أوسع.
وأشار محدّثنا في هذا الشقّ، إلى أنّ الترويج للممتلكات الثقافية على مستوى عالمي، يعدّ في حد ذاته نقطة جذب سياحي، وقدم مثالا عن “الفقارات” في تيميمون وأدرار، والتي هي اليوم محجّ للعديد من السيّاح الذين يتوافدون بأعداد كبيرة، لاكتشاف هذه الموروثات الثقافية على مستوى هذه المناطق.
وعن أهمية التفكير في تجسيد هذه البرامج، أكّد محدّثنا أنّ الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المستدام، هو خطوة للتوجّه نحو الاستثمار في الثقافة والسياحة، وبالتالي، النظر إلى الثقافة والتراث - بصفة عامة - على أنّهما موردين اقتصاديين مستدامين، فالاستثمار في التراث يشكّل مدخلا اقتصاديا ومصدرا للعملة الصعبة، يؤكّد المتحدّث.
وقال غرياني إنّ التجنّد لحماية الموروثات الثقافية، واجب وطني، ومن المهم أن يكون المواطن الجزائري واعيا بأهمية هذا التراث، كما أنّ الجمعيات الثقافية تلعب دورا كبيرا لحماية الموروثات الثقافية.