الباحث” سليمان زغيدور ”:

فرنسا عزلت 2.5 مليون جزائري داخل الأشواك الشائكة

«الشعب» - بدعوة من جمعية الأمجاد للتاريخ والتراث لولاية جيجل، قدم، أمس الأول، الباحث والإعلامي في السياسات الدولية والعلاقات الاستراتيجية سليمان زغيدور، محاضرة بالمركز الثقافي الإسلامي بجيجل بعنوان: “تاريخ الجزائر من المقاومات الشعبية إلى الثورة التحريرية ـ جيجل في قلب الملحمة”.
وقد استهّل مقدم ومعدّ حصة “الضيف” في القناة الفرنسية “تي.في 5 موند” محاضرته من واقع عاشه وهو صغير، حيث نشأ في محتشد أقامه الجيش الفرنسي في أعالي منطقة جيجل بإيراقن بهدف عزل الثوار عن الشعب، وقد تجّرع المأساة القاسية بالمحتشدات، فقد شاهد بأمّ عينيه وفاة أخته واثنين من إخوته متأثرين بداء السل داخل المحتشد. كما يذكر اليوم الذي رمت فيه الطائرات الفرنسية أوراقا تخبرهم بقرار وقف إطلاق النار، ليتحرر الجميع من المحتشدات ويعودون إلى قراهم أحرارا.
لكن التأثيرات السلبية للمحتشدات على ثقافة وتقاليد وهوية الجزائريين بعد الاستقلال، ساهمت بشكل كبير في ظاهرة النزوح الريفي والهجرة للمدن. ففرنسا، عزلت ما لا يقل عن 2.5 مليون جزائري على مستوى الوطن داخل الأشواك الشائكة والمكهربة وهي بهذا لم تعزلهم عن الثوار فقط، بل عزلتهم عن هويّتهم، حيث انقطعوا عن خدمة الأرض وتربية الحيوانات لسنوات ليجدوا صعوبة في العودة إليها بعد الاستقلال في ظل ضعف الدولة وغيابها، وهو ما حدث لعائلته التي لم تجد بعد الاستقلال أي أثر للدولة، مما اضطر الجميع إلى النزوح إلى المدينة بحثا عن فرصة عمل، وكان قدره أن حطّ الرحال بالجزائر العاصمة التي كانت سخيّة على والده بمنصب عمل محترم.
وقد اعترف المحاضر بصعوبة الاندماج في العاصمة في بداية الأمر، وهو يذكر جيّدا نظرات أبناء المدينة إلى هذا القادم من العالم البدائي، وهو ما سبّب له جرحا في طفولته، عرف كيف يجعل منه مَصْلاً يقوّي به مناعته وعزيمته في سلوك درب النجاح، وقد أدركه بعد سنوات من الاجتهاد والمثابرة، وكانت أول مهنة امتهنتها أنامله هي القلم في عالم الصحافة وهو ابن 17 من عمره.
وفي سنة 1974 يتنقل إلى باريس ليلتحق بكبرى الصحف الفرنسية والعالمية كمحقق ومراسل حروب ساخنة، فقد عمل لحساب جرائد: “لوموند، لو نوفال أوبسارفاثور، جييو، ثيليراما، الباييس، لافي”، وأخيرا كمعد ومحرر برامج حوارية في تي.في 5 موند. أهمها حصة “الضيف”.
وقال إن ظروف نشأته جعلته يفضل تغطية الحروب والنقاط الساخنة في العالم، فقد غطى الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، وحرب العراق، والشيشان وحرب أفغانستان، كما ظلّ ملازما للعمل الأكاديمي في الجامعات الفرنسية كأستاذ محاضر في العلوم السياسية في جامعات “مينتون وبواتييه”، كما ساهم في إنشاء معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس.
وقد زار معظم بلدان العالم كمحاضر ومشرف على الندوات الدولية، وأتقن سبع لغات عالمية، وقال إن الكرة الأرضية لفها مرتين، لكن شعلة في داخله ظلت مشتعلة لم تستطع مياه البحر ومحيطات الغربة إن تطفئها، إنها شعلة الحنين إلى قرية “الولجة” التي ولد فيها بأعالي جبال إيراقن، هذه القرية التي لا يقطنها اليوم أي إنسان بعد الهجرة الثانية التي تسببت فيها العشرية الحمراء، فقد هجرها الجميع وظل هو وحده يريد العودة إليها، وترميم بيت والده الذي لم تبق منه سوى الأطلال.
وفي بداية التسعينيات من القرن الماضي، عاد سليمان زغيدور إلى قريته في زيارة شوق وحنين، لكنه تفاجأ أن الكثير من ملامح المنطقة تغيّرت، وأن الكثير من المناطق غمرتها مياه سد إيراقن وفيها ذكريات طفولته، فقرر توجيه نداء إلى العالم يترجّى فيه كل من لديه صورة لقريته قبل أن تغمرها المياه أن يرسلها إليه، وذلك من خلال تحقيق أعده لحساب مجلة Géo العالمية من 13 صفحة حول قريته ومنشأ طفولته، وكان نداءه موجها بالأخص للجنود الفرنسيين الذين تجنّدوا في تلك المنطقة.
وفعلا جاءه الجواب من بعض المجنّدين السابقين بإيراقن، وأعطوه بعض الصور ليكتشف من خلالها إسم الشركة الفرنسية التي شيّدت السد الضخم بتلك المنطقة، فبحث عن هذا الإسم في الانترنت وعرف عنوانها وذهب إلى مصلحة الأرشيف ليعطوه أكثر من 1000 صورة وبالألوان لقريته وأهله، صورها المهندسون العاملون بالسّد من كل الزوايا، فكانت بمثابة أثمن كنز يعثر عليه في حياته، كيف لا وقد وجد صور أغلب الناس الذين عاشوا في تلك المرحلة بما فيها صورته وسط تلاميذ المحتشد مع معلمتهم الفرنسية، لكن الصورة التي أذهلته وفاجأته هو عثوره على صورة لشاحنة أبيه وهي تحترق، وكان اسم أبيه جليّا على باب الشاحنة، حرقها الجنود الفرنسيون انتقاما لنقلها التموين لجيش التحرير الوطني. فكانت هذه الصور كافية ليؤلف بها كتابا عنوانه “الجزائر بالألوان”.
وقد تم تكريم ضيف وابن ولاية جيجل من طرف رئيس المجلس الشعبي الولائي وكذلك رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية إيراقن سويسي.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024