نقرأ للفاضل الأديب عبد العزيز غرمول، بمحبة غامرة، فهو الرّوائي والكاتب والصحفي المقتدر، وهو من الجزائريّين الذين تحسّ معهم، وأنت تقرأ لهم، بالأمان؛ ذلك لأنّه يكتب كي يدفع بفكرة للنقاش، أو يقترح رأيا للنّظر، على منهج واحد لا يحيد عنه، يبدأ من مصلحة الوطن وينتهي إليها، وكثيرا ما تشغله قضايا النّقد الأدبي، فيضيف روائع ما تجود به قريحته، ويسهم بما يتوسّم منه أن يكون إضافة إلى المسار النّقدي العربيّ، تقوّم رؤاه، وتعضد نظرياته أو تفكّكها.. أمّا أجمل ما يلقي به غرمول إلى السّاحة، فهو المناقشة العادلة، والسّؤال العميق، والتّنويه حين المقتضى، والردّ الطيب حين يكون واجبا، بعيدا عمّا تعوّدّنا عليه - في ساحتنا النّقدية - من تمسّك بالرأي واعتداد بالأسلوب، أو حتّى التّعصب وتوزيع التّهم..
كان من حسن حظّنا أنّنا لم نفوّت قراءة نشرها عبد العزيز غرمول، في حوار أجرته واحدة من الجرائد مع حبيب مونسي، ولقد نوّه غرمول بالحوار، واعتبره مهمّا، ذلك أنّ النقاش دار حول إشكالية «المصطلح التراثي» وأساليب «إعادة إحيائه في سياق المنظومة النقدية الحديثة»، بدلا من «استيراد مصطلحات غربية غريبة عن النّص الابداعي العربي المنتج في فضاء وسردية وأصول مغايرة للنّص الغربي».
ولا شكّ أنّ ما وصف الأستاذ غرمول، إشكالية عضال ما تزال منذ أمد، يتقاسمها فريقان، «حداثي» (إن صحّت التسمية) لا يرى حاجة في العودة إلى أعمال القدماء، بحكم أنّ التّاريخ تجاوزها، وتراثي (إن صحّت التسمية كذلك) يدعو إلى إحياء المادة النّقدية العربية القديمة، واستلهام نظريّة للأدب منها، غير أنّ العجب هنا، هو أنّ هذه الإشكالية تتواصل دون أن تنتج شيئا ذال بال، فالأصل، في التّطور الفكري، أن يتعاون على مادته فريقان، واحد للمحافظين، وآخر للمجدّدين، كما كانت الحال على الدّوام، وإن كان تعاونهما صراع فرسان، لا تنابز غيلان، لأنّ نقاش هؤلاء جميعا، هو الذي يفضي إلى تفكيك الإشكاليات، وتوفير الأدوات التي تكفل للأدب أداء وظيفته كما ينبغي له.
ولقد أسعدنا كثيرا أن غرمول، كما عرفناه دائما، فتح الباب للنقاش الحرّ، وطرح السؤال الحصيف، دون أن يتّخذ موقفا صارما، فالمقام أكبر من المواقف الصّارمة، وليس من حاجة تدعو إلى الصّرامة، ما دامت الغاية سامية، والهدف نبيل، والمبتغى البحث عمّا يخلّص النقد العربي من إشكاليات متراكمة تحدّ من أدائه، وتعطّل وظيفته، وتجعله أشبه بركام من الكلام، خاضع لـ «الشّلة»، مستكين للأقارب لا يتجاوزهم، يحابي هذا ويتقرّب منه، ويناور ذاك وينفر عنه، حتى تميّع «النّقد» في ذاته، وأفلتت منّا تعاريفه، وغرقت ساحتنا النقدية في «غموض» يبحث عن التبرير، أو «تفسّخ» يباهي بالمعرفة.
ولقد عرف غرمول كيف يلخّص أوجاع ساحة النّقد، ضمن الإشكالية المطروحة على مونسي، فقال إن «الأدوات النقدية الحالية التي تستدعي نظريات ومفاهيم مشبعة بالأطروحات الغربية، توغّلت في عوالم بعيدة وغير متفهّمة للنص المنتج في مدارنا الإبداعي»، ووصفها بأنّها «حشد وإسقاطات لنظريات وقواعد ومصطلحات لا علاقة لها بواقعنا الإبداعي»، وهذا - يقول غرمول - «يجعلها غير فاهمة ولا متفهمة لكتاباتنا»، فـ «الناقد» العربي عموما، لم يعد يمتلك الأدوات التي تكفل له النفاذ إلى عمق النصوص واستكناه دواخلها، واستخراج دررها، حتى كأنه صار يضع الفكرة المستطيلة في الرأس المستديرة، ثم يدعوهما معا إلى التّطابق، على رأي جبران خليل جبران.
من هذا المنطلق، يرى غرمول أنّ الجيل الجديد من النّقاد، يمكن أن يعود إلى «التراث النّقدي العربي»، و»إحياء بعض النظريات والقواعد والمصطلحات التي ما زالت تتلاءم مع بيئة النّص العربي في العصر الحديث»، وهذا ما يدعو إليه فريق التراثيين على كلّ حال، غير أنّ غرمول، يستدرك، بورع كبير، قائلا: «لا أعرف إن كان ذلك ممكنا»، ولكن العودة إلى منابع النّص - يقول صاحب «رسول المطر» - واجب، من أجل «البحث عن قواعد أكثر أصالة وتفهمًا، لدفع الإبداع على طريق التجديد والتحديث»..
عربي وأعجمي!!
بقي غرمول وفيّا لأسلوب كتاباته، ومناقشاته، ولقد ذكّرنا مقاله بكلمة أثيرة في «أدب الكاتب» لعبد الله بن مسلم ابن قتيبة، أثار فيها نفس الإشكالية تقريبا، فقدّم تحليلا لمقولة: «أول الفكرة آخر العمل، وأوّل العمل آخر الفكرة»، ثم قال: «فأيّة منفعة في هذه المسألة؟ وهل يجهل أحد هذا حتى يحتاج إلى إخراجه بمثل هذه الألفاظ الهائلة (...) ولو أنّ مؤلف «حدّ المنطق» بلغ زماننا هذا، حتى يسمع دقائق الكلام في الدّين والفقه والفرائض والنّحو، لعدّ نفسه من البكم، أو يسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وصحابته، لأيقن أنّ للعرب الحكمة وفصل الخطاب».ا.ه
وواضح أنّ مولانا ابن قتيبة، يتحدّث عن وعي بالغ، فهو في نقده لـ «أرسطو»، يتكلّم من منطلق الجديد الواثق، المؤمن الصّادق، العالم بالمناهج والإجراءات والأدوات، ولكنّه، على ورعه، لم ينتبه إلى طبيعة «الاشتغال الذهني»، ولا إلى الفوارق التّاريخية والحضارية عموما، ولا إلى متطلبات «الانتقال» وسيروراته في التاريخ، بل إنّه لم يضع في حسبانه أهمّ إشكالية ما يزال النّقد العربي غارقا فيها إلى يومنا هذا، وهي واقع «الترجمة» وإشكاليته التي يضيفها إلى الصّرح النّقديّ العربيّ، ولعلّنا نتفق أن ابن قتيبة يبالغ كثيرا حين يفترض أنّ أرسطو «يعدّ نفسه من البكم»، فهذا أبعد من أن يكون شأنه، وكان أولى أن يردّ صاحب «أدب الكتاب» إلى سلوك المترجمين وقرائهم، لا إلى صاحب العمل نفسه، ونضرب هنا مثلا بـ «بويطيقا» أرسطو، بين ترجمة ابن رشد صاحب «فصل المقال»، وترجمه الفارابي وابن سينا، فنجد قارئ ابن رشد يتماهى مع أرسطو، حين يقول: «الشعر قسمان: مدح وهجاء»، فيعتقد أن البويطيقا تصف الشعر العربي المدوّن وتوافقه، بينما يكتشف في الترجمتين الأخريين أن أرسطو يقول: «الشعر قسمان: طراغوذياوقوميذا»، فيحسّ بأن الألفاظ (هائلة)، والأوصاف سقيمة، والمعاني مستعصية، وهكذا يتبنى ترجمة ابن رشد، فتُلقي به بعيدا عن مقاصد أرسطو، وتغمض عليه مفاهيمه المؤسّسة، وهو يحسب بأنّه أحكَمَ عقالها، وأحاط بها، فتفوت عليه الفائدة مع من فضّل الاقتراض من اللّغة اليونانية، فلا يدرك أنّ (طراغوذيا) لا علاقة لها بـ «المدح»، وأن (قوميذا) بعيدة جدا عن الهجاء، وأن الشعر الذي يعرفه، إنما هو ما وعد أرسطو بأن يتكلم عنه، ولم يصلنا شيئا من كلامه؛ ذلك لأن «البويطيقا» لم يكن كتابا في أصله، وإنّما هو مذكرات اعتمد عليها أرسطو في التدريس، وفق عبد الرحمن بدوي..هذه واحدة..
أما الثانية فهي متعلّقة بـ «التفاوت التاريخي» بين الأمم، ولعل نتّفق مرّة ثانية، أنّ «الأدب» إنساني خالص؛ ذلك أنّ وظيفته وأدواته وإجراءاته وطبيعة بنيته، هي نفسها في جميع أنحاء العالم، فإن فات ساحتنا النّقدية أن تفيد من «بويطيقا» أرسطو، فليس ينبغي أن تتّخذ منه مشجبا تعلّق عليه تقصيرها، فالناقد العربي لم يجد بين يديه - لظروف تاريخية معروفة، لعلّها امتدت إلى غاية الثمانينيات من القرن الماضي - تلك النّصوص التي تولاها أرسطو بالدّراسة، مع أنّها موجودة، ويمكن التعامل معها بمختلف المقاربات، وهذا ما جرّبناه على «قصة الملك سيف التيجان»، فاستجابت إلى كلّ المعايير النّقدية بمنتهى السّلاسة، فإذا قلنا - على سبيل المثال - إن الرّواية منتج غربي، فهذا لا يعني أن الغرب وحده هو الذي ينتجها، وإنما هي سيرورة تاريخية لم تكتمل بالحاضنة العربية، فجاء من يكملها، ويواصل بها مسار الكتابة، وهنا، نقول عن بيّنة، بأنّ الحاضنة اللّغوية العربية، أعدّت لـ «الرواية» جميع ما تحتاجه بداية من القرن الرابع الهجري (القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين)، وحضّرت لها «الكتابة» و»النثر» وعمودها الأهمّ..»السّخرية»..في أعمال عمرو بن بحر الجاحظ، وبديع الزّمان الهمذاني، وآخرين كثيرين أبدعوا في الصّياغة، وتفوّقوا في التّركيب والتّصوير، ووضعوا أسس الأعمال الروائية، لتحلّ - كما هو مقتضى التاريخ - محلّ «الملحمة»، لكن السيرورة التاريخية انكفأت لظروف قاهرة لا يملك معها الأدباء والكتّاب سوى الصّبر إلى أن يحقّق التّاريخ غايته.
مسألة النّقد إذن، ليست مسألة عرب وعجم، ولا شرق وغرب، فـ «النّقد» يتطوّر بتطوّر الأدب، فإن بدا أنّه يصنعه ويقوّمه، فإنما مردّ ذلك إلى قدرة النقد على اكتشاف ما نسميه اليوم «الإبداع الظّاهر» الذي يفرض سطوته على كل ما يحيط به من إبداع، فإذا جاء التاريخ بأعمال ميخائيل باختين، وحدوده التي وضعها للرواية، فليس ينبغي أن نطمع في العثور على أدوات قراءة أفضل في تراثنا، وإن كان زاهرا، ويستحق أن نكبره ونعتزّ به، فالمسألة هنا متعلّقة بسيرورة تاريخية كاملة، ينبغي أن تتوفّر لها ظروفها التي تستفزّها وتحرّكها، وليست مجرد قرار نتّخذه في لحظة معيّنة من التاريخ.
هذه مشكلة..
ما دام الأدب إنسانيا، فالنقد إنساني بالضرورة..هذا ما لا يجب أن نختلف فيه، تماما مثلما لا يجب أن نختلف بأن مسألة المعرفة متعلّقة بـ «التراكم»، وليست كمّا مكتملا نقطف منه ما نشاء وقتما نشاء، ولا نشكّ مطلقا بأنّ المشكلات التي تتّقد بها ساحتنا النّقدية اليوم، لم تكن لتطرح حتى قبل القرن الرابع الهجري، ويمكن أن نستدلّ على هذا بعناوين الملتقيات العربية، والأسئلة غير المدروسة التي تطرحها، كمثل سؤال انتقال الرواية الجزائرية من المحليّة إلى العالمية، وسؤال المفارقة والكرنفالية والتجريب، وغير هذا من لغو القول، ولو أنّنا نتوقف لحظة عند «العالمية» - على سبيل المثال - فإنّنا سنجد كثيرين يراهنون على تليين المفاهيم، وتطويعها، كي تخضع للنهايات التي حدّدوها مسبقا لقراءاتهم، عوضا عن الالتزام بالحدود المتعارف عليها عالميا، فالواحد من النّقاد عندنا، صار يرى رواية عربيّة ترجمت إلى لغات متعدّدة، فيتعامل معها على أنّها عالمية، ولا يدرك مطلقا أن «العالمية» متعلّقة - في أقلّ تجلياتها - بالمنتج الفلسفي، مرتبطة بتراتبية سلّم القيم، ولا علاقة لها بتنويعات لغات القراء، هذا إن كان فعلا هناك قراء، وأن الأمر يتجاوز «المجاملة»، حتى لا نقول إنه متعلق، حصرا، بأغراض أنثروبولوجية محض، إذ ليس يُعقل مطلقا، أن يبلغ الأدب مستوى عالميا، حين لا تكون له خلفية فكرية يتأسّس عليها، ورؤية واضحة يرجع إليها، وإضافة هامّة يقدّمها إلى العالم.
ولن نبتعد عن «بويطيقا» أرسطو، فهذه نجدها في اللغة العربية، «شعرية» و»إنشائية» و»سردية» وما شاء الله من المصطلحات التي تعتمدها فرق النّقاد، وهي مع كلّ فريق تصطنع من الألفاظ «الهائل» (بلغة ابن قتيبة)، فتغمض على المتلقّي ما ينبغي أن يأخذه، وهذا بالضبط ما يحدث مع جميع الأعمال النّقدية الرائدة، ومفاهيمها التي لا يمكن أن تتوفر، بأيّ شكل، في التراث العربي، غير أن الأديب والنّاقد العربيين، يقعان على الواحد من المصطلحات، فيأخذان المعنى السطحي منه، ويغرّدان كما يشاء لهما، خبط عشواء، دون خلفية فلسفية واضحة، ما ينتهي بالضرورة إلى ما وصفه غرمول بـ»حشد وإسقاط النظريات والمصطلحات» على واقع إبداعي لا يستجيب إلى تلك الإسقاطات بالضّرورة، وهذه الحال تصنع لـ «الناقد» صورة المتحامل على الأعمال الأدبية، حتى إن كانت نيّته حسنة، ومطلبه نبيلا.
تطوّر بـ «أثر رجعي»..
ولسنا نشكّ مطلقا بأنّ النّهل من التراث النّقدي العربي، والاعتزاز به، مفيد، تماما مثلما هو الإلمام بالنظريات الغربية الحديثة والإحاطة بها، فالعمل الأدبي العربيّ، هو تواصل للتراث على مستوى الانسان، وهو منتج لسيرورة انتقال تاريخية، غابت عنها - مع الأسف - حاضنتنا العربية، وعلى هذا، فإنّ دعوة التراثيين إلى الاكتفاء بـ «ثراثنا النّقدي»، ليس سوى الوجه الثاني لدعوة الحداثيين إلى «إلغاء التراث»، وهما معا، يقومان بنفس الوظيفة، دون وعي، ويعطّلان الحركة النقدية، بل يغرقانها في دوامة من المغالطات النّظرية، ومتتالية من الأخطاء المعرفية، لأنّها معا، لا يعتبران بالمسار العام للتاريخ، ويبذلان معا، جهودا جبارة من أجل فرض رؤية بعينها، ولا يعلمان أن المسألة فيما هو انساني، لا يمكن أن تقول بـ «الحقيقة المطلقة»..
ولسنا نأتي بجديد، إذا قلنا إنّ المستوى الفكري الذي بلغته الحاضنة العربية في القرن الحادي عشر، إنما هو مستوى أرسطو في القرن الثالث قبل الميلاد، مع إضافات لها أهميّتها القصوى، بدليل أن ألفريد دو ساريشيل ترجم كتاب «الشفاء» لابن سينا، وأضافه إلى واحد من كتب أرسطو، ومثله كتاب «سرّ الأسرار» لسليم أبي العلاء الذي ترجمه روجر بيكون، فبدا كأنه رسالة من أرسطو إلى واحد من تلامذته، وكتاب «الغائيات» الذي ترجمه بروكليس، ولا يشكّ أحد بأن أصله عربي، رغما عن توما الإكويني الذي ظل ينسبه إلى صاحب «حدّ المنطق»، وعلى هذا، لا ننتظر أن نجد عندنا، ما وصل إليه ميخائيل باختين وجورج لوكاش، ولا ما أعدّه الرومانسيون والواقعيون والطبيعيون، ولا الفتوح العلمية الكبرى التي تحقّقت في غيابنا، ونحن في غيهب من التاريخ أطلق عليه مالك بن نبي اسم «عصر ما بعد الموحدين».
أمّا التاريخ، فهو عند ابن خلدون بحاضنتنا العربية، لا يختلف عن التاريخ عند الأب فيكو بإيطاليا، فإذا توصّل العالم إلى تصوّر جديد للتاريخ، مع تشارلز داروين، فصار تطورا على استقامة، فهذا ليس انتقاصا من ابن خلدون وفيكو، وإنما هو ما يتمأسس على رؤية لها مرجعياتها الفكرية، وأبعادها المعرفية، وكان ينبغي للحاضنة العربية أن تتجاوز المسار الحلقي الذي وضعه ابن خلدون وتبعه فيكو، إلى مسار حلقي متصاعد، يلغي فكرة «التّدهور»، ويؤسس لـ «التطوّر»، دون حاجة إلى المزايدة بما هو مكسب فطري (طبيعة اللسان)، واعتزاز موروث لا يغني شيئا، بل ينتج كثيرا من المغالطات التي تتحوّل إلى حقائق مكتسبة، نلقي عليها ألوانا من الثوابت، تنتقل بنا إلى حاضنة النضال، وتحرمنا حاضنة المعرفة.
خـــــتــــــامـــــــــا..
ولعلّنا قصّرنا - في هذه العجالة - ونحن نحاول أن نشرح الإشكالية العضال التي طرحها عبد العزيز غرمول، وما انتهت إليه من تخبط بين شرق وغرب، وعجز عن التّوصل إلى المكنون الأدبي العربي، والإحاطة بالأعمال الأدبية التي تكابد المشاقّ كي تؤدّي وظيفتها كاملة، دون أن تجد النّاقد الحصيف الذي يعينها، ولا القارئ المتمرّس الذي ينفذ إليها..قد نكون قصّرنا انصياعا لفروض النّشر، ولهذا نرفع دعوة إلى جميع النّقاد كي يسهموا في الموضوع، عسى يفتح الله برؤية أوضح، تكون قاعدة لبناء فريق ثالث، بين التراثيين والحداثيين، يتجاوز المغالطات، ويستعيد المفاهيم، ويقوّم مسار النّقد..
هذا آخر ما جرى به الراقن على ورقة افتراضية، فقد تجاوزنا الورقة والريشة والقلم، ولكن كثيرين ما زالوا يصرّون على افتتاح رسائلهم بالقالب القديم: «أرفع قلمي لأكتب..»، ولو أنهم يقولون: «أجلس قبالة راقني...» أو «أحرّك أناملي على راقني...»، لكان التعبير أنيقا، والتفكير متّسقا، والصّورة صحيحة..