جعلت الفنانة التشكيلية وفاء ريزوق زغلاش من جمال المرأة الجزائرية في زيّها التقليدي الأصيل، عنوانا للوحاتها وانطلقت في عالم الإبداع بتكوين عصامي، لتجسد عددا من الأعمال الفنية غاية في الروعة، وتؤكد بالألوان ودقة تشكيل الملامح عراقة بلادنا وتنوع الثقافات فيها.
قالت الفنانة وفاء أن انطلاقتها في عالم الألوان كانت منذ الصغر، ورغم أنها اختارت اختصاص اقتصاد نقدي وبنكي في دراساتها الجامعية، إلا أن حلم الطفولة لم يفارقها أبدا، وأكدت “لغتي في الحياة هي الريشة والألوان، وأنا منذ الصغر أحب الرسم كثيرا، كنت أقضي معظم أوقات فراغي في الرسم لأمسح فراغ الوحدة ولأهرب من هذا العالم وألجأ إلى الورقة والقلم والألوان”.
المرأة فاعل وشريك استراتيجي
اعتبرت محدثتنا أن فترة الحجر المنزلي كانت مفيدة جدا بالنسبة لها، حيث ساعدتها كثيرا في صقل موهبتها أكثر واستطاعت خلال مدة قصيرة أن تصنع خطها في الفن وأن تجعل من المرأة موضوعا للعديد من لوحاتها، بالاستعانة بتجسيد وجوه نساء جزائريات في جنوب وشرق وغرب وشمال البلاد بالألوان الزيتية على القماش، وتعتمد في ذلك على المدرسة الواقعية والانطباعية، لتخرج أعمالا فنية تدفع المتفرج للوقوف والتمعن في تضاريس الوجوه وجمالها وألوانها وملامحها التي تأخذك كل منها إلى مكان في شبر هذا الوطن، وتتنقل بك لجغرافية أخرى للحظات.
وترى المبدعة الشابة أن سبب اهتمامها بالمرأة في لوحاتها، يعود إلى كونها عنصرا مهما وحاضرا في كافة أشكال الفنون الإبداعية، في الشعر والأدب والملاحم الأسطورية، في كل العصور، حضرت المرأة في الآداب والفنون، على نحو أبرز قدرتها الحيوية كفاعل وشريك استراتيجي في كافة مكونات وأسباب الحياة، مضيفة بأن المرأة رمز للخصوبة والنماء والحب، اكتسبت ميزات وخصائص وكياناً له دوره في كافة نواحي الحياة، حتى أضحى حضور المرأة خاصة في الفنون التشكيلية يتجاوز تلك النظرة الضيقة التي تبرزها كجسد أنثوي محض يثير الغرائز، إلى حضور أكثر رصانة وحيوية، حضور يتجاوز النظرة النمطية أو الاستشراقية التي تركز على المرأة كرمز للدهشة والإثارة، إلى كونها امرأة مبدعة وشريكة أصيلة في كافة الأدوار التي تؤكد مكانتها الرئيسية في النهوض والتطور، كما أكدت محدثتنا.
وعن بعد المرأة الجزائرية التقليدية في لوحاتها، فعلى حد قول الفنانة وفاء ريزوق زغلاش تعد المرأة الجزائرية في لباسها التقليدي، رمزا للأصالة والعزة والحشمة والفخامة، مؤكدة بهذا الصدد “عندما أرسمها أتعمق في اللوحة وأعيش تفاصيلها الجميلة بالحلي واللباس التقليدي، تضارب الألوان وتفاصيل الملامح، يبرز حصة عالية من الأنوثة وبحسب الدراسات، فإن المرأة عند ارتدائها الزي التقليدي هي تعبر عن أنوثتها وتستعرض جمالها وتبرزه بشكل لافت للانتباه”، مضيفة “وكوني رسامة تعشق التقاليد وتعتز بتراثنا، لا أجد نفسي سوى أعتمد على هذا الأسلوب، وذلك للحفاظ أيضا على تقاليدنا وتمسكا به وبالهوية والتراث الضارب في عمق الحضارة”.
وفي نفس السياق، قالت إن أهمية الوجه التقليدي للمرأة أخذ حيزا مهما من مواضيع لوحاتها، لأنه جزء لا يتجزأ من التراث، والتراث وأحد من المقومات اللازمة لتشييد الحضارة، فهو ضروري لتطوّر الحضارة، مؤكدة أن الزي التقليدي أداة للتعريف بالأمم ورمز لتميزها وتفردها وهو خير شاهد على درجة وعيها وعلى تنوّع الحضارات المتعاقبة عليها، ويعد مصدرا للإلهام أيضا، وذلك نظرا لفخامته وتاريخه، وأضافت أن لباسنا التقليدي غني بالألوان وتتنوع الزخرفة فيه وجمال الحلي بشكل يبرز إبداع المرأة، بالإضافة إلى تفننها في وضع مساحيق التجميل والوشم بالألوان والأشكال المتنوعة التي زادتها رونقا الحلي الفضية والذهبية.
دعم المرأة واحترام أفكارها
مسار الفنان لا يخلو من بعض الصعوبات والتحديات، من جهتها حدثتنا الفنانة التشكيلية وفاء ريزوق عن بعضها، مشيرة إلى أن المرأة في العديد من المجالات تعترضها صعوبات للاندماج بشكل كامل وفي الفن التشكيلي كذلك، حيث يلعب بحسبها نقص الوعي الثقافي في مجتمعنا عاملا كبيرا في دعم هذا التوجه، مشيرة إلى أن اقتحام هذا المجال بالنسبة للمرأة يشبه الدخول إلى معترك، ومن بين الصعوبات التي تواجهها في هذا المجال مثلا رسم الجداريات التي من المستحيل أن ترسمها امرأة وان اقتحمت الرسم تجد صعوبات في التنقل للمشاركة في المعارض الوطنية والدولية إلى غير ذلك.
من هذا المنطلق، تأمل المتحدثة بأن تحظى ولاية ورقلة بمدرسة للفنون الجميلة، حتى يجد هذا الفن مساحة أكبر، خاصة أن ولايتنا تعتبر عاصمة الجنوب كما قالت، وهي تطمح اليوم لإنشاء ورشتها الخاصة لنشر ثقافة الفن ولتزيين بيوت العائلة الجزائرية باللوحات الفنية التي تعبر عن تراثنا، مؤكدة في الأخير على أن المرأة قبل أن تكون فنانة، يجب دعمها واحترام أفكارها وحريتها ولممارستها فنها وتخصيص فضاءات لتبدع فيها واحترام شغفها وتوجهها الفني والحسي، على اعتبار أنها المنبع الرقيق والحساس ويجب دعمها معنويا وماديا.