الكاتب أحمد دلباني لـ»الشعب»:

لم أشارك في معرض القاهرة ومؤلفاتي عُرضت في جناح سوري

حاوره: عمر بن سعيد

تجربة النشر في الجزائر لا تزال فتية ومتعثرة

أكد الكاتب أحمد دلباني أنه لم يشارك بصفة شخصية في معرض القاهرة الدولي للكتاب في طبعته الأخيرة، مشيرا في حوار مع «الشعب» أن عرض مؤلفاته كان بمبادرة من دار «التكوين السورية» التي تقوم بطباعة وتوزيع إصداراته، ليتوسّع السؤال إلى حوار تناول مشكلات النشر وأزمة الكتاب والمقروئية وتمثيل الجزائر في التظاهرات الثقافية والفكرية..

«الشعب»: حدثنا عن مشاركتك في معرض القاهرة الدولي للكتاب؟
أحمد دلباني: في الحقيقة أنا لم أشارك في هذه الطبعة من معرض القاهرة الدولي للكتاب لا بصفة شخصية ولا في جناح وزارة الثقافة والفنون الجزائرية، وإنما عُرضت بعض مؤلفاتي الدمشقية في جناح دار التكوين السورية، ومن المعروف أنَّ هذه الدار - التي تكلفت بطبع دراساتي الأدبية والفكرية - حاضرة بقوة في كل المعارض العربية الكبيرة للكتاب.

- وماهي العناوين التي عرضت لك؟
 أما عن مؤلفاتي المعروضة بجناح هذه الدار فهي: مقام التحوّل (هوامش حفرية على المتن الأدونيسي)، موت التاريخ (منحى العدمية في أعمال محمود درويش الأخيرة)، قدَّاس السقوط (كتابات ومراجعات على هامش الربيع العربي)، رمل اليقين (المجتمع العربي وأسئلة الثورة والديمقراطية).. وهي كلها منشورة، كما سبق أن أشرت، بالعاصمة السورية دمشق، وتستطيعُ أن تلاحظ، أنها أبحاثٌ ودراساتٌ تختلف في مضامينها بين القراءة النقدية لبعض مُنجزاتنا الإبداعية الحديثة والبحث الفكري – السياسي بالمعنى الفلسفي الذي يتناول أسس إخفاقاتنا الجماعية في ولوج الحداثة.  

- كيف تنظر إلى هذا المشهد اعني كُتاب جزائريون تعرض أعمالهم في أجنحة دول أخرى؟
 كما سبق أن قلت لم أشارك في هذا المعرض، ومؤلفاتي لم تكن موجودة بجناح وزارة الثقافة والفنون، أقول هذا في انتظار ترسّخ تقاليد إدارية وفنية أخرى تسمح للأسماء الأدبية والثقافية الفاعلة في الساحة بأن تكون في طليعة من يمثل الجزائر في المحافل الثقافية النوعية. ولكنني لا أريدُ، أن يُفهمَ من كلامي هذا اعتقادي ـ على شاكلة البعض من مثقفينا ـ بخلاص يبقى رهينَ قرارات الوزارة التي بإمكانها أن تنتشل وجودنا الثقافيَّ الباهت من وضعه الكارثي وتمسحَ الشحوب عن وجهه، هذا خطأ فالحراك الثقافيُّ المأمول لا تصنعه الإدارة والمناسباتية والشعاراتُ وفقرُ الخيال.
على الحياة الثقافية أن تتحرَّر لأنها شأنٌ اجتماعيٌّ حيوي يرتبط بالمجتمع المدني، وتعبيره عن هويته العميقة وعن أصالته وصوت الحياة فيه. الثقافة هي ما يترسَّبُ في تاريخ الشعب ويمنح وجوده أصالة وتفرداً ومناعة أمام امتحان الزمن والآفات.

-  وكيف تفسّر ظاهرة لجوء بعض الكتاب المتميزين للنشر بالخارج؟
 هذا الأمر لا يتعلق بالوزارة أو بالإدارة الجزائرية، إلا على مستوى ضيق يعكسُ ذهنية ريعية سائدة من جهة، وفشلا في التأسيس لمجتمع حركي يكون فيه البُعد الثقافيُّ اقتصاداً يستثمر في ازدهار الإنسان، والكشف عن طاقة المجتمع الكامنة في الاحتفاء بالحياة أو سبر تحولات المعنى بالمفهوم العميق، كما نلاحظ في المجتمعات الحية. فما الذي حدث عندنا؟ أولا لاحظنا - منذ عشريتين على الأقل - هرولة من قبل الكثير من «الناشرين» الذين لم يكن يهمهم الاستثمارُ في الكتاب والنشر، وإنما استجداء وزارة الثقافة التي نصّبت فخا يسمى «صندوق دعم الإبداع» مثل رمال متحركة والنتيجة؟ أكداسٌ من المؤلفات المنشورة  والتي لم تصل إلى القارئ من جهة؛ وأشخاص لا علاقة لهم بالثقافة انتفعوا من ريع الوزارة والمال العام من جهة أخرى.
أقول هذا وأنا أريد الذهاب عميقا نوعا ما في التحليل كي أعرج على مشكلة تتجاوز ذهنية الانتفاع ومنطق العلاقات، إذ أعتقد أن حقبة الأحادية والاشتراكية في الجزائر - منذ السبعينيات - أورثتنا تفكيراً يجعل الدولة وصية على كل شيء ولا يسمح للمجتمع المدني - الذي لم نكتشفه إلا بعد 1988 - بالتعبير عن نفسه والدفاع عن مصالحه في شتى المجالات. من هنا لم نشهد ازدهاراً لسوق النشر، ولك أن تلاحظ أنه إلى اليوم لا نعرف حركية حية للنشر لأسباب كثيرة يصعب حصرها.
وهنا أود الإشارة إلى أمر مهم: لا ازدهار للحياة الثقافية في ظل احتكار النشر والنشاطات الثقافية المختلفة، فوجب أن يتحرَّرَ ذلك ضمن مشروع شامل تتبناه الدولة نحو ترسيخ قيم المجتمع الجديد المُحرِّر للطاقات، بالمعنى الحقوقي الإيجابي الذي لا يقفز، بالطبع، على واجبات الدولة الأخرى، وبخاصة الجانب الاجتماعي. فما دخلت الوصاية في شيء إلا أفسدته ودجَّنته وجعلت شرايينه متصلبة لا تجري فيها دماء التوثب والتعبير.

- هل المقروئية في بلادنا ليست بخير؟
 هذا أمر أود، أيضا، الإشارة إليه بقولي إنَّ تجربة النشر في الجزائر بالمعنى الذي أشرت إليه لا تزال فتية ومتعثرة وربما أسهم في تعثرها ـ ضمن أسباب أخرى كثيرة - ضمورُ المقروئية في المجتمع وعدم تمكن المؤسسات التربوية والجامعية من إنتاج القارئ المأمول. ربما كان هذا فشلا معقداً. وأعتقد جازما أننا لا نختلفُ أبداً أثناء تشخيص واقعنا الثقافي، من ضرورة الإشارة إلى الدور السلبيِّ لتراجع التعليم أمام التحديات التي تنتظر المجتمعَ في عالم تحكمه المعرفة وقيمُ الابتكار والمنافسة.

- إذن هذه الأسباب التي دفعتك للبحث عن نشر مؤلفاتك في الخارج؟
 هذا من بين الأسباب المؤكدة التي دفعت إلى النشر في الخارج، والبحث عن الحظوة في الدوائر الثقافية المهمة التي ترسخت فيها تقاليدُ الاعتراف والنشر الجيد والتوزيع والدعاية الإعلامية. أما بخصوص تجربتي الشخصية فقد كان ذلك أمراً يراودني بالطبع منذ بداية دخولي عالم النشر، وهنا أراني ملزما ـ أثناء الحديث عما جعلني أولي وجهي شطرَ المشرق طلبا للنشر - أن أنوّه بما قدمه لي الصديق الكبير الأستاذ أدونيس من مساعدة قبل نحو 15 عاما عندما اقترح عليَّ، بعد اطلاعه على بعض نصوصي النقدية والفكرية، أن أنشر في دمشق أو بيروت على اعتبار أنَّ مؤلفاتي في عمومها تتناول قضايا ومشكلات حضارية وإبداعية تدور في أفق عربي - إسلامي.
وهكذا تكفل صديقي بالاتصال بدار التكوين السورية وتم نشر معظم مؤلفاتي تباعا هناك.
أجدني هنا أيضا مدفوعا مرة أخرى للتنويه بما مثله الأستاذ أدونيس معي فضلا عن كونه صديقا وسنداً إنسانيا. فهو المبدع والمثقف الاستثنائيُّ الذي نشأتُ في كنف عوالمه وفتوحاته وهي توقظ الثقافة العربية على فجر السؤال ومُغامرة الإبداع خارج سلطة النماذج.
أتذكرُ جيِّداً ذلك الهواءَ الغريبَ اللافح الذي غمرني وأنا بعدُ فتى يافعٌ يقرأ أعماله الشعرية، إلى جانب قراءته لمجاميعَ شعريةٍ كثيرة جعلت بعضَ مُعاصريه يوصفون بـ»الرُّواد». ولكنني رأيتُ في كتابته انتفاضة خاصة ونبرة استثنائيَّة لم أستطع تفسيرَهما آنذاك. هي نوعٌ من الرّعب الجميل الذي عرَّفني ببعض مهام الكتابة الحديثة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024