أكّد أستاذ التاريخ أسامة جعيل، أنّ الحفاظ على الهوية الوطنية بمرجعياتها التاريخية مسألة تقع على عاتق العديد من المؤسسات التي تعمل على تشكيل وتنمية الوطنية والمواطنة عند الفرد كالأسرة، المسجد، المدرسة، وسائل الإعلام، إلا أنّ الأسرة والمدرسة تعتبران أهم المؤسّسات في إعداد الأطفال، وتربيتهم على الوطنية والمواطنة، خاصة مرحلة الطفولة، كونها أهم المحطات لغرس المفاهيم والمعارف والقيم، وتنشئة الطفل عليها وجعله عنصراً مكوّناً في بناء شخصيته.
أوضح أستاذ التاريخ بالمركز الجامعي ببريكة الدكتور أسامة جعيل في تصريح لـ «الشعب»، أنّ حملات التشويش والتشكيك في تاريخ الجزائر لم تأت من عدم، وإنما نتيجة إملاءات تصب في سياقات تاريخية عدائية معروفة، خاصة وأن فرنسا الكولونيالية لم تهضم هزيمتها النكراء في الجزائر ثقافيا، دينيا، سياسيا وعسكريا، وحسبه فقد أرجع الباحثون ذلك إلى عدة عوامل منها الإيديولوجية الاستعمارية التي طمست تاريخ وأمجاد الجزائر، تغلب الثقافة الشفوية على الفرد الجزائري الذي لا يكتب، بينما يحمل البعض جزءا من المسؤولية إلى المدرسة الجزائرية.
ذكر ذات المتحدث، أنه في ظل التهديدات من أخطار العولمة ومؤسّساتها، فإن الحل لا يعني الانكفاء على الذات، والابتعاد عن العالم الذي أصبح قرية صغيرة، إنما يعني اكتساب المناعة لكل فرد من خلال تربية وطنية تركز على تزويده بالمعارف، والقيم، والمبادئ والمهارات التي يستطيع بها التفاعل مع العالم المعاصر دون أن يؤثر ذلك على شخصيته الوطنية.
وانتقد الباحث أسامة جعيل واقع المدرسة التاريخية الجزائرية، وتعاملها السلبي مع الثقافة التاريخية بحكم أنّها تمثّل المرجع الرئيسي في بناء الهوية وحمايتها من كل مساس خارجي.
ويرجع صاحب كتاب «طبنة حاضرة إقليم الزاب والمغرب عبر العصور»، أنّ سبب الهجمات الفرنسية المشكّكة يعود الى كون تاريخ الجزائر ظل محل صراع توجّهات، «ونظرا لما اعترض سبيل من صاغوا مقررات البرامج التعليمية من إكراهات جعلت التاريخ يتلبّس بلبوس المرحلة ويتوشّح بزيّها، وهذا ما تحدّث عنه الدكتور لخضر بولطيف في قوله «لا مراء في أنّ حضور تاريخ الجزائر في المقرّرات المدرسية حضور ملتبس، تكتنفه كثير من المحاذير التي تحول دون استثماره في توطيد دعائم الهوية الوطنية، فلا هو يفي بالحاجة العلمية، ولا هو يضطلع بالوظيفة التربوية، وهذا القصور المسجل واكب المنظومة التربوية منذ بواكير سنوات الاستقلال، حيث تجاذبت المادة التاريخية المقررة تيارات متنافرة الأهداف والرؤى، طمحت كل منها إلى توظيف التاريخ بما يخدم إيديولوجيتها النضالية، ولكن الرؤية الاشتراكية أو النزعة القومية ليستا وحدهما، ما أحال التاريخ إلى حلبة صراع.
وفي الأخير، دعا الأستاذ جعيل المهتمين من تربويّين ومثقفين وكتاب الوقوف وقفة تأمل ومراجعة حقيقية للهوية وإعادة الاعتبار للتاريخ كمنظومة قيمية، خاصة بعدما «أصبح درس التاريخ في مقرراتنا شاحب اللون، خافت الصدى».