آخر إصدارات حياة قاصدي

«الموج والحشيش».. رحلة الأجساد المتعبة ولعنة التوابيت

أمينة جابالله

 يتقاسم أغلب المغتربين عن أوطانهم يوميا حزمة من الضغوط والتحدي من أجل ضمان لقمة العيش، وما إن يأخذوا أنفاسهم من تعب يوم لم يمر أبدا مرور كرام، إلا ويجدون أنفسهم في صراع آخر من أجل البقاء، فالمحظوظ منهم سلك درب العلم والمعرفة وأبقى على نفسه ونجا، وذو الحظ العاثر للأسف ماهو إلا لقمة صائغة بين أنياب لصوص الحياة وعشاق الاستبداد ذوي البطون الممتلئة والضمائر المنعدمة.
أصدرت دارالأمير للنشر بمرسيليا رواية « الموج والحشيش » للكاتبة حياة قاصدي، صورت فيها معاناة المغتربين الوافدين من مختلف بقاع الوطن العربي إلى الدول الأروبية،ووصفت قساوة رحلة الموت والمغامرة الفاشلة في ضمان حياة الرفاهية، حيث وضعت يدها على الجرح ووظفت شخصيات غير واقعية لتعالج ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي مازالت تغري عقول الشباب وتزين لهم الضفة الأخرى وتستدرجهم بكل خبث واحدا تلو الأخر لتنال منهم وتحكم قبضتها عليهم والويل لمن عصاها أو تمرد أو أشعرها بأنه كشف الملعوب.
تدور أحداث الرواية حول حياة ومشاكل المهاجرين في فرنسا مع تفشي ظاهرة بيع المخدرات التي يمارسها أبناء المهاجرين وأخص بالذكر الشباب الآتي من الوطن العربي كما تصور ظاهرة الهجرة غير الشرعية وهي الحراقة، التي يموت شبابها بين أمواج البحر، بينما يقتل في فرنسا من جيل الزبدة المهاجرة المئات بسبب تصفية الحسابات.
الهيكل الأساسي للرواية ثلاثي ترابطت أضلعه لترسم مستقبل العلاقات الانسانية في منطقة البحر الأبيض المتوسط (الله الحب الوطن ) صراع الحضارات وانهيار روح المواطنة وتبعثر الذات في شتات الغربة وانهيار مفهوم الانتماء الحقيقي للوطن الأم.
تتشعب الأحداث وتتعقد الظروف ورغم نهاية الرواية المأساوية، إلا أن الانتصار الحقيقي سيكون للفكرة والقيم السامية فمن باعوا الأوطان لن يتمكنوا أبدا من بيع الحب الذي يظل أقوى رباط بين العبد والله وبين الانسان وأخيه،سترتفع راية الحب لتوحد البشر مهما كانت أصولهم ودياناتهم ...في النهاية وحده الله قادر على منح الإنسان الراحة الحقيقية والإجابة المريحة لكل تساؤلاته.
إنها رحلة التابوت القاسية، رحلة أجساد ستمر ذات يوم فوق هذا البساط محملة داخل التوابيت، سيمر من هذا الممر ولن يسمع صراخه الداخلي سوى هذا البحر، البحر الذي أتعبته جراح من سكنوا على ضفافه، وجعلوا منه رحلتهم نحو ما يخفيه مجهول الجزء الآخر، تتذكر السيدة فاطمة عبورها الأول الذي مضى عليه الآن أكثر من خمسة وعشرون عاما، مازالت الذاكرة تحتفظ بكل تفاصيل ذلك اليوم، تترسخ فيها بوضوح أحداثه وحتى مشاعرها وحزنها وهي تضع أولى خطواتها على باخرة طارق ابن زياد التي أخذتها وهي وزوجها نورالدين وابنتها نعيمة ذات الست سنوات متوجهين إلى الضفة الأخرى، ضفة حملت إلينا قوافل الرومان والفرنسيين لنصبح في زماننا هذا نترك أوطاننا لنلتحق بها، كطفل يبحث عن أم بعد غياب أمه وهو يدرك تماما أن الأم لا يكررها القدر مرتين.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024