نشّط د - عبد الرزاق بلعڤروز، مساء أول أمس، ندوة تحمل عنوان «عوائق الفعل الثقافي النوعي، كيف نتغلّب عليها؟»، وذلك ضمن سلسلة الندوات الافتراضية التي ينظمها المنتدى الثقافي الجزائري. وفي هذه المداخلة، التي ابتعدت عن الجمود وغلب عليها الطابع الحواري، رافع أستاذ الفلسفة المعاصرة بجامعة سطيف من أجل فعل ثقافي نوعي يكسّر أغلال الجمود والركود، ويقدّم أفكارا جديدة تتحوّل إلى نمط حياتي للمجتمع.
بدأ د - بلعقروز مداخلته بالتذكير بأن المجتمعات إنما تُعرف بثقافتها، بمفكريها وباحثيها، وهذا هو الشيء الأمثل لأي مجتمع يريد أن يدخل التاريخ.
اعتبر أن كلمة التخلف الثقافي تحيل إلى مفهوم مادي عن الثقافة وإلى تشييء الفعل الثقافي، لذلك لا يجب أن نرى الثقافة بمفردات التخلف والتقدم المادية والاقتصادية، وبدلا من ذلك، فإنّنا نعيش تصدّعا ثقافيا حسبه، فعوالم الثقافة هي عوالم المعنى والقيمة والرمز.
وأشار بلعقروز إلى رسوخ المقاربة الأنثروبولوجية التي تعتبر أسلوب حياة أي مجتمع ثقافة، ولكنه أضاف كلمة «النوعية» حتى ننظر إلى الثقافة باعتبارها أثرا وفعلا في التاريخ، وصفات نفسية وتاريخية لمجتمع من المجتمعات.
بالمقابل، فإنّ المفهوم الذي يحقّق الفعل الثقافي النوعي هو المفهوم المرتكز على القيم والمنهاج والاجتهاد والإبداع وتجديد الهوية، وليس العكس: «على الثّقافة أن تتحرّك وأن تخرج من مفهومها الأنثروبولوجي الساكن إلى مفهومها الحركي والفاعل والمؤثّر». عندما نتبنّى الثّقافة باعتبارها نشاطا نوعيا، وفعلا، وباعتبارها رؤية إلى العالم، وليس المقصود بالعالم الفضاء الجغرافي، بل العالم «هو ما تتركه الثقافة من علامات تدل على تواجد الإنسان في التاريخ»، إذ نقصد بقولنا «العالم اليوناني» قوة الفكر والفلسفة والشعر التي تركها الفلاسفة اليونان، وعندما نقول «العالم الإسلامي» فإنّنا نقصد الأثر الذي تركته كلمة «اقرأ» من خلال صناعة العمران وبناء العلوم، وعندما نقول «العالم الغربي أو الأوروبي»، نقصد بذلك تلك الحركة التي انطلقت حاملة معها عنوانين العقلانية والإنسان والحرية والعدالة والعلم.
«الثّقافة التي لا تصنع رؤية للعالم باعتبارها علامات تدل على أثرها، وعلى تواجدها في التاريخ هي كاللاّثقافة»، يقول بلعقروز، الذي ذكّر باستعمال نيتشه مصطلح الثقافة النوعية، وتمييزه بينها وبين الثقافة التاريخية، وهي تلك الثقافة التي جمّدت الإنسان والفعل الإنساني في مفاهيم ثابتة وقيم موروثة، ومهمة الفيلسوف هنا هي أن يبدع ثقافة جديدة.
من هذا المنطلق، فإنّ بلعقروز حينما يقول عوائق الفعل الثقافي النوعي، فإنه يقصد تلك الصوارف الثقافية والمفهومية والخُلُقية، التي تصرف الفعل الثقافي عن أن يكون فعلا إبداعيا.
إن ملء العالم بالمعنى هي نقطة الانطلاق بالنسبة إلى أي فعل ثقافي، والنوعية لا تختص بالمفاهيم والتصورات فقط، يقول بلعقروز، بل تتعدّاها إلى مستوى الفعل. وباستعمال النوعية على مستوى الفعل الثقافي، يصبح هذا الأخير فعلا إنجازيا لا يختزل في المنافع الاقتصادية أو الفنية، وإنما فعلا مؤثرا يصنع متخيلات اجتماعية جديدة لكي يبني أفكارا جديدة.
كما أنّ المجتمعات التي تريد أن تدخل إلى حلقة تاريخية جديدة، تحتاج إلى بناء هذا الدخول على أفكار، هذه الأفكار تتحول فيما بعد إلى متخيلات اجتماعية، وهو ما حدث مع أفكار ديكارت والأفكار الخلقية لدى فلاسفة الحداثة، حيث تحوّلت إلى أسلوب عيش ونمط من الحياة، فالنوعية هنا لا يُقصد بها النوعية على مستوى طبيعة الأفكار والمفاهيم، وإنما على مستوى الفعل الثقافي الذي هو فعل رافع، حافز، يُخرج المجتمع من سكونه وثباته. وهناك فرق بين مجتمع لا تنتشر فيه القراءة بصورة إيجابية ولا يقدر الفنانين، وبين مجتمع آخر يعتقد بأنّ روحه ومعنوياته إنما تكون بهذه القدرات الثقافية التي تحرّك المجتمعات والتاريخ.
للإشارة، فإنّ ما نقلناه من أفكار في هذه السانحة، ليس سوى جزءٍ يسير من المداخلة والنقاش الذي صاحبها، لذلك فإن بإمكان كلّ راغب في الاستزادة حول هذا الموضوع الاطلاع على الصفحة الاجتماعية للمنتدى الثقافي الجزائري.