غنّت «توحشناك» ونغني لها «إفتقدناك»
تودع الجزائر، اليوم، وتذرف دموع الفراق، على صوت غناها، وحمل مآسيها، وأفراحها، صوت قاسم الشعب الجزائري في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كل أحلامه، وهمومه وتطلعاته.
إنطفأت البارحة شمعة المطربة نورة، وغيّبها الموت من باريس بعد معاناة مع المرض، لتسقط ورقة خريفها، ونودع ربيعها الزاهي ،بعد ٧٢ سنة من العطاء، ترحل صاحبة الحنجرة الذهبية، والصوت الشجيّ والبحّة التي تتشابه مع غيرها من الأصوات.. تغادرنا ابنة شرشال ـ الفقيدة باجي فاطمة الزهراء ـ المعروفة في الأوساط الفنية باسم نورة، صانعة مجد الأغنية الجزائرية، مع رفيقات دربها ورفاقها من المطربين، وهي زوجة الفنان كمال حمادي، هذا الزوج الذي منحها سلطة الكلمات والتلحين، وساندها ودعّمها طيلة حياة زوجية أثمرت ولدين: (جمال وماجدة).
نورة الفنانة.. نورة الأم.. نورة المناضلة.. نورة الحاملة لهموم أبناء وطنها من خلال أغانيها، وهي تدخل بيوت الجزائريين عبر الأثير الإذاعي، والبث التلفزي (الأبيض والأسود)، وتجتمع الأسرة جميعها وهي تصيخ السمع، لهذا الصوت الصدّاح وهو يغني «يا رب سيدي واش عملت أنا ووليدي.. ربيتو بيدي وأداتو بنت الرومية»، حيث عالجت غربة الهجرة في مرحلة الثورة، ومرّرت رسائل مشفّرة.. وكأنها كانت تشعر بحرقة غيرها.
نورة في آخر تكريم لها، غنت «توحشناك» بقصر الثقافة، حيث أصرّت أن تغني لجمهورها الذي حضر بقوة لمشاركتها هذا الحفل التكريمي، وهي مقعدة على كرسي .. نقول لها اليوم: «إفتقدناك».
من «يارايي يا رايي» إلى «يا ساكن الجنينة» غنت، وتربعت على كل أنواع الطبوع الغنائية، من القبائلي الذي غنته بشكل جيد إلى الصحراوي، البدوي، العصري، وغيرها، وكان حضورها دائما وأبدا بهيا ومتميزا، حيث عاشرت عمالقة الفنانين والمطربين أمثال جميلة القبائلية، بوجمعة العنقيس، سلوى، العماري، شاعو وغيرهم…
مازلت أذكر وأردد أغنية «أنا حبيبي ما ننساه» خلو شمسي ما تشرق، راني في بحر نغرق.
كانت تقدمها بشكل رائع، كلمات نظيفة موزونة، مستمدة من الواقع المعاش.
نورة أيتها الراحلة في عمق التاريخ.. أيتها القادمة من قمم شرشال العظيمة.. وداعا .. وداعا أيتها المرأة العظيمة.. وداعا.. والوداع للأحياء وأنت باقية في الخالدين.
