«الشعب» تستطلع واقع المكتبات في موسم كورونا

معاناة مستمرة وخيار الظهور المحتشم يرسم المشهد

استطلاع: أمينة جابالله

تقلص عدد الوافدين إلى المكتبات التجارية والعامة بسبب جائحة كورونا، وتضاءلت معها نسبة المقروئية، حيث أن التدابير الوقائية التي اعتُمِدت جراء ذلك بقدر ما تدخل في الوقاية وعدم انتشار الوباء، إلا أنها خلفت آثارا سلبية على الشق التجاري. ما بين الغلق المؤقت لنشاطات معظم المكتبات وفتح البعض الآخر، باتخاذ شروط السلامة الضرورية خشية انتقال العدوى، تبقى رفوف المكتبات الحارس الوفي للقصص والروايات وجل الكتب، إلى أن تستطيع الأنامل العودة إلى متعة تصفح محتوياتها فور انتهاء كابوس الوباء.
جالت «الشعب» في بعض المكتبات العامة ذات الطابع التجاري، والتي لها أكثر من 40 عاما في الخدمة المكتبية، البعض منها لا يزال صامدا أمام رغبة التحول إلى أنشطة أخرى ذات طابع استهلاكي كالمطاعم ومحلات الأكل السريع المنتشرة بكثرة لاسيما محلات الألبسة، ومنها من استسلمت للغلق لأسباب عديدة أهمها انخفاض نسبة الإقبال عليها مما أدى إلى تكدس المبيعات وما انجر عنه من خسائر، حاولت «الشعب» رصد أجواء تكيف عمل المكتبات التي تحدت الوضع الصحي الراهن، وما هي أهم العراقيل التي يواجهها أصحابها، خاصة على المستوى الإداري والمالي، وهو الجانب الذي يضمن مزاولة النشاط من عدمه.

إعادة مزاولة النشاط تدريجيا.. حل موفق

قال مصطفى.م، صاحب مكتبة بشارع العقيد لطفي بباب الواد، «إن نشاط المكتبة في هذه المرحلة الحرجة تقلص، ولم تكن الفترة التي أعقبت اجتياح كورونا بلادنا بالهينة أبدا، حيث اضطررنا إلى الغلق التام في أول الأمر والذي ترتبت عنه آثار سلبية نجم عنها نقص في الدخل والمردود، ناهيك عن عدم وضوح الرؤية في كيفية التعايش مع الوضع الجديد أين سمح لنا بإعادة الفتح مرة ثانية من طرف السلطات المعنية، ونحن كما ترون نزاول نشاطنا مع أخذ كل شروط الوقاية رغم الزيارات الضئيلة للزبائن».
وأضاف المتحدث «أن أغلب المبيعات التي كانت مطلوبة بكثرة قبل كورونا تمثلت في الكتب والمجلات العلمية أما بعد الجائحة فتلك المتعلقة بالكتب الثقافية ومؤخرا كثر الطلب على الكتاب المدرسي». وأضاف «منذ أكثر من ثلاثين عاما ونشاط المكتبة قائم، ولكن قبل خمس سنوات أو ما يعادل ذلك قل عدد المرتادين للمكتبة وليس هذا فحسب بل حتى نسي سكان الحي بأنه تتواجد مكتبة ووراقة بها ما يحتاجونه من كتب من مختلف المجالات، فالأمر سيئ ما قبل كورونا وأصبح أسوأ ما بعده والحل أكيد بيد الجهات الوصية».

إرساء قواعد مستحدثة لتسهيل دفع الضرائب المطلب الضروري

من جهته، أوضح سخي قاسي وهو المشرف على مكتبة «المدينة المنورة « بشارع حسيبة بن بوعلي، «أن الحالة التي آل إليها الوضع نتيجة غياب تفاعل الزوار والوافدين إلى المكتبة إثر الحجر الصحي، قائلا « وصلنا إلى وضعية متردية وجد مزرية من تداعيات كوفيد 19» حيث سمحت الجائحة يضيف «بتوسع الهوة بين الكِتاب ورواده فلقد كان الوضع في السابق يحسد عليه، حيث كان الزبون يجد ضالته وهو يتصفح بكل حرية العنوان الذي يراه مناسبا حيث كان من غير المسموح أن يتناول الزبون الكتاب قبل اقتنائه بأيام، أو أن يعيده، إن لم يناسبه السعر، أما اليوم فمن غير الممكن أن يتجرأ على قراءة الغلاف أو قراءة فهرسه كما يُفعل عادة إلا وهو متجنب العدوى، وفي أغلب الأحيان تقتصر أسئلة الزوار الذين هم قلة قليلة وقليلة جدا بحيث لا يتعدون عتبة المكتبة على هذه العبارة « هل الكتاب الفلاني متوفر؟».
وفي سؤال حول كيفية تسديد الضرائب المترتبة عن نشاط المكتبة قال «تعتبر مكتبة المدينة المنورة في المرتبة الثانية من حيث كلفة الضرائب التي أنهكت كاهلها فكراء المحل لوحده يقدر بقيمة باهضة ناهيك عن الإجراءات التي تدخل في الجانب الإشهاري الذي أرهق مردود العمل بشكل كامل فلو كانت هناك تسهيلات من حيث دفع الضرائب على الأقل في هذه الفترة التي مست كل القطاعات لتمكنا من بعث انتعاشنا من جديد وهو ما نلتمسه من السلطات المعنية فالمقروئية كانت في خطر والآن هي تحتضر ونحن وعائلاتنا في انتظار لفتتة ممن يهمهم الأمر».
إنشاء معارض في الساحات العمومية بشروط وقائية
أدرج كل من «جدو إبراهيم» و»محمد رضا» سبب ركود نشاط مكتبة «المعرفة» الكائنة في باب الواد في ظل أزمة كورونا إلى التخوف الشديد للزبائن من انتقال العدوى إليهم مفضلين اللجوء إلى الكتب الإلكترونية وهذا كان عند بدء تفشي الفيروس وبصفة سريعة جدا.
ولكن بعد صدور بيان إنهاء الحجر الصحي عاد توافد الزوار ولو بنسبة تكاد تحسب على الأصابع، إن لم نقل على اليد الواحدة، حيث كانت الروايات والقصص المترجمة، أو بما أسموه بعصارة الكتب المستوردة التي حظيت بصيت واسع عبر وسائل التواصل الإجتماعي هي ملجأهم في كسر روتين نمط العيش آنذاك فأغلبهم يترددون على المكتبة من اجل اقتناء البعض منها فغالبا ما تكون صيغة التصفح عبر الانترنت غير متوفرة لدى الجميع،، وعليه يغامرون في كيفية الحصول على مطالبهم.
قال المتحدث «هناك شروط تحددها مسافة الأمان وما يلزمه من وسائل الوقاية، أما الحديث عن موضوع الضرائب والاتصال بدور النشر وما ينجر عنها من عمليات بنكية شأنها أن تحدد نشاط « دار المعرفة « وغيرها من المكتبات فهي مازالت تحتاج إلى إعادة النظر إداريا وتسويقيا حسب ما جاء في تصريحهما.
وأضاف محمد رضا «حبذا لو اعتمدت السلطات المعنية وهذا بمرافقة البلديات على إنشاء معارض شهرية للكتب خارج مقر المكتبات فجلب الزوار وتشجيعهم على بعث هواية القراءة يعد عامل لا يستهان به في انتعاش النشاط من جديد، وهذا طبعا وفق الإرشادات الوقائية الصارمة. فالمساحة المحاذية والمطلة على شاطئ الكتاني معروفة بنشاطاتها الاجتماعية والتجارية، سبق لها وأن ضمت ما يقارب الخمس سنوات خيم مطاعم الرحمة في شهر رمضان كما ضمت خيما لتسويق المنتجات الوطنية في المواسم أفلا تعتبر هذه الفكرة حلا لما آلت إليه المكتبات من ضرر خاصة بعد الجائحة».

مكتبة القرطاسية تتحدى كورونا والمصير المجهول

أشار المشرف على مكتبة القرطاسية وهي أقدم مكتبة بالجزائر العاصمة المتواجدة بشارع العقيد عميروش، حيث أنشئت في أواخر سنة 1963، أن جائحة كورونا ساهمت في ركود نشاط المكتبة كليا، قائلا «كان وضع المكتبة خلال العشر سنوات الأخيرة متذبذب نوعا ما، فتوافد الزبائن قل نظرا لاجتياح المنصات الإلكترونية للمرافق المكتبية وانتشارها والتنافس عليها من طرف المواطنين،وبعد كورونا تأزم الوضع أكثر حيث انعدم تماما التوافد واضطررنا إلى الغلق، وبعد رفع الحجر مازال الوضع غير سار بالنسبة لنا كمشرفين على المكتبة فمخاوف العمال من هذه الوضعية التي تحمل مؤشرات مجهولة المصير والتي نعتبرها كتهديد مباشر لإنهاء مهمتنا «.
وأضاف المتحدث «بالرغم من وجود المبيعات التي نعتمد عليها في بداية العام الدراسي إلا أنها لم تساهم في رفع وتيرة النشاط،حيث يتم بيع الكتب المدرسية على مستوى مكتبات للمطبوعات المدرسية التي تتوافد عليها الاسر الجزائرية لتضمن لأطفالها المتمدرسين كل الكتب لاسيما الحوليات والأجوبة النموذجية للاختبارات في كل الشعب
وعليه فإن معدل المبيعات التي تحققها المكتبة لا يتجاوز الواحد بالمئة، وهنا أقف بدوري كمشرف للمكتبة منوها للسلطات المعنية إلى وضعنا الذي لا نرى فيه أي مخرج سوى إعادة برمجة مسألة توزيع الكتب على كل المكتبات وأن لا تبقى حكرا على مكتبة دون أخرى، وفي الأخير أتمنى أن يصل صوت مطالبنا إلى مسامع السلطات المعنية، فالمكتبة رغم كل ما تعانيه من وضع مزرٍ، إلا أنها لن تفكر في الاستسلام أبدا إلى الغلق كما اضطرت إليه مكتبات كان لها صيت وخدمة جليلة لسنوات طويلة.
بقدر ما تسببت فيه جائحة كورونا من خسائر وركود لدى نشاط بعض المكتبات، ومن توقف خدمات واضطرارها إلى غلق أبوابها أمام جمهور المستفيدين. للبعض الأخر وإعادة نشاط ما تبقى منهم المحتشم بعد رفع الحجر وما اتخذ كإجراءات للتعامل مع الزبائن تبقى معاناة أصحاب المكتبات تفوق كل الحسابات، التي ترفض الاستسلام للوضع.. ولسان حال أصحابها يقول «المكتبات ستظل واقفة على قدم وساق فالمهنة التي توارثوها وأحبوها واختاروها لا تستحق إلا أن يدافعوا عنها وأن تتكاتف جهود الجميع من أجل إعادة بعث إنعاش روحها واستعادة نشاطها من جديد فالمكتبة في نظرهم ليست فقط نشاطا تجاريا بل هي روح أخرى تعانق مصير عائلات العاملين بها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024