اعتبر الفنان المسرحي، إدريس بن حديد، من ولاية تندوف، أنه يمكن تلخيص العراقيل التي يواجهها المسرح، بالجنوب، في الجغرافيا وتباعد المسافات، والحرارة العالية، وغياب المرافق، ونقص السينوغرافيين والحرفيين، ونقص أو انعدام التكوين.. عراقيل لم تمنع وجود حركية مسرحية في الجنوب الجزائري.
تحت عنوان: «واقع المسرح في الجنوب الجزائري»، قدّم الفنان إدريس بن حديد مداخلة مصورة بثّها نهاية الأسبوع، منتدى «فضاء الركح»، التابع لمسرح بسكرة الجهوي، تحت إشراف أ.رابح هوادف. وإدريس بن حديد مؤلف ومخرج مسرحي من ولاية تندوف، رئيس «جمعية صحراء للمسرح وفنون السمعي البصري»، والمدير الفني لـ»جمعية النسور للمسرح» بذات الولاية.
دعا بن حديد إلى الاتفاق على مقولة «تمرين جيد هو عرض جيد»، وأول الشروط الواجب توفرها في التمرين الجيد هو المكان، الذي تتوفر فيه الشروط الفنية والتقنية، وأضاف: «قد يستغرب البعض إذا قلت إن تندوف المعروفة بتقاليدها الفنية والمسرحية العريقة، لا تتوفر على مسرح جهوي»، كان بإمكانه إعطاء دفعة قوية للمسرح بالولاية: «هناك دار ثقافة، ولكنها ليست خاصة بالمسرح، ففي تندوف ما يفوق الأربعين جمعية ثقافية، وجميعها لها الحق في مزاولة نشاطها بين تمارين وعروض وإحياء مناسبات وأيام عالمية ووطنية ومحلية في نفس دار الثقافة».. وأثار المتحدّث الانتباه إلى أن هذا المشكل ليس خاصا بتندوف وحدها، بل بولايات جنوبية أخرى، وخصّ بالذكر تمنراست.
ووجّه بن حديد، في هذه السانحة، نداءً للسلطات المعنية، «من أجل رفع التجميد عن مشروع مسرح جهوي بولاية تندوف»، وأضاف بأن «والي الولاية كان قد وعد بالتحرّك في هذا الصدد» حالما ينتهي الوباء ويُرفع الحجر الصحي.
وانتقل بن حديد إلى الحديث عن عائق آخر لخّصه في «الجغرافيا»، وبالإضافة إلى شساعة الإقليم الوطني وتباعد المسافات، فإن الحرارة العالية الذي يتصّف بها الجنوب، خصوصا صيفا، تساهم في خفض الإنتاج بنسبة 80 بالمائة: «لدينا فصلان في السنة، فصل بارد يضمّ الخريف والشتاء، وفصل حارّ يشمل الربيع والصيف»، في المقابل، اضطرّ المسرحيون إلى التمرّن أو تقديم عروض في قاعات بلا تكييف، وهو ما أضرّ كثيرا بالمستوى الفني.
وبالحديث عن الجغرافيا، فإننا نتطرق أيضا إلى النقل، يؤكد بن حديد، مذكّرا بأن أقرب ولاية إلى تندوف هي ولاية بشار، ويفصل بين المدينتين (مقر الولايتين) 800 كم، ناهيك عن المسافة الفاصلة بينها وبين عاصمة البلاد، وهذا له الأثر الكبير في ميزانية نقل الفرق المسرحية، في حال حضور المهرجانات أو الفعاليات الثقافية، دون احتساب الإطعام والديكور والأكسسوارات، وغيرها من ضروريات العمل المسرحي.
ارتفاعٌ في التكاليف، يقابله نقصُ الإعانات، يقول بن حديد، مضيفا: «في الكثير من المرات، انتهجنا المسرح الفقير فقط لنوفّر قدر المستطاع من الأموال، لتخصيصها لاحتياجات أخرى على غرار النقل». بالمقابل، تتأخر الموافقة على المشاريع على مستوى وزارة الثقافة، وقد تبلغ مدة الانتظار 3 إلى 4 سنوات قبل الحصول على الموافقة.
ثمرة شهور من التعب
أما فيما يتعلّق بالسينوغرافيا، يرى بن حديد بأن تندوف لا تحتوي على سينوغرافيين، ما خلا بعض الاجتهادات والمحاولات، لفنانين ذكر من بينهم الفنان التشكيلي عبد المجيد عيساوي، ولكن لا وجود لهذا التخصص، يقول ضيف «منتدى الركح». كما تخلو الولاية من حرفيين مختصين، مثلا، يتم اللجوء إلى خياطة عامة من أجل ملابس المسرحيات، وقبل ذلك، كان مسرحيو تندوف يتنقلون إلى سيدي بلعباس لخياطة الملابس. ونفس الجهد يُبذل من أجل البحث عن الأكسسوارات، يقول بن حديد، وكل هذه الأمور تجعل من مسرحية مدتها ساعة واحدة، تتطلّب شهورا من الجهد والتعب، والمعوقات التي يعاني منها مسرحيو الوطن عموما، يعاني منها مسرحيو الجنوب بنسبة مضاعفة.
«نحن لا نطلب وسائل كبيرة مثل الكاشفات، أو تقنيات عالية، كل ما نطلبه هو إمكانيات عادية، لأنه حتى هذه الأشياء العادية لم نصل إليها بعد»، يقول بن حديد، مشدّدا على أن هذه العقبات لا تعني الاستسلام، منوّها بوجود جمهور ذوّاق، وحركية مسرحية في مختلف مدن الجنوب.
وأشار بن حديد إلى أن المجتمع المحافظ، وإصر الأعراف والتقاليد، أدّى في حالات عديدة إلى منع آباء أبناءهم من مزاولة المسرح، والمشكل يتضاعف لدى العنصر النسوي، وفي هذا الصدد، ذكر المتحدّث حالاتٍ لفناناتٍ ذواتِ مواهبَ واعدة، توقّفن عن النشاط المسرحي بسبب الزواج. واعتبر بن حديد أن أحسن وسيلة لمواجهة هذه المغالطات وتصحيح الفكرة السلبية عن المسرح هي مواصلة العمل والإبداع.
وبالانتقال إلى الحديث عن الموارد البشرية، من تقنيين وممثلين، نوّه بن حديد بالطاقات التي يزخر بها الجنوب الجزائري. بالمقابل، أشار المُداخِل إلى قلة التكوين وانعدام التكوين النوعي، وتحدّث عن اقتراح التكوين على مستوى معهد الفنون الدرامية ببرج الكيفان، في فائدة المخرجين على وجه الخصوص، ما من شأنه أن يعود بنفع كبير على الحركة المسرحية في الجنوب. وأضاف: «نحن صامدون.. هناك مواهب كبيرة في الجنوب، لا ينقصها سوى توفير بعض الإمكانيات».
التكوين.. واعتماد الإنتاج المشترك
وفي التعقيبات على المداخلة، رأى أحمد خوصة، مدير مسرح بسكرة الجهوي، ضرورة الالتفات للشباب وتقديم يد المساعدة لهم، من خلال تأسيس حركية مسرحية تنطلق على أسس صحيحة. وشاطر خوصة طرح هوادف حول خلق توليفة بين المسارح الجهوية والفرق التي تمارس المسرح، في شكل إنتاجات مشتركة، وهو «ما يتطلع له مسرح بسكرة الجهوي، من خلال التكوين الأكاديمي الذي انطلقت به مع مؤسسات ثقافية بالجنوب الشرقي الجزائري في مرحلة أولى، وفي مرحلة ثانية سيتمّ التكفل بفرق في الولايات التي شملتها اتفاقيات الشراكة، للتكفّل بإنتاجات مشتركة تكون فيها المؤسسات الثقافية شريكا في عملية الإنتاج»، يقول خوصة، الذي أكّد أن مؤسّسته «تحمل خطة لعمل قاعدي، وإستراتيجية فعلية لانطلاق حراك ثقافي مسرحي في ولايات الجنوب».
أما المشرف على المنتدى، الناقد رابح هوادف، أنّ «المسرح يبقى بالنسبة لأبناء الجنوب، نضالا، وهم يناضلون ضدّ تحويل المسرح إلى فولكلور، ويشدّدون على تفعيل مسرح الجنوب لإنضاج وعي فكري». كما ركّز على أهمية الاشتغال على أشكال مسرحية مغيّبة، مثل تراث الإمزاد، وطابع «الهول» الراسخ في الثقافة التندوفية. فيما اقترح الباحث مراد لوافي اعتماد السينوغرافيا الرقمية (توظيف التقنيات الرقمية في الفضاء المسرحي) للقضاء على مشكل متطلبات السينوغرافيا والديكور المادي في العرض من جهة، والاستغناء عن تكاليف وعناء نقل الديكور من جهة أخرى.