ظفرت الروائية الشابة عائشة قحام بطبع أول رواية لها موسومة بـ» الموت المتعفن»، التي أرادت من خلالها أن تحمل القارئ ومحبي عالم الإبداع إلى ثنايا وأحداث فترة حرجة مريرة يمكن اعتبارها الفترة الزمنية الشديدة الخصوصية التي تبقى راسخة في ذهن الجزائري الذي عايش مجرياتها.
هي فترة استطاعت حنكة السياسة الجزائرية أن تتجاوزها وتعيد بريق الأمل والأمان في نفوس المواطنين، الذين كانوا يشتاقون لدقائق سهر في الليل في شوارع مدنهم وأريافهم، تحدّ حمله المسؤولون والشعب على عاتقهم ليديروا بوصلة الأعين والأنظار الدولية التي كانت تنتظر إشارة التدخل لإخراج بلد المليون والنصف مليون شهيد من محنة هي في الحقيقة تخصه وبالفعل كان ذلك، حيث أصبحت الجزائر المثل الأعلى في تجاوز المحن والفترات الحرجة، ليؤكد هذا الوطن على صموده ورفضه المطلق لأي تدخل في كل مناسبة او قضية ترتبط بمصير شعبه لا غير. «الموت المتعفن» صدرت للشابة الغيورة على وطنها عائشة قحام التي قالت ضمن طيات مولودها أن عذابها المخزون بداخلها غيرة على بلدها جعلها ترى في منامها شاعر الثورة التحريرية مفدي زكريا، رافعة بذلك إهداءها إلى هذه القامة التي حاربت بالكلمة وأعلت صوتها لتخيف العدو الفرنسي بعبارات من صميم وطنيّ يحب وطنه إلى النخاع.
تحمل الروائية القارئ في ثنايا فترة زمنية عانت فيها الجزائر من الهجمات الشرسة للإرهاب وكل من له أطماع في سلب أرضنا، حريتها وهويتها الوطنية، وقيادة البلاد إلى حيث ما يريدون، إلى المجهول المظلم.
تقدم «الموت المتعفن» صورة بانورامية من حياة الشيخ «رابح»، أحد قادة وأبطال الثورة المظفرة ضد الاستعمار الفرنسي، الثورة الشبابية التي قاومت وجاهدت العدو طوال أكثر من سبع سنوات، ارتوت خلالها الأرض بدماء ابنائها الذي اختاروا هذه التضحيات الجسام فداء لوطن غالي ويبقى غالي على مر الأجيال، ليتم التأكيد عبر هذه الكرونولوجيا التاريخية على صمود الشعب الجزائري الرافض لكل التدخلات التي تريد أن تعيده إلى فترات ليس في حاجة اليها، هي أوقات زادته قوة وتشبثا بالوطن.
وقد أكد الناقد والرائي المصري فؤاد نصر الدين في تقديمه لـ « الموت المتعفن» إلى أن التعصب الأعمى الذي يميز ما يطلق عليها»الجماعات الإسلامية» بعيدا كل البعد على شرائع الدين الإسلامي الحنيف، الذي يدعو إلى المجادلة بالحق والموعظة الحسنة، مبرزا في هذا السبب أن هذه القضية ليست قضية الجزائر وحدها وإنما بصمت بلدان عربية على غرار تونس، ليبيا، مصر، السودان، اليمن، سوريا، العراق وغيرها..ما أدى إلى نهب الثورات التي اصطلح عليها «الربيع العربي»، ليبقى التحدي الجزائري سيد الموقف، وما مواقف أبنائها في كل المناسبات الا دليل وحجة قوية على تمسكهم الدائم بالأمن والسلام والاستقرار الذي كاد ينفلت من بين يديهم. أما من الناحية النقدية فقد رأى ذات الناقد المصري فؤاد نصر الدين، أن «الموت المتعفن» كأولى روايات الشابة عائشة قحام، يثبت تطلع ذات المثقفة إلى تسجيل إسمها في سجل الروائيات المتميزات بحروف من نور، بناء على السهل الرشيق الذي اعتمدته في تصوير أحداث الرواية، مؤكدا في هذا الصدد أن مثل هذه الأقلام تحتاج إلى يد العون لعبور طريقها إلى النجومية داخل وخارج رقعتها الجغرافية.