تأسّف الشاعر الشيخ الدراجي عن المعاناة التي يعيشها الموروث الثقافي الشعبي من حيث الجمع والنشر والدراسة الأكاديمية العلمية المعمقة، قائلا لـ»الشعب»، «إن مسؤولي مؤسسة الأدب دأبوا على تجاهل مضمار الثقافة الشعبية، وهذا خطأ تاريخي، لن ندرك فداحته إلا بعد فوات الأوان، لأن الأدب الشعبي يعبّر عن روح الأمة وأصالتها، وتهميشه هو كسر للقاعدة الصلبة التي ترتكز عليها شخصيتنا».
وللتطرق إلى خبايا هذا العالم الفني المهم كان لـ»الشعب» مع الشاعر الدراجي هذا الحوار..
الشعب: الأدب العربي لأية أمة هو أدب عاميتها التقليدي، وقد برز بما يعرف بالشعر الملحون، كيف تجدون هذا النوع الأدبي من ناحية حفظ الموروث الشعبي بالجزائر؟
الشيخ الدراجي: من ناحية الموروث الشعبي، فإن هذا النوع من الأدب قد ساهم بشكل كبير في حفظ ثقافة وذاكرة هذا الوطن، حيث إن العديد من الشعراء السابقين لم يتخلوا عن مثل هذا النوع من الأدب الشعبي، وتمّ المحافظة عليه من طرف أبائنا وأجدادنا.
من مميزاته أنه سهل وكلماته مفهومة اشتهر في عهد الاستعمار الفرنسي، فاضحا أبشع صور التعذيب وقتل الأبرياء في الجزائر. كما أن أهمية الحفاظ على الموروث الشعبي بكل أنواعه تكمن في حمايته، مما يتعرض له هذا التراث من ضياع أو سرقة والنهب وبسبب الغزو الثقافي والتطور التكنولوجي الذي يعمل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على طمس الهوية الوطنية وتذويب معالم الشخصية الإسلامية، فالفائدة من التراث الشعبي لن تتحقق إلا بالتواصل في توريثه واستمرار الحفاظ عليه، بالاهتمام به.
❊ الشفاهية والتدوين في الشعر الملحون، هل تعود إلى موهبة الكتابة أم قوة الذاكرة؟
❊❊ الشفاهية والتدوين في الشعر الملحون تعود إلى موهبة الكتابة بالدرجة الأولى ومدى تأثر الشاعر بالموضوع الذي يكتبه، ومعايشته للحدث، لكن هذا لا يعني أن قوة الذاكرة لا تتدخل في الكتابة، فعندما نقول معايشة الحدث فنحن نتحدث بصورة غير مباشرة عن الذاكرة ومدى تفكر الشاعر لمختلف الوقائع من حيث الزمان والمكان.
❊ كيف ترى واقع هذا النوع الأدبي؟ وهل خدم المجتمع وساهم في تنوير العقل؟
❊❊ لا يقل الشعر الشعبي في الجزائر أهمية عن مثيله الفصيح أثناء الثورة التحريرية المباركة وبعدها، إذ كان رديف السلاح وصوت المجاهدين المدوي، كما كان عاكسا لآلام أصحاب القضايا العادلة، كالاعتزاز بالأمجاد، الحث على التمسك بتعاليم الدين المجيد، التغني بالحرية والفرح والاستقلال، تمجيد الأبطال الذين خدموا وطنهم، الدعوة إلى تنظيم وتوحيد الصف، حثّ الشباب على الصبر والثبات، التغني بثورة نوفمبر، تبرئة المجاهدين من التهم التي ألصقتها بهم فرنسا، الاستهزاء من الاحتلال، التفاعل مع القضايا العربية ومحاولة نصرتها ...
❊ هل نستطيع القول بأن الشعر الملحون وجد ضالته في الجزائر؟
❊❊ دأب حكام مؤسسة الأدب الرسمي على تجاهل مضمار الثقافة الشعبية، والتقليل من قيمة الأدب الشعبي، بدعوى أنها دراسات بسيطة، الإبداع مبتذل وهامشي، وهذا خطأ تاريخي، لن ندرك فداحته إلا بعد فوات الأوان، لأن الأدب الشعبي يعبّر عن روح الأمة وأصالتها وتهميشه هو كسر للقاعدة الصلبة التي ترتكز عليها شخصيتنا، والتي نتمايز بها عن بقية الشعوب والأمم، كما أن إهمالنا لهذا المجال في الجمع والبحث والدراسة يفقدنا الكثير من كنوزه، ونحن نشاهد تسارع العصر وتغير الأمور، فالجزائر أضحت غابة من الاسمنت تحاصر اخضرار الروح والأمكنة والثقافة الجزائرية أصبحت كالدمية التي تغطي وجهها الأصباغ المتنافرة، وأمام طوفان الرقمية والتقدم لا نجد غير الاستمساك بالروح الشعبية الصافية لأجل الانتصاب أمام رياح العولمة.
❊ يتأسس الشعر بالاستناد إلى الجماليات لبناء ثقافة أصيلة منسجمة، ما الذي يحتاجه الكاتب لبناء قصيدة أساسية بالملحون؟
❊❊ يحتاج الشاعر لبناء قصيدة أساسية في الشعر الملحون إلى ثقافة ومعلومات كافية، خاصة حول الموضوع الذي هو بصدد كتابته دون أن ننسى تأثره بالموضوع، وكذلك الوقت الكافي والهدوء.
أصبح ضرورة ملحة وحتى يصبح التراث حيا يحتاج إلى جهود للكشف عنه، وإحيائه وإزالة العوائق التي تقف وراء اندثاره، وحفظ الأدب الشعبي يعتبر حفاظا على الموروث الشعبي.
❊ من هي الأسماء التي تميزت في عالم الكلمة الشعبية؟
❊❊ الأسماء التي تميّزت في الشعر المحلون منها، الشيخ السماتي، والشاعر بن ڤيطون، والشاعر بن مجدوب، وبن كريو، وكذلك أمثال الحاج محمد بن قدور التالي، سيدي الأخضر بن خلوف المدعو سيدي الأكحل.
❊ هل تجد بأن الشعر الملحون تقوقع في مجال معين؟
❊❊ لا أجد أن هذا النوع من الشعر تقوقع في مجال واحد فقط، فقد مسّ جميع جوانب الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والترفيهية، على الرغم من القيمة الإبداعية والجمالية للشعر الشعبي وحضوره القوي في الساحة الثقافية كلون أدبي يحمل قيمة تراثية كبيرة، غير أنه يبقى يعاني من حيث الجمع والنشر وخاصة الدراسة الأكاديميةالعلميةالمعمّقة.