ثمّن الشاعر عيسى نكاف في حوار مع «الشعب» دور وزارة الثقافة في خدمة الكتّاب الجزائريين، مشيرا إلى أنها فتحت المجال واسعا أمام المثقف لا سيما في احتضان نصوصه وطباعتها.
وأكد نكاف أن الشعر بالرغم مما يحدث يبقى يصنع احتفالاته، والشاعر الذي يطور نفسه سيجد مكانته لا محالة في عالم القافية، مضيفا أن الذي يعتبر نفسه رديئا عليه أن ينسحب من الساحة الأدبية.
الشعب: بداية كيف اقتحمت عالم الكتابة؟
عيسى نكاف: بداياتي كانت في سنوات الثمانينيات، أي خلال سنوات المراهقة الأولى، حيث كنت أمهد نحو الجرائد، حيث كانت آنذاك تصدر كل من جريدة «الشعب»، «المجاهد» و»الجمهورية»، لذلك كنت أقوم بمراسلات، وكانت لي ذائقة فنية، خاصة أنني اطلعت على روايات كل من رشيد بوجدرة، الطاهر وطار، وأيضا الروايات العربية، كانت هناك إيديولوجية، ولكن في نفس الوقت كان هناك إبداع، وكنت أشعر آنذاك بنوع من الغيرة من الكتاب والروائيين، لذا اندفعت إلى قراءة كل النصوص التي تقع أمامي، والتهامها.
وأول مجموعة لي هي «إرهاصات من ذاكرة الورق»، طبعت من طرف اتحاد الكتاب الجزائريين سنة 2001، وهي نصوص شعرية، حيث كنت أتابع الحركة الأدبية من خلال الجرائد العربية التي كانت تصلنا، من بينها جريدة «الفيصل»، «الجيل» و»المستقبل» وذلك أيام الدراسة الثانوية.
^ الغيرة دفعت بكم إلى الكتابة، ما الذي قدمه عيسى نكاف للأدب الجزائري؟
^^ بعد «إرهاصات من ذاكرة الورق»، أصدرت كتاب «رأيت في المعبد» وهو تأريخ لسنوات التسعينيات والأزمة التي عصفت بالجزائر آنذاك، لولا وقوف النخبة التي آمنت بمسار الوطن، ولم تتقاعس في حماية الجزائر.
وأقول أنه في ذلك الوقت ازدادت الحركة الأدبية بما فيها الملتقيات واللقاءات، وأذكر أنه في مدينة الشلف سنة 1991، أقيم الملتقى الوطني للقصة، حيث حضرت فيه أسماء بارزة، منهم من أصبح روائي أو شاعرا.
^ هذا يعني أنك من الكتّاب الذين واجهوا تلك الفترة العصيبة بأقلامهم وكتاباتهم؟
^^ نعم ولم نكتب بصمت، وإنما بنوع من المواجهة، لأنه في تلك السنوات حين نذهب مثلا إلى بجاية، حاملين كتبنا وأشعارنا، فذلك يعد نوعا من المخاطرة، فالمثقف دفع ضريبة وقوفه الحاجم أمام هذه الأحداث.
بعد ذلك قدمت «أقاليم البياض» طبع من طرف وزارة الثقافة التي فتحت المجال واسعا أمام المثقف وخدمته كثيرا من خلال طبع أعماله، وهذا الكتاب جاء في مرحلة السلم ومصالحة وفي لغة شعرية متدفقة.
ليأتي بعد ذلك «أمكنة وأكثر من برد» وهو عودة إلى الذات، والكتابة عن العائلة والتراث، حيث أتحدث فيه عن الحجاج، ومعاوية.. النص الشعري أود أن يكون متميزا مهما كانت الكتابة، سواء شعر التفعيلة أو المنثور، المهم أن يصنع الاسم فضاء له، ولم أتوقف منذ ذلك الحين عن الكتابة.
فـ»أكثر من برد» و»أمكنة» أعتبرهما كتابة بنوع من النضج واليقين، إضافة إلى ذلك أصدرت كتابي الأخير «هذا البعد هذا القرب»، والذي صدر في طبعة جيدة.
^ إذا هل لك أن تحدثتا قليلا عن مولودك الأدبي الجديد؟
^^ هذا الكتاب حاولت أن أشتغل فيه كثيرا عن اللغة، وأحاول أن أستسيغ بعض العتمات، على اعتبار أن الشعر في منظوري يوازي لوحة تشكيلية، فعندما ننزح عن الواقع يفقد الشعر مضمونه، فقد حاولت أن أنقل هذا البعد أو هذا القرب في طابع بعيد عن النمطية والسطحية إلى العمق ونوع من العتمة.
كما أكتب حاليا رواية، وقد سرقتها من الشعر، ففي مرحلة التسعينيات بدأت ذلك الخوف الذي عشناه جعلني ألتحق بفضاء تغزوه الطمأنينة، حيث كتبت عن «عصافير النهر» وهي عبارة عن مقاربات للجسد، وتحدثت عن نهر الشلف والروايات التي تدور بشأنه، ففي هذه الرواية كنت أتلصص على كل شيء وأكتبه بعيدا عن الخوف.
^ وهل ستصدر هذه الرواية قريبا؟
^^ هي الآن عبارة عن مخطوط، وفي مرحلة التصحيح والتنقيح، وربما سأنشر جزئياتها في جريدة «الشعب»؟
^ وبين الرواية والشعر أين تجد متنفسك؟
^^ أجد متنفسي أكثر في مجال الشعر، ولكن في داخلي لو كتبت الرواية سأكتبها بصورة رهيبة، ولكنها تأخذ الكثير من الوقت والإزعاج، ليس كالشعر يأتي هكذا في حين أن الرواية يجب أن يكون لها تخطيط ذهني.
^ كيف تقيّم واقع الشعر في الوقت الراهن؟
^^ الشعر بخير، فحتى الصفحات الأدبية أصبحت تحتفل بالشعر، فعلى سبيل المثال جريدة «الشعب» عادت لها نزعتها الثقافية، حيث ترعرع فيها روائيون وكتّاب، وأشرف على صفحاتها أسماء معروفة في الساحة الأدبية، مثل الراحل الطاهر وطار.
^ لكن تعالت العديد من الأصوات التي تقول بأن الشعر طغت عليه الرداءة والمحسوبية؟
^^ الإنسان الذي يعتبر نفسه رديئا عليه أن ينسحب من الساحة الأدبية، هناك أسماء قوية، حتى في القصيدة الحديثة التي أصبح لها باع كبير، بعد التخلص من عقبة الوزن مثل الشاعر العالمي أدونيس، ولكن هنا الشاعر الذي لا تواكب نصوصه العصر سوف يضمحل، كما اضمحلت أسماء ظهرت السبعينيات والتي لم يعد لها وجود، بالرغم من أنها كتبت بغزارة.
الشعر يبقى يصنع احتفالاته مع حدث، والشاعر الذي يطور نفسه سيجد مكانته لا محالة في مضمار الشعر.
^ هذا يعني أنك كشاعر وكمثقف لم تواجهك صعوبات، وأكدت أن وزارة الثقافة احتضنتكم وفتحت لكم الباب على مصراعيه لاحتضان أعمالك الأدبية؟
^^ نعم، أنا شخصيا حضرت من مدينة داخلية، ولم تكن لي أي علاقات مع وزارة الثقافة، ومن خلال صندوق دعم الإبداع، قدمت نصوصي التي تستقبلها مديرية الكتّاب وهم يعملون على قدم وساق لخدمة الكاتب والكتّاب، ومن جهة النشر لم أعان أبدا من طباعة كتبي.
^ وما هي الرسالة التي تعمل على توجيهها من خلال نصوصك الشعرية؟
^^ أنا أكتب بصيغة وجودية، قد أواجه أسئلة أو قلقا وجوديا، ولكن عندما أكتب نصا، أحب أن أصيغه بجمالية حتى يتمتع معي القارئ، الذي يعتبر مبدعا ثانيا، فهدفي هو المطالعة.
أريد أن أوضح أن ما ينقص هو تدخل الوزارة لتخصيص نوع من الإشهار، حيث غابت الملتقيات، ربما لا يشجعون المبادرات الثقافية، باعتبار رئيس فرع الجاحظية بالشلف أقوم بمبادرات، لكن لا يكون ذلك إلا بدعم من السلطات المحلية، فقد حاولت أن أنقل الفعل الثقافي من العاصمة إلى ولايتي، واستقبلت كبار الروائيين منهم رشيد بوجدرة ومحمد مفلاح، أمين الزاوي، لكنني وجدت نفسي أمام غياب الدعم الكافي لمديرية الثقافة، لذا راسلت الولاية للتدخل لتجسيد مشروع ثقافي أريد بعثه، يهدف إلى استقبال مؤرخين أو كتاب أو باحثين، وننقل الفعل الثقافي من العاصمة إلى الولايات المجاورة.