ألقت الأستاذة سلوى طبركان، أول أمس الخميس بدار الثقافة رشيد ميموني ببومرداس، محاضرة بعنوان «يناير رمز تاريخي ومظهر ثقافي»، تطرقت فيها إلى أصل الاحتفالات بيناير وطقوسها. وعزت الباحثة المناسبة إلى ثلاثة أصول: تاريخي، زراعي وأسطوري. كما تطرقت إلى مظاهر الاحتفال بيناير وما تحمله من رمزية الارتباط بالأرض. وأكدت المحاضِرة لـ»الشعب» على الحاجة الملحّة إلى تدوين التراث اللامادي المهدد بالضياع.
بدأت سلوى طبركان، الأستاذة بكلية الحقوق ببودواو، محاضرتها بأصل التسمية والاحتفال بهذه المناسبة، الذي حددته في ثلاثة أصول: أصل تاريخي متمثل في المعركة التي قامت بين الزعيم الأمازيغي شيشنق والفرعون المصري رمسيس الثاني، وانتصار شيشنق وحكمه لمصر وقد دام حكم هذه العائلة قرنين من الزمن. أما الأصل الثاني فهو أصل زراعي باعتبار أن يناير يفصل بين موسم الحرث وموسم الأمطار، ويحتفل الأمازيغ بهذه المناسبة أملا في موسم وفير وخصب. فيما رأت بأن الأصل الثالث أسطوري، يتمثل في تلك العجوز التي تحدت شهر يناير وخرجت ترعى بعنزاتها في الجبل، فعاقبها يناير بأن جمّدها مع عنزاتها في جبل من جبال جرجرة، وهو كما نرى تفسير أسطوري لزيادة عدد أيام يناير مقارنة بشهر فبراير الذي أعار يوما لسابقه حتى يعاقب فيه العجوز.
ارتباط بالأرض وتفاؤل بخير وفير
بعد هذا انتقلت الأستاذة المحاضرة إلى الطقوس والممارسات المرتبطة بـ»يناير»، والتي بقيت متداولة حتى يومنا هذا، رغم أن جزءها الأكبر قد ضاع مع تحولات العصر الراهنة، مشيرة إلى أن كثيرا من هذه المظاهر، على تعددها، كاعتماد الطبق الرئيسي في الاحتفال، في أصله، على القمح، وهذا دليل ارتباط الأمازيغي بالأرض.
وقد ركّزت المحاضِرة على منطقة القبائل لمعرفتها أكثر بحكم الانتماء، ومن أهم الطقوس التي ذكرتها تحضير العشاء المميز المكون من طبق الكسكسي مع الخضار والبقول الجافة، بالإضافة إلى الديك الذي يجب أن يكون لونه أحمر، إلى جانب تحضير «عشاء الحشرات» أو ما سمته «أمنسيو ابعوش»، وهذا حسب تفسيرها يعني ميثاقا مع الحشرات حتى لا تفسد المحاصيل.
كما يُشترط أن تكون العائلة الكبيرة حاضرة في الاحتفال، ويجب أن يأكل كل واحد حتى الشبع حتى لا يشعر بالجوع طيلة السنة، وحتى تكون أبواب الرزق والخير مفتوحة. كما يتم تحضير عديد المأكولات، من منتوجات فلاحية خاصة من القمح، ومن هذه المأكولات نجد «البغرير» و»الخفاف» وغيرها.
أما الرجال فيقومون بإحضار أغصان الأشجار الخضراء إلى المنزل، وفي ذلك أيضا دلالة على ارتباط الأمازيغي بالنبات والزرع والأرض. كما نجد من العادات التي كانت سائدة قديما وأثرت عليها تحولات العصر، تغيير حجارة الموقد أو «الكانون».
وإضافة إلى قيام النساء في منطقة القبائل بارتداء الزي القبائلي والتحلّي بالفضة، فقد كان سائدا طقس صبغ الحواجب بمسحوق نبتة «الأزو» بالقبائلية وهي نبتة «الوزال» باللغة العربية أو ما نسميه بالعامية «القندول»، هذه النبتة التي تتميز بلونها الأخضر والأصفر وأشواكها، ويتم حرق هذه النبتة وهو ما ينتج عنه صبغة لونها بين الأحمر والبني، وذلك تيمنا للخير والبركة في العام الجديد.
أما بالنسبة للأطفال وخاصة الذين يبلغون حولا كاملا، فيتم حلق شعر الطفل ووضعه في قصعة أو «جفنة» كبيرة وتُرمى عليه الحلويات والمكسرات، تفاؤلا بالحياة السعيدة ووافر الصحة وطول العمر.
تراث غير مادي يرحل مع رواته
وفي تصريح خصّت به «الشعب»، اعتبرت الأستاذة سلوى طبركان أنه على الرغم من وجود عدد من المتغيرات اللغوية تحتها، فإن الأمازيغية هي لغة واحدة لها قواعد نحو وصرف وكل ما تشمله اللغة، وأن الأصل في كتابتها هي التيفيناغ. بالمقابل هنالك لهجات مختلفة، وحتى في اللهجة الواحدة توجد لهجات فرعية خاصة بمنطقة دون أخرى، مع وجود كلمات مشتركة: «في اللغة العربية الفصحى مثلا هي لغة رسمية ولكن هل يتحدث الناس الفصحى في تواصلهم اليومي؟»، تقول طبركان مشيرة إلى الفرق بين اللغة الأكاديمية الجامعة واللهجات المستعملة للتواصل: «اللغة الواحدة موجودة، ولكن المشكل هو عدم التعامل بها بل باللهجات»، تضيف، معتبرة أن اللهجات المحلية تبقى تسيطر على اللغة الرسمية بفضل استعمالها اليومي.
سألنا هذه الباحثة المتخصصة في الأدب الشعبي عن وجود نصوص (شعرية) خاصة تستعمل في طقوس الاحتفال بيناير، فقالت: «هنالك أشعار تلازم الاحتفال بيناير، نجد في مضمونها الصلاة والسلام على النبي الكريم، وأدعية ليكون العام عام خير وخصب فلاحي». وأضافت بأن الباحث يعتمد على روايات شفهية (كتبت فيما بعد) وأن ما يعطي صدقية لهذه الروايات هو الممارسات المستمرة والمتواترة.
وقالت طبركان، التي تشتغل في بحثها الأكاديمي على موضوع الألغاز في منطقة القبائل، إن الغاية المنشودة هي تدوين التراث قبل أن يندثر، ويرحل برحيل رواته المتقدمين في السن، وقد عمل باحثون كثر على تدوين التراث، تقول طبركان، بداية بمولود معمري وآسيا جبار والطاوس عمروش وغيرهم، ووصولا إلى محمد أرزقي فراد ومحمد آكلي حدادو، والقائمة طويلة.
تجدر الإشارة في الأخير إلى أن الأستاذة طبركان قد ألقت محاضرتها في غياب ممثل رسمي عن قطاع الثقافة في ولاية بومرداس، بما في ذلك مدير دار الثقافة التي احتضنت المحاضرة، وقد يدل ذلك على الاهتمام بالاحتفالات بهذه المناسبة، ويبشر بسنة ثرية ثقافيا.